زيارة صديقتي فرصة لكي أستمتع في بيتها بالجلوس على طاولة رائعة مازالت تحتفظ بداخلها برائحة خشب "الجوز" الذي صنعت منه. يعجبني لون الطاولة الطبيعي الذي يتردد فيه البني الفاتح و الداكن بشكل متموج جميل.
المثير أنني في كل زيارة، أكتشف أن صديقتي قد أضافت شيئا على هذه الطاولة، فمرة فصلت على مقاسها قطعة من زجاج خوفا عليا من أن تتأذى بخدش، ومرة أخرى وجدتها قد ألبستها غطاء من الثوب لأنها تريد أن تحميها من الغبار. و يمكن أن أتوقع في زياتي الموالية أن أجد غطاء من البلاستيك لأنها ربما تريد أن تحمي الثوب و الزجاج و الخشب من التلف، في حين أن تلك الطاولة كانت رائعة وجميلة لو تركت هكذا على طبيعتها بدون إضافات.
لكن ما العمل إذا كنا نحن النساء لنا ولع بالتفاصيل والإضافات حد القرف؟ وعلى درجة من حب للتعقيد تفسد أحيانا حياتنا وحياة المحيطين بنا. فإذا دخلت يوما إلى أي منزل تقطنه امرأة واحدة على الأقل، سوف تجدها حتما قد وضعت غطاء على أي شيء بدعوى حمايته من الغبار بالرغم من أنها تمسحه كل يوم، وأنها قد وضعت رداء على كل الأجهزة وسوف تهيئ فراشا وثيرا لقطع الخبز. وأن "صينيةّ" فضية تفنن الحرفي في رسم نقوشها سيكون لها بدورها غطاء بالرغم أنها جميلة جدا لو تركت عارية من دون زوائد. ولأن النافذة حتما تحتاج إلى ستائر فالستائر سوف يُصنع لها حاملات و هذه الحاملات سوف يكون من الضروري أن تهيأ لها مقبضا. فهذه العناية المفرطة والمزعجة بكل شيء لدى الأنثى مقلقة ومثيرة حقا للشفقة، ولا أتخيل أنها سوف تتوقف أبدا.و أجد نفسي أعذر كرم البعض في الحديث حين يحلوا لهم أن يصفوا المنزل بأنه مملكة أو جنة النساء. لأنهم يجهلون ربما مقدار التعب والجهد الذي تحتاجه هذه "الجنة" لكي تضل متألقة ورائعة ومنظمة على الدوام لا تأتيها الفوضى من أي جانب.
المثير أننا نحن النساء نشكو كل يوم من تقلص وقتنا، من استنفاذ جهدنا وصبرنا، ومع ذلك نمضي مستسلمات لهذه المجاملة التي يسميها الآخرون لمسة الأنثى، مع أنه من الأفضل أن نسميها جحيم الأنثى لأنها تجعل حياتنا تبدو ضيقة مكتظة لا فسحة فيها. وبسبب هذا النزوع الأنثوي المزمن تجاه الاعتناء بأشياء تافهة، لا اعرف كم من مرة نسينا فيها أن نستمتع بحفل قضينا وقتا طويلا في التجهيز له وحين يحين الموعد لكي نجَمع ذكريات جميلة عنه، نظل نحن مشغولات نراقب تلك التفاصيل.
أتخيل لو نجرب أن نخفف هذا الثقل الذي يسمى "لمسة الأنثى" الذي نرثه و نحمله معنا مثل لعنة. و أن نطوع هذه الفطرة الاعتناء بالأشياء حد التقديس لنودعه في قلب هوايات التي وضعناها تنتظر في أدراج مهملة. لأن هذه الرغبة المتجذرة في النساء لتلوين كل ما هو محيط بهن، وإضافة الزخرفة على أي شيء تقع أيديهن عليه. وهذا الانشغال الدائم بالوصول إلى الكمال هو وقود أي إبداع قد يكون كافيا لكتابة قصيدة أو رسم لوحة. لكن هذا الولع بالتفاصيل يلتهم من وقتنا الكثير، و بسببه تضيع من بيننا نساء كان بإمكانهن أن يكن شاعرات كاتبات ورسامات ونحاتات و غيرهن..
لذلك فأنا اليوم كلما التقيت مبدعا رساما أو شاعرا ، تنقر في ذهني فكرة غريبة تلح علي أن أساله إن كان لديه أخوات أو عمات أو خالات مثلا. وبنفس الطريقة التي تساءلت فيها الكاتبة "فيرجينيا وولف"، ماذا لو كان ل"شكسبير" أختا موهوبة مثله؟ أرغب أن أستمر في هذا الفضول اللئيم ليخبرني إن كان قد ورث عنهن، أو أن أخواته ورثن مثله هذا الحس الفني. لكنني في الحقيقة لا أنتظر الجواب عن هذه الأسئلة لأنني أعرف سلفا أنهن في الغالب يستهلكن قلقهن الإبداعي في الاهتمام بالكثير من التفاصيل المنزلية التي لا تنتهي أبدا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.