“الوضع سينفجر”.. مخاوف من فقدان السيطرة على الوضع في ميانمار

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/18 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/18 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش

يرتعش صوت كياو هلا أونغ إذ يتكلم وهو يقول "الوضع هنا سيئ للغاية". يجلس في كوخ من الخيزران في معسكر إقامة جبرية على أطراف سيتوري، عاصمة ولاية راخين (أراكان) في ميانمار.

كان كياو، أحد قادة مجتمع الروهينغيا المسلم ومحامياً سابقاً سُجن عدة مرات على خلفية أنشطته السياسية تحت الحكومات العسكرية السابقة. هو معتاد على المضايقات، لكنه يقول إن هذه المرة مختلفة، إذ "أتى الجيش وحذّر الجميع من استضافة أي غرباء".

الروهينغيا في المعسكرات، حيثُ يُحتجز الآلاف منهم منذ أحداث العنف الطائفي في 2012، توقفوا عن الاجتماع في مجموعات لتفادي إثارة الشكوك. في قرية واحدة على الأقل، أمرهم الجيش بتدمير الأسوار المحيطة بمنازلهم.

هناك سببٌ جيد للخوف. على بعد القليل من الأميال شمالاً، في بلدة مونغدو الواقعة بشمال راكين، يستعر النزاع بين الجيش والروهينغيا. سلسلة من الهجمات المميتة على قوات الأمن من قِبل مجموعة مدعومة على ما يبدو من المنفى، أعادت شبح التمرّد. كما استجلبت قمعاً عنيفاً.

الجيش سمّى القتال -الذي اندلع يوم التاسع من أكتوبر/تشرين الأول بعد مقتل 9 ضباط شرطة و5 جنود في ثلاث نقاط حدودية- بـ"الغزو"، وأعلن خططاً لتدريب وتسليح المواطنين البوذيين من أجل حماية قراهم.

وقد قتلت الحملات الأمنية المتصاعدة عشراتٍ من المهاجمين المزعومين. آخر الأسبوع الماضي، سقط أكثر من 30 شخصاً على إثر إطلاق الجنود النيران من مروحياتهم على حشدٍ من الرجال يُزعم أنّهم كانوا مسلّحين بالمسدسات والسكاكين والحِراب.

لكن جماعات حقوق الإنسان تقول إن أعداداً كبيرة من مدنيي الروهينغيا كانوا ضمن الضحايا. تُظهر الصور والمقاطع المنتشرة على الشبكات الاجتماعية ما يبدو أنه جثث رجال ونساء وأطفال مصابين بطلقات نارية، بينما صور الأقمار الصناعية التي نشرتها منظمة هيومان رايتس ووتش تظهر قرى محترقة تماماً. وقد اتهمت نساء من الروهينغيا الجنود في عدّة مناطق باغتصابهن.

"مهاجرون غير شرعيين"

الجيش ينكر هذا. تعتبر السلطات الروهينغيا مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش، على الرغم من أن العديد منهم تعود أصوله إلى ميانمار لأجيالٍ عديدة. إعلام البلاد يقول إنهم زيفوا ادعاءات الاغتصاب وأحرقوا بيوتهم بأنفسهم. ولأن المنطقة بعيدة عن الصحفيين الأجانب، فقد كان من الصعوبة بمكان التحقق من الادعاءات المتضاربة.

يقول الروهينغيا في "سيتوي" إنهم لا يعرفون أي شيء عن أي جماعة مسلحة. العديد يؤمنون بأن هذا المشهد مختلقٌ من قبل الجيش الذي مازال يتمتع بنفوذٍ هائل على الرغم من تسليم السلطة لحكومة مدنية بقيادة أونغ سان سو كي في وقتٍ سابق من هذا العام. لكن البعض يحذرون من أن قمع الأقلية يتجه إلى نقطة الغليان.

ويوثّق تقرير أصدرته جمعية أطباء من أجل حقوق الإنسان كيف أسفرت القيود على الحركة، ومصادرة الأراضي، والرقابة والابتزاز في راكين الشمالية منذ مواجهات 2012 عن رحيل ما يقرب من 120 ألف روهينغي.

يقول كياو هلا أونغ، "الآن، مرت أربعة أعوام والناس على هذا الحال يعانون؛ العديد من الشباب يُمضون مراهقتهم وسني بلوغهم عبثاً".

وبسؤاله عما إذا كان يتوقع حدوث تمرد، قال: "لا لا، لكنهم يعانون ويعانون ويعانون، لذا لا يمكنهم الاحتمال وسينفجر الوضع".

وفي تصريح منشور بعد بضعة أيامٍ من هجمات أكتوبر/تشرين الأول، ألقت الحكومة اللوم على جماعة لم تكن معروفة قبلاً من "الإرهابيين"، تُدعى "أقام المجاهدين"، ويُدعى قائدها "حافظ توهار"، ويُقال إنّه تدرب على يد جماعة طالبان الباكستانية. ظهر الرئيس "أونغ سان سو كي" بعدها ليتراجع عن بعض هذه المزاعم، قائلاً إنها استندت إلى معلومات ربما لم تكن ذات مصداقية.

وفي ذلك الوقت، أظهرت مقاطع منشورة من قِبل جماعة تُدعى حركة الإيمان فريقاً من الشباب وبعض الصبية مسلّحين بالسيوف والأسلحة النارية، زاعمين أنّهم مقاتلو الروهينغيا من أجل الحرية.

وفقاً لمحللين من جمعية أبحاث وتحليلات الإرهاب (Trac)، فقد نُشرت 7 مقاطع مصورة على الأقل في الفترة بين العاشر والسابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول. ولم يذكر أي منها جماعة "أقام المجاهدين" أو حافظ توهار. بدلاً من ذلك، ظهر في بعضها "زعيمٌ" يدعى "أبو عمار جنوني".

يقول فيريان خان، المدير التحريري في جمعية Trac، إن "كل المقاطع تدعو للصراع المسلح"، بينما ثلاثة منها "تدعو بالأخص إلى الجهاد".
بعض المقاطع تتضمن قائمة بالمطالبات، ومنها استعادة حقوق الروهينغيا العرقية، والتشديد على أن يكون "دفاعهم عن النفس" متركزاً ضد قوات الجيش. وقال تصريحٌ صحفي باللغة الإنكليزية إن الجماعة "بريئة من كل عناصر الإرهاب لكنها تسعى إلى استعادة الحقوق الأساسية لكل الأراكانيين".

"تين مونغ شوي"، وهو مسؤول رفيع المستوى بولاية راكين، قال إن تعزيزات أمنية وصلت إلى عدة أنحاء في البلاد. "هذه قضية قتل، وسنتخذ الإجراءات ضد كل شخصٍ ارتكب هذا. إن كانوا يعيشون في ميانمار فعليهم الانصياع لدستور ميانمار، أياً يكن عرقهم".

الاقتتال في ولاية راكين ليس شيئاً جديداً. فالحركات المسلمة التي تطالب باستقلال المنطقة في شمالي راكين تزايدت على مدار النصف الثاني من القرن العشرين. وبينها منظمة التضامن الروهينغية، والتي كان يُعتقد أنها تفككت منذ بدايات القرن الحالي.

تسجيل صوتي

وحصلت الغارديان على تسجيل صوتي من مصدر موثوق بحركات المهاجرين الروهينغيا يقول فيه رجلٌ إن المشاركين في الهجوم "ليسوا فقط من منظمة التضامن الروهينغية".
يصف الرجل، الذي يُعتقد أنّه روهينغي يعيش بالخارج، هجمات التاسع من أكتوبر بأنها "نجاح كبير".

ويُضيف، "إن جيش ميانمار احتقرنا، وتجاهلنا، قائلاً إننا من "الكلار" (مصطلح ازدراء للمسلمين) وليس لدينا شيء. إن شاء الله، سننتصر عليهم".

متحدّثاً بعد بضعة أيام من تصريح الحكومة، قال إحسان الله بعث، سفير باكستان إلى ميانمار، إنّه لم يتلقّ أية معلومات ذات قيمة بشأن مشاركة باكستانية.

كما قال عن شريكٍ باكستاني مزعوم سمّته الحكومة في ميانمار باسم "خالص": "لا أجد أي شخص بهذا الاسم في باكستان".

وبينما كشفت المقاطع عن صلاتٍ بجهاتٍ دولية، إلا أن مطالبها محلية وهي تحرير الروهينغيا من المعسكرات، واستعادة ممتلكاتهم وجنسيتهم.


التركيز على طريقة عمل المهاجمين

ريتشارد هورسي، محلل سياسي يقيم بمدينة يانغون بميانمار، يقول، "أظن أن المهم هو التركيز على أن طريقة عمل هؤلاء المهاجمين حتى الآن مشابهة لطريقة جمعية التضامن الروهينغية والجماعات المتمردة الأخرى، وهو ليس إرهاباً، فقد كانت أهداف الهجمات أهدافاً أمنية، وليس المدنيين أو المواقع الدينية".

ويتفق معه ماثيو سميث، مؤسس جمعية "فورتيفاي رايتس" غير الربحية، ومديرها التنفيذي: "لا يبدو أن المسلحين على مستوى عالٍ من التنظيم أو التسليح، إنّهم ضئيلون بالمقارنة بعشرات الجماعات والميليشيات المسلحة الأخرى في البلد".

ويُضيف، "إن كانت هذه الحركة المسلحة الروهينغية استراتيجية لدفع الجيش إلى التفاوض، والجلوس إلى مائدة الحوار مع جيوش أخرى في عملية السلام، فهي محاولة غير مدروسة جيداً. نخشى أن الجيش سيصب جام غضبه على ولاية راكين الشمالية، وهذا لن يكون في صالح حقوق الروهينغيا".

في مخيم النازحين خارج "سيتوي"، يقول "كياو هلا أونغ" إن قادة الروهينغيا تلقوا دعوة مؤخراً إلى اجتماعٍ مع الجيش. "أرسلنا إليهم أنّ شعبنا في سيتوي لم يشترك في هذا الأمر".

يجتاح الخوف حي المسلمين في وسط مدينة سيتوي، المحاط بالأسلاك الشائكة التي تقسم المعسكر عن الأحياء البوذية في راكين، بالقرب من قاعدة عسكرية.

يقول أحد قادة الروهينغيا خلال لحظات مختلسة من الحديث بعيداً عن أنظار ضابط شرطة بثيابٍ مدنية، "إننا نتولى تأمين أنفسنا بأنفسنا. لا ننام ليلاً، ننام نهاراً ونستيقظ في المساء. بعد هجمات مونغدو، نخشى أن أحدهم سيسعى إلى الثأر".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

تحميل المزيد