منذ نعومة أظافري منذ أول صوت اخترق أذني، أول بصيص لمحته عيني، أول صرخة أعلنت بها قدومي، وأول أبجدية مغلفة بيقيني أنني وُلدت بين الحب والأمان٬ بين الطيبة والحنان، بين رجولة تصد الجبال وأنوثة تذيبها، بين الكرامة والعنفوان، بين الخير والعطاء، بين الرضا والطمأنينة، بين النور والضياء، بين الأمن والأمان، بين الصبر والسلوان٬ بين العشق والهوى بين الود والوداد.
وُلدت برياض الجنة بين يدي أمي الحنونة، رويت بزمزمها، وانطفأ عطشي بذراعي أبي الغالي الذي تمتم الأذان بأذني، وأخبرني بروحه الدافئة أن السعادة ستغدو تاجاً يزين حياتي، عطراً يبهج أيامي، أملاً يغرد كل صباح على شرفتي٬ حباً يغدق بقلبي، رتان تسقي روحي، بالله عليكما أي عيش دونكما؟ بالله عليكما أخبراني ثم أخبراني؟
أخبراني أي نعيم سيذكر بعدكما؟ وأي حب سيوصف لغيركما؟ أي فرح ينسج خيوطه دون مباركتكما؟ أي نجاح دون بسمتكما؟ أي أمان إن لم أحضن بمعطفكما؟ أي روح ستسقى إن لم أروَ برضاكما؟ بداخلي صبغية لا تنمو إلا بكما، وبالجزء الأيسر من صدري ركن محجوز لكما يتنفس البر، ويذيب سكر الرغبة بالبقاء صغيرة بحضنكما.
أتوج بالرضا واليمن والإكرام، أحاول تنويه حبي لكما بقدر السنوات التي أفنيتماها في تربيتي، بقدر الليالي التي كان السهر زادكما لأجلي، بقدر الحب المكنون بصدري، بقدر أزهار الكون التي تزهر فرحاً بعشاقها، بقدر دهشة الطير مرفرفاً فرحاً ببهاء السماء، بقدر روائع الكون المزدهر بعطايا القدير، وبقدر صفاء قلبكما أحبكما.
أحبكما، والحب نار تحرق تثلج وتدمي، وأنا التي زُرع بأعماقي رعد وبرق وعواصف وأمطار لا تشير إليها الأرصاد الجوية أبداً، تترجم بداخلي لتنهمر دموعاً تبلل صدى قلبي، وتخبرني في صمت أن أمي هي الحب الثابت والحقيقة التي لا تتغير في زمن كل ما فيه يتغير، هي وصية الرحمن، النبع الصافي في الحياة، جنة بأرض المولى، إحساس ظريف.. وهمس لطيف، كنز مفقود لأصحاب العقوق، وكنز موجود لأهل البر والودود.
وأخبرتني أن أبي ذاك الحب الكبير الحضن الدافئ والأسطورة التي تروى على مر الزمان، هو قسيمه الحياة.. وموطن الشكوى، عماد الأمر، عتاد البيت.. ومهبط النجاة، غياث المكروب، ونجدة المنكوب، أمي وأبي عاطفة الرجال، ومدار الوجدان، كنز مغلف بالعطف والإحسان.
أحبكما وفي كل لحظة بين أنفاسي، في صلاتي، وفي خلوتي، في ليلي ونهاري، بفرحي وحزني، بضعفي وقوتي، أجثو على ركبتي أرفع يدي لرب الكون، أردد دعائي لرب الأرض والسماء والمطر أن يحفظكما، فأنتما نور عيني الذي لا ينطفئ، روحي التي لا تموت، فرحي الذي يرفرف في السماء العالية دون خوف، أملي الذي يندثر خلف الغيوم ويعود ليثلج صدري، سعادتي التي لا تزهر إلا بوجودكما، أنتما أسطورتي التي سأرويها لأبنائي كل ليلة؛ ليدركوا روعة الحياة معكما، ليدركوا أن الشجرة التي أنبتت أمهم جذعها لا يموت، وغصونها مزهرة رغم ثورات الفصول وانتكاسة البحور، وإن سقطت أوراقها يوماً فقد سقطت خجلاً، عنفواناً، تألقاً، شكراً وإجلالاً لعطاياها.
حبهما يشعل ألف مصباح لينير طريقي، أحمله قرب قلبي لأتيقن من بقاء نبضاته لهما، أتحسسه كل ليلة، فأرثي عقوقي بأدب روحي، وأذكر قلبي أن الحياة قصة بر نكتبها نحن ليرويها أبناؤنا.
فالرضا طريق لا يقطع، حب لا يموت، بهجة لا تنسى، حلم لا يوصف، زهرة لا تذبل، وأمانة نسأل عنها يوم القيامة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.