ثروات نظام الأسد والقذافي ومبارك في لندن.. كيف تضفي بريطانيا الشرعية على أموال دول الربيع العربي المنهوبة؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/25 الساعة 13:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/25 الساعة 13:10 بتوقيت غرينتش

"تنظيف الربيع: كيف كان لطلبات الثراء غير المبرر أن تساعد دور المملكة المتحدة في غسيل الثروات الفاسدة لدول الربيع العربي". لا يُعد هذا عنواناً مُلفتاً للأنظار على وجهٍ خاص، لكنك سترى كيف أن التقرير الصادر يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، عن الشفافية الدولية في المملكة المتحدة يمثل ضربة قوية بمجرد أن تتجاوز ذلك الإحساس.

أخفوا أموالهم المنهوبة داخل بريطانيا

ما يُشير إليه التقرير بصورة قاطعة هو أن بريطانيا كان بإمكانها، وكان ينبغي عليها، فعل المزيد لتضمن أن القادة الفاسدين في سوريا ومصر وليبيا وعائلاتهم وحاشياتهم لن يتمكنوا من إخفاء ملياراتهم المنهوبة داخل بريطانيا.

الأمر في غاية السهولة. وقد قام بتسهيله محترفون أنشأوا شركات وهمية تعمل في أراضي ما وراء البحار مثل جزر العذراء البريطانية لغسيل الأموال المنهوبة؛ بواسطة بنوك ومحامين لا يثيرون الأسئلة الكافية؛ بواسطة وكلاء عقارات يديرون وجوههم عن الأمر بينما يبيعون منشآت لندن الراقية.

عمليات غسيل الأموال الكبيرة

وهذا ما اضطرت وكالة الجريمة الوطنية لقوله في تقريرها الصادر حديثاً حول غسيل الأموال ولماذا من السهل القيام به في المملكة المتحدة: "تعتمد جميع عمليات غسيل الأموال الكبيرة، وتلك العديدة التي تقوم على أساس نقدي، على وسطاء محترفين يسهلون هذا النشاط. وتسمح مهارات ومعرفة وقدرات هؤلاء المحترفين النافذين في القطاعات المالية والقانونية بخلق أنظمة بالغة التعقيد تقوم بنقل وتخزين كميات هائلة من الأموال المنهوبة وإخفاء ملكيتها بصورة فعّالة".

وتكون كميات الأموال الضالعة في تلك العمليات ضخمة لأبعد حد. يتحدث تقرير الشفافية الدولية عن كميات تتراوح بين 36 ملياراً و90 مليار جنيه إسترليني من الأموال المشبوهة تم غسلها داخل المركز المالي العالمي بلندن. جاء الكثير من هذه الأموال من الشرق الأوسط.

ملايين الأسد في لندن

من أجل ضرب مثال واحد، فإن الثروة الشخصية التقديرية لبشار الأسد عام 2012 كانت تقترب من المليار جنيه إسترليني، وتلك الخاصة بعائلة الأسد تبلغ حوالي 5 مليارات جنيه إسترليني. معظم هذه الثروات توجد الآن خارج سوريا والكثير منها جاء للمملكة المتحدة. وفي حين جمّدت الحكومة حوالي 100 مليون جنيه إسترليني من الأصول المملوكة لشخصيات قيادية في النظام السوري، لم يُصادر أي شيء نتيجة نشاط إجرامي.

تُعد لندن على نحوٍ غير مفاجئ الخيار الأوفر حظاً لإضفاء الشرعية على الأموال المشبوهة. وتُعتبر المنشآت ذات المواقع المرموقة التي تحمل بداخلها، وعادة ما تتجاوز، قيمتها الشرائية وسيلة جيدة للغاية لإخفاء الثروة المنهوبة.

حالة سُليمان معروف

ويُشير التقرير لحالة سُليمان معروف، أحد شركاء بشار الأسد. أُدرِج معروف على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2012. وتعرّض معروف، الذي وصفته صحيفة الغارديان بأنه الرجل المتلاعب لعائلة الأسد، للتحقيق معه بتهمة غسيل الأموال من قِبل السُلطات السويسرية. أظهرت تلك التحقيقات أنه رغم محدودية نشاطه التجاري إلا أن حساباته حملت بداخلها 31 مليون دولار نقداً.

إلا أنه ومع وقوع كل هذه الأمور، كان معروف لا يزال قادراً على شراء شقة بضاحية St John's Wood الراقية بلندن في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014. وتُضاف تلك الشقة لمجموعة متميزة بالفعل والتي، وفقاً للتقرير، تشمل "على الأقل 6 ممتلكات فارهة في لندن بما فيها شقق يبلغ إجماليها 6 ملايين جنيه إسترليني ومنزل في ضاحية St John's Wood تبلغ قيمته 1.3 مليون جنيه إسترليني".

عائلة مبارك والقذافي أيضاً

يذكر التقرير أيضاً بالتفصيل مدى السهولة التي قامت بها عائلات ومسؤولين حكوميين سابقين في أنظمة مبارك والقذافي المخلوعين بغسيل الأموال عبر شراء الممتلكات في لندن وأماكن أخرى في المملكة المتحدة.

ورغم تجميد عدد معتبر من الأصول، لم تتم مُصادرة أي شيء منها – مع استثناء وحيد في حالة قصر واقع بشمال لندن مملوك للساعدي ابن القذافي، ويبلغ ثمنه 10 ملايين جنيه إسترليني.

صحيح أن تعقب الأموال الفاسدة عبر المحاكمات أمر محفوف بالصعاب: بسبب الشركات الأجنبية المذكورة آنفاً والتي لديها قوى سحرية على إخفاء الأموال شبيهة بقوة هاري بوتر، وعجز حكومات ما بعد الثورة على توفير المستوى الكافي من الأدلة لإطلاق تحقيق في المملكة المتحدة – وفي حالة مصر، هناك مخاوف متزايدة من أن فساداً شبيهاً بذلك الذي تبناه مبارك يزدهر من جديد تحت حُكم عبدالفتاح السيسي، وفي ليبيا يجعل الوضع الفوضوي للبلاد من غير الواضح مَن هي في الواقع الحكومة الفعّالة. إلا أن تلك الأشياء ليست أعذاراً للتقاعس عن الأمر.

طلبات الثراء غير المبرر

رغم التوصيات العديدة التي يقدمها تقرير الشفافية العالمية، إلا أن التوصية البارزة، رغم أنها تحمل اسماً غير جذاب بشكل واضح وهو طلب الثراء غير المبرر، هي الأكثر منطقية بكل تأكيد.

تعمل تلك التوصية كالتالي: الوزير "س" ذو راتب قليل في دولة تتمتع حكومتها بسجل حافل في الفساد، فلنقل اليمن، يشتري فجأة قصراً تبلغ قيمته عدة ملايين من الجنيهات الإسترلينية في ضاحية Hampstead فائقة الثراء في لندن. كيف له أن يتحمّل ذلك؟ الإجابة هي الثراء غير المبرر وعلى الوزير أن يُقدم بالتفصيل لمكتب مكافحة الاحتيال الخطير البريطاني ووكالة الجريمة الوطنية من أين جاءت تلك الأموال.

كما ستُطرح الأسئلة أيضاً على هؤلاء "المحترفين النافذين" الذين تتحدّث عنهم وكالة الجريمة الوطنية. لن يحتاج الأمر لكثير من طلبات الثراء غير المبرر لإرسال رسالة مفادها أن المملكة المتحدة كانت جادة إزاء الحد من طوفان الأموال المشبوهة المتدفق حالياً في البلاد.

توجد بالفعل صلاحية استخدام طلبات الثراء غير المبرر تلك في مشروع قانون الشئون المالية الجنائية الذي صدر العام الماضي، إذاً لماذا لا يتم استخدامه؟ لماذا لا يتم اتخاذ خطوة واحدة صغيرة لإظهار أنه رغم إخفاقاتنا العديدة لدعم الطموحات المشروعة للناس الذين عانوا بشدة من الطغاة الفاسدين والحروب الوحشية، إلا أننا لدينا بالفعل شعور بالإنصاف وبوصلة أخلاقية تقول لا للأموال المشبوهة.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Middle East Eye. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد