تعرَّف على عاصمة مصر.. القاهرة التي حملت آثار الحضارة الإسلامية

إن الحديث يطول عن معالم سطرت بفنونها المعمارية طرازاً فريداً في الماضي أثبت أن التقدم لا يأتي بطول الأمد، وإنما يأتي بمرونة العقل، والرغبة في صنع الحضارة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/26 الساعة 01:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/26 الساعة 01:59 بتوقيت غرينتش

ألف وستمائة وست وأربعون عاماً مرت على البدء في بناء ذلك الحيز الجغرافي الذي يحمل بين طياته كنوزاً عمرانية وتخطيطية نشأت في ظل فتوحات وحروب أثرت على الفكر التخطيطي لصانعي القرار وقتها، وجعلتهم يُخرجون ما في جعبة عقلهم الحربي في التخطيط والبناء.

القاهرة الفاطمية ذلك التاريخ الذي يحمل آثار الحضارة الإسلامية، التي تلت ثلاث عواصم إسلامية كبرى، أولها مدينة "الفسطاط" التي بناها الصحابي عمرو بن العاص بعد فتحه لمصر عام 641م، وثانيها مدينة "العسكر" التي أسسها الخلفاء العباسيون بعد أن أصبحت مصر إحدى ولايات الدولة العباسية بعد عام 750م، ثم مدينة "القطائع" التي أنشأها أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية، الذي استقل بمصر عن الدولة العباسية؛ ليكون لمصر طابع عربي خاص بها عام 869م.

ثم أنشئت القاهرة الفاطمية على يد "جوهر الصقلي"، قائد جيوش الخليفة "المعز لدين الله الفاطمي"، عام 970م، الذي ابتدأها ببناء الجامع الأزهر.

يبدأ الحيز الجغرافي للقاهرة الفاطمية من باب الفتوح شمالاً، وشارع المعز لدين الله وشارع النحاسين والغورية والمغربلين وشارع الحلمية والسيوفية والخليفة حتى ميدان السيدة نفيسة جنوباً.

تنقسم القاهرة الفاطمية إلى ثلاثة أحياء رئيسية: "الجمالية، والدرب الأحمر" وفيها ولد الخديو إسماعيل مشيد "القاهرة الخديوية"، وحي "الخليفة"، جزء من حي "السيدة زينب وباب الشعرية".

التخطيط الإسلامي:
مصطلح التخطيط الإسلامي لا يعني بالطبع أن عملية التخطيط قائمة على أسس ومبادئ إسلامية، وإنما يعني أن تلك العملية قامت في عصر جديد له عوامله الاقتصادية والاجتماعية التي تنعكس بالطبع على حياة الموجودين في هذا العصر، فهو يعني التوازن بين الحياة الإنسانية وباقي المخلوقات والأنشطة التي تمس حياة الفرد.

لقد كان مركز المدينة في العصر الإسلامي هو المسجد، وبه تعقد الاجتماعات والندوات المهمة، فكان هو أول ما يتم اختيار موقعه، وبناء عليه تتحدد أماكن باقي معالم المدينة؛ لذلك نرى الآن أن معظم المناطق الأثرية الإسلامية تسيطر عليها المساجد ذات المساحات والتصميمات المعمارية الفريدة، أكثر من سيطرة القلاع والحصون والمساكن عليها، يلي المساجد في البناء المدارس الإسلامية وسكن المغتربين من التجار، تليهما الأنشطة التجارية متراصة جوار بعضها؛ حيث كان يمثل النشاط التجاري وتنقل التجار بين البلاد عاملاً اقتصادياً مهماً، إن لم يكن الأول لدى السكان في العصور الإسلامية، ثم يأتي بعد ذلك المناطق السكنية التي تحمل في تخطيطها الترابط الاجتماعي مع المحافظة على خصوصية كل أسرة، فيما تحاط المدينة الإسلامية بسور ضخم له بوابات ضخمة في بدايته ونهايته، ويتمركز بداخله القلاع والحصون.

"كان العصر الذهبي للمدينة الإسلامية في الفترة بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر؛ حيث شهد العالم الإسلامي طفرة كبيرة في النمو الاقتصادي، صحبته طفرة في التقدم العلمي والفني والحضاري، واستمرت المدينة الإسلامية بعد ذلك فترة تتراوح بين أربعمائة وخمسمائة سنة من الركود الحضاري والعمراني لم يضَف فيها أي معالم عمرانية على المدينة الإسلامية، واستمر هذا الحال حتى القرن التاسع عشر عندما بدأت تظهر آثار الثورة الصناعية في أوروبا، التي تبعتها مرحلة النمو الاقتصادي والتوسع الاستعماري، الأمر الذي أحدث تحولات جذرية في المدن الإسلامية بعد ذلك، ولم تظهر هذه التحولات في النواحي العمرانية فقط، بل امتدت أيضاً إلى الجوانب الاجتماعية والنظم الاقتصادية، وتقهقرت بذلك القيم التي كانت تسود المدينة الإسلامية من قبل، ففقدت المدينة الإسلامية بذلك شخصيتها الحضارية ومقوماتها العمرانية"، محمد عبد الباقي إبراهيم – الخصائص العمرانية للمدينة الإسلامية 1996.

شارع المعز لدين الله الفاطمي:
ذلك الشارع الذي يعتبره علماء الآثار أكبر متحف إسلامي مفتوح، الواقع في منطقة الأزهر بالقاهرة الفاطمية، والذي بدأ بناؤه مع بداية بناء القاهرة الفاطمية على يد جوهر الصقلي، قائد جيوش المعز لدين الله الفاطمي، التي يحدها باب النصر وباب الفتوح شمالاً، وشارع باب الوزير جنوباً، وشارع الدراسة وبقايا أسوار القاهرة شرقاً، وشارع بورسعيد غرباً.

ان ذلك الشارع يحمل كنوزاً عمرانية شاهدة على روعة وعبقرية الفكر التخطيطي لدى الأجداد، أهمها ما يلي:

باب الفتوح 480 هـ:
إحدى بوابات مدخل شارع المعز وقد أنشأه الوزير بدر الجمالي من الحجر، ويبلغ عرض الكتلة البنائية ‏22.85‏ متر، وعمقها ‏25‏ متراً، وارتفاعها ‏22‏ متراً، ويبرز ثلث الكتلة البنائية خارج الأسوار، يتكون باب الفتوح من برجين لهما واجهتان مستديرتان، ومجوف المدخل بين البرجين في مقدمتهما المدخل، يعلوهما عقد نصف دائري، ويعلو كل برج غرفة دفاعية، وعلى جانب كل منهما فتحتان كبيرتان.

باب زويلة 485‏ هـ
الباب الثاني لشارع المعز، ويتكون من كتلة بنائية ضخمة عرضها ‏25.72‏ متر، وعمقها ‏25‏ متراً، وارتفاعها ‏24‏ متراً، ‏ وكباب الفتوح يتكون من برجين مستديرين، يبرز ثلث كل برج للخارج، وهو ذو بناء مصمت، وتعلوهما غرفتان للدفاع، يغطيهما قبو طولي يتقاطع مع قبو عرضي، تعلوهما مئذنتان يمكن رؤيتهما من أي مكان بالشارع لارتفاعهما المتميز؛ ليعطيا البوابة علامة مميزة مهمة لا تمحى من ذاكرة المارة بالشارع.

جامع الحاكم بأمر الله 380-403هـ
أحد أشهر المعالم الإسلامية بالقاهرة الفاطمية؛ نظراً لمساحته الضخمة وفنائه الواسع ومآذنه ذات الارتفاع المنخفض والشكل المختلف، وترتيب أعمدته المتراصة إلى جوار بعضها بينها بحور معمارية غير واسعة، محيطة بممرين كبيرين يصحبان الزائر من بداية دخوله المسجد حتى مكان الصلاة، بُني في عهد العزيز بالله الفاطمي الذي توفي قبل إتمامه، فأتمه ابنه الحاكم بأمر الله 403 هـ؛ لذا نُسب إليه وصار يعرف بجامع الحاكم.

كان المسجد في بادئ الأمر يقع خارج السور الشمالي المبني بالطوب اللبن الذي بناه جوهر، إلا أنه أصبح داخله أيام الخليفة المستنصر بالله، بعد أن قام وزيره بدر الجمالي بتوسيع القاهرة، وأصبح السور الشمالي يلتصق تماماً بالجدار الشمالي للجامع، يبلغ طول المسجد 120.5 متر، وعرضه 113 متراً، وهو ثاني مساجد القاهرة اتساعاً بعد مسجد ابن طولون.

سبيل محمد علي:
تحفة معمارية أنشئت عام ‏1820‏م صدقة على روح ابنه طوسون، ذات واجهة نصف دائرية، تأثر بناؤه بالطراز الأوروبي، به خمسة شبابيك مصنوعة من النحاس، يعلو كل شباك لوحة رخامية، تعلوها زخارف، ويعلو السبيل قمة من الخشب المغطى بألواح من الرص.

ويحتوي الشارع أيضاً على مبانٍ أثرية عدة، منها "زاوية أبو الخير الكليباتي، مسجد وسبيل وكُتّاب سليمان أغا السلحدار، جامع الأقمر، قصر الأمير بشتاك، مسجد ومدرسة السلطان برقوق، مدرسة الظاهر بيبرس البندقداري، المدرسة الأشرفية، سبيل نفيسة البيضا وواجهة وكالتها، جامع السلطان المؤيد، وغيرها..".

إن الحديث يطول عن معالم سطرت بفنونها المعمارية طرازاً فريداً في الماضي أثبت أن التقدم لا يأتي بطول الأمد، وإنما يأتي بمرونة العقل، والرغبة في صنع الحضارة.

أما الحال الآن فقد وصل إلى أرذله، فتحولت تلك التحف المعمارية إلى مبانٍ قديمة متهدمة أجزاؤها، تسيطر عليها الأنشطة التجارية التي اتخذت من أدوار المساكن الأرضية بها محلاً لها؛ لتشهد القاهرة الفاطمية صراع حضارات معمارية أثرت عليها ظروف اقتصادية مضمحلة، جعلت الإنسان لا ينظر إلى تاريخه ولا يحمل ثقافة المحافظة عليه، في ظل انشغال حكومات متعاقبة بمآربها السياسية.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد