لقدْ كانَ لعشمِ الآخرة حيزٌ كبيرٌ من أنفسنا حتى ظَننتُ لوهلةٍ ما أننا لنْ نعيشَ لثانيةٍ أخرى إن تمَّ إغلاق ذلك الصنبور، كانتْ ليلى تفهمُ هذا الأمر، بل وتجعل لهُ مكانةً كبيرة من الحياة، لمْ يكنْ يغريني قطٌّ حسابٌ سمينٌ، وسيارةٌ فخمة من النوعِ الذي قدْ يقطعُ بكَ آلاف الكيلومتراتٍ، ثمَ تترجلُ بعدها إلى أقربِ محطاتٍ الأداء لتطلب لكَ وليلى قطعةً من حلوى القرفد التي يلتهمها فقطْ رجال الأعمال، لم يكنْ الحدُّ الكبير من أحلامي لِيَسْتقر عندَ حلم يسيرِ التحقيقِ سهل الوصول.
كانتْ ليلى تُدركُ هذا حتماً، واختارت يومها أن ترمي كل ثقل الدنيا فوقَ كاهلينا معاً، على أمل أن نستشعر لحظة الوصول، على أمل أن يَصِلَ بنا ذلك القاربُ الصغير الذي أجهدتُ نفسي، واختزلتُ وقتي، ومالي، ونفسي، وأفنيتُ كل ثانيةٍ من شبابي في سبيلِ بنائه.
كانتْ ليلى تدرك قيمةَ الأمر؛ لذلك هي تبكي في كلِّ لحظةٍ؛ لأنها تعرفُ أن الأمر سيستنزفُ كل مجهودنا وكل تركيزنا في سبيل تحقيقِ لحظة الوصول.
لم يكنْ مبلغ الأمر أن يَصِلَ بنا لمستقر النعيم، وجنة عرضها السماوات والأرض، ولا لمكانة عادية ينالها أي مسلمٍ عرف الله سبحانه وتعالى، قامَ وصلَّى صلاته، وعاشَ حياةً عادية دونَ أن يلقي لمن حولهُ بالاً، لم تكن ليلى لتقبل أن تعيشها على وجهِ البسيطةِ عادية، دون الأثر، دونَ أن تقفَ على أطراف أصابعها معي عند الحدِّ الكبير، دونَ أن تَتركَ أثراً في نفوسِ كل مَنْ التقتهم مِنْ خلقِ الله.
صديقي.. أتدركُ يقيناً أنك محظوظ؟ هل تعلم أن لكَ فرصة أن تعيشَ حياةً غير عادية؟ كيفَ ذلك؟
لكَ أن تتأمل حالَ أمتنا اليوم؛ لتدركَ أنكَ محظوظ؛ إذ خَلَقَك اللهُ في هذا الوقتِ بالذات، في هذا الزمنِ بعينه، هُدمَ كلُّ شيءٍ، وانتقضتْ عُرى الإسلام بأكملها، فلم يتبقَّ لنا سوى أن نعيدَ الكفةَ لصالحنا، ونسترجعَ ما سُلِبَ منا قهراً وغصباً منذُ ما يزيدُ على 14 قرناً، فهل تظنُ أن الأمر يستحق المحاولة أن تكونَ حلقةً في سلسلةٍ طويلة تعيدُ للأمةِ حضارتها وأمجادها، وتحيي ما تمَّ نسيانهُ بحجةٍ أو من دون حجة؟
لكَ أن تتخيلَ كيفَ اصطفاكَ الله لهذا الخيرِ العظيم، فقط اعلم هذا، لقدْ عاشَ على وجهِ هذه الأرض ملايين من الناس، ممن تمنوا ولو للحظةٍ واحدة أن يعيشوا في هذا الزمنِ بالذات، أن يكونوا ذلك الجيلَ الذي يحملُ بسواعدهِ ثقلَ أمةٍ عاشَ فوقَ حذاءِ الجلادين طيلة 14 قرناً، ويعيدَ كلَّ شيءٍ لسابق عهده.
لكَ فُرصة أن تعيشَ على أطراف أصابعك، وأنت تساهمُ في هذا التغيير، الذي ما خلقكَ الله في هذا الزمنِ إلا لتكونَ قطعةً ميكانيكية في هذا المحركِ الضخم.
هذا أثركَ صديقي، احمه بكل ما تملك، من قوةٍ وجهد، من مالٍ وتدافعٍ، لكَ شيءٌ في هذا العالمِ فقُم إليه، فما قيمة المرءِ إن كان عملهُ معلقاً بحبل الدنيا ثمَ انقطعَ بعدَ وفاته؟ لا شيءَ يا صديقي، أنت لا شيء دون "أثر الدنيا والآخرة"، أنت كحجرةٍ رُمِيَتْ في البحرِ كي تطفو عالياً، لكنَ الحقيقة كانتْ بالغة عندما ارتطمت بأول موجةٍ لتجدَ نفسها في القاع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.