هل يُعقل أن تفقد مشاعرك مرة واحدة، وتكون جافاً كخشبة تجاه ما يدور حولك؟ هل هذا كله لا يحرك فيك شيئاً؟! هل أنت أناني لهذه الدرجة أم أن مشاعرك تبلّدت ومات في داخلك كل شعور، وأصبحت بلا عاطفة؟! هل غادرتْك هذه الحاسة فعلاً وأصبحت كبيتٍ خاوٍ تعبث به الريح وتدخل من بابك الأمامي وتخرج من باحته الخلفية دون أن تحرك فيك شيئاً؟!
أليس من الغريب أنك لم تعد تهتم بأشياء كانت تشغلك أياماً وتقضّ مضجعك ليالي طويلة؟! لماذا لم يعد للموت صدىً وأثر في روحك؟! لماذا لم يعد فراق الأحبة يمثل لك شيئاً كبيراً، لدرجة أنك لم تعد تهتم بصدّ أصحابك عنك وجفوتهم لك وعتْبهم عليك؟!
أنت لم تكلّف نفسك حتى عناء السؤال عن كل هذا، ربما تكون أنت السبب الحقيقي وتكون أنت المخطئ، أَمِن المعقول أنك لا تعير اهتماماً لتلك السنوات والجلسات والضحكات، التي تشاركتموها معاً!
لا أعرف إن كنت ترغب في الصمت، أليست أنانيةً أن تهتم بنفسك وأهلك وخاصتك فقط في هذا الزمن الذي يَشِي كل شيء فيه بالموت أم أنك محقٌّ في ذلك؛ لكونك لستَ مسؤولاً عن أحد، أو ربما ليس بإمكانك تقديم شيء.
لكن، أليست هناك كلمة تسمى المجاملة، ألا تستطيع السؤال والتعبير عن مشاعرك حتى لو عبْر الهاتف أم أنك تستثقل هذا الشيء البسيط أيضاً؟!
حقاً، أقول لك، إن أمرك عجيب! كم حاسبتْك نفسُك حول تقصيرك في هذا وغيره، وأنت في العمل وأنت تضع رأسك على وسادتك ليلاً؟! هل من فقدتَهم في تلك الدوامة من أهلك وخاصتك كانوا عزيزين إلى هذا الحد الذي يجعلك لا تهتم لفقْد غيرهم أم أنك تعاني تأثير ذلك كثيراً حتى تبلّدت لديك المشاعر؟!
لكن، مهلاً لأنصفك.. أتحدّثك نفسك بأنك لم تجد من يقف معك في أزماتك؛ بل بمعنى آخر: لم يستطع أحد أن يساعدك؛ لكون الأمر محتوماً، ولكون المصائب عمّت الجميع، وانشغل الكل بنفسه ومن يعول؟
أليس من الأجدر بك أن تعذرهم جميعاً، وتجد لهم أعذاراً كما لنفسك، وأنت من يجيد هذه التبريرات وتُحسن صياغتها وترتيبها بشكل لا يقبل الشك ولا يمكن لأحد أن يجد لك مدخلاً منها، ثم ماذا تسمي هذا كله: حقيقة أم شطارة، أم هو واقع مطعّم بشيء من الحذاقة، ومن أين لك هذا كله، وأنت المسالِم الواضح المباشر، أين اكتسبت كل هذا؟!
أهي الصدمة ذاتها ما فعل بك هذا كله؟! أمن المعقول أنها أحدثت بك كل هذا التغيير ومارست سطوتها عليك بهذه القسوة المفرطة، حتى صيّرتك إنساناً آخر مختلفاً عما كنت عليه؟
ولِمَ لا!
فكم حوّلت الصدمات أناساً إلى مجانين، والحمد لله أنك لم تكن مثلهم، مجرد تغيرات، وبرود في الأعصاب ربما تتغلب عليها لاحقاً.
لكنك ستخسر الكثير حينها وستفقد ما لا يمكن تعويضه لاحقاً، فالناس ليسوا مجبَرين على تحمّلك كل هذه الفترة، وليس لك الحق في أن تجبرهم على الصبر عليك؛ لكونهم ربما يعانون أكثر منك، لكنهم يحتفظون بذلك ويترفّعون عن مشاركته وإظهاره للناس كما تقوم أنت بنشر غسيلك أمام الملأ كل يوم.
عدم الكتمان هو مشكلتك الكبيرة، منذ زمن.. أتذْكر كم سبب لك من المشاكل؟! أتذكر معاناتك؛ عدم قدرتك على أن تكون بوجهين؟! كم كنت واضحاً لدرجة السخافة! هل هذا هو رد فعل يضاف إلى ما مضى، من أسبابك التي تعدّها دوماً مع نفسك، بسبب التغيرات التي طرأت عليك؟
كنت تحاول أن تكون على سجيَّتك، لم تتصنّع يوماً ولِم تعطِ شيئاً أكبر من حجمه، كنتَ تحسد دوماً من ينمّقون كلامهم ويزوّقونه ويضيفون إليه حركات بلغة الجسد تضيف لكلامهم روعة ومتعة، وربما يبالغون، وقد يكونون فعلاً يبالغون فيه كثيراً، وأنت تعرف ذلك وكنت تتمنى أن تمتلك هذه الميزة، إلا أنك عجزت مراتٍ عدة حتى وصلت لنهاية حتمية، بأنك يجب أن تكون أنت، بما وهبك الله من مواهب متواضعة، وهي الوجه الأمثل الذي تمارس فيه حياتك بشكل طبيعي وتتعامل فيه مع الناس.
لكنها كانت مشكلتك في الوقت نفسه الذي كانت فيه ميزتك، إلا أنك لم تلحظها حينها وعندما حل بك ما حل. تغيرتْ فجأةً نظرتُك للعالم ونظرتك لبقية الأشياء التي كنت تراها عظيمة جداً فإذا هي من التفاهة والوضاعة ما إن تبعد بنفسك عن سماعها، فضلاً عن التواصل معها والتفاعل في مجرياتها .
هل بالغت الآن في رد فعلك كثيراً، ربما كان يجب أن تعطيها حجمها الحقيقي ليس إلا، لا تصنع منها مشكلة العصر ولا تجعلها لا تساوي جناح بعوضة، عليك بمبدأ لا إفراط ولا تفريط، فإن زاد أحدهما على الآخر قتَل ودمّر.
كما قتل ودمّر فيك ما ذكرت وما تحاسب نفسك عليه كل يوم.. طيب، أَما زلت تحاسب نفسك يومياً؟
نعم، هذا الشيء الوحيد الذي لم يتغير وهو يلازمك كثيراً ويأتيك في أوقات غير مناسبة حتى، هذا شيء إيجابي وهو ما يجعلك تجلد ذاتك كلما أحسست بأنها ابتعدت بك كثيراً، هل جلد الذات نعمة، أم هو دائرة لوم أخرى تُدخل نفسك فيها؟
وستكتشف بعد مدة أن ما كنت تصنعه بنفسك يومياً، ما هو إلا لعب أطفال، لم يبدّل من واقعك شيئاً سوى أنك تصرف من وقتك، ومن نومك وقتاً غير ذي فائدة.
ومن يهمه أنك تلوم نفسك أو أنك تحاسبها مراراً! من يستفيد من هذا كله وأنت تقاطع العالم بأسره ويقاطعك أيضاً من حيث لا تشعر، فأنت تنأى بنفسك عنه ولا تسمح له بالاقتراب منك؛ فهي قطيعة متبادلة تعاكسك في الاتجاه وتوازيك في القوة!
هل هذا العالم يرفضك بهذه القوة؟ أية قوة هذه! إذا كان كل من حولك يقابلك بالفعل نفسه، فمن يهتم بك إذاً! لماذا تُكثر من لوم نفسك وجلد ذاتك؟ ربما بتمحيص دقيق وتذكُّر لمجريات الأحداث ستجد أنك بذلت ما بوسعك لتتشبّث بهم لكنهم منعوك، ومنعوا أنفسهم منك، ربما هي مؤامرة كبيرة أنت إحدى ضحاياها، أو ربما أنك لم تنتبه إلى ما يحصل حولك منذ زمن، عاملاً باختيارك الأول أن تكون على سجيتك وتحسب أن الباقين كذلك، فالفطرة لا تخون.
ربما في ظل هذه التساؤلات كلها، ليس باستطاعتك إلا الاستمرار في محاسبة نفسك كل ليلة، لتتأكد أنك على الطريق الصحيح أو إن شئت فاستمر في جلد الذات؛ فهي العلاج الوحيد المتوافر حالياً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.