حول جدل العلم والشرع

جاء الدين ليكون طريق هداية للناس باختلاف مشاربهم وتفاوتهم الحضاري، فالعابد الطائع لربه قد يكون في فلاة لا يفهم من أمر علوم الدنيا شيئاً، وقد يكون باحثاً في مختبر لأبحاث السرطان وكلاهما يرجو رحمة رب كريم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/14 الساعة 02:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/14 الساعة 02:56 بتوقيت غرينتش

عندما تثبت أي قضية جدلية -خاصة القضايا التي تشغل أهل الفيزياء- يقيناً بأدوات العلوم يصبح الحياد فيها أو نفيها تغريداً في غير محله، والتاريخ لن يقف عند ذلك سوى أنه سيوثق أن هناك مَن رفض يقين العلم لظن التأويل.

وفي تقديري أن العلوم الدنيوية لها مسائلها، وبالتالي علماؤها، فإقحام أهل الشرع فيها خطوة تحتاج إلى تمهل إلا فيما يمس الشرع نفسه كأحكام الصيام عند القطبين والصلاة للمسافرين جواً.

في ظني أن أهل الشرع لهم من القضايا ما يكفيهم: دعوة إلى الله، نشر للفضيلة، دفاع عن العقيدة وإصلاح للأمه.
أما ما يتعلق بالعلوم من فيزياء وكيمياء وفلك فلها أهلها المشغولون بها كشغل أهل الشرع.

وكما يتوقع أهل الشرع بأن لعلومهم أدوات لا يمتلكها إلا من عرف أصولها، ويفترضون في غير أهل التخصص أن يثقوا بما تفتقت به آراؤهم ولا يجادلهم إلا من عرف أصول علمهم، فكذلك أهل الفيزياء وبقية العلوم.

وتبعاً لذلك، فإن أي تداخل بين المجموعتين دون تمهل أو دراسة شاملة من كل الجوانب يتسبب في نشوء تقاطعات تزيل الهيبة عن الدين في نفوس الأتباع.

لقد عاصرنا سابقاً نشوء فتاوى تحرم الاعتقاد في كروية الأرض، وظل الجدال ردحاً طويلا ًمن الزمان مستهلكاً من زمن الأمة ومن هيبة دينها الكثير والكثير.

ليس من الضرورة أن ينعزل أهل الشرع عن المعرفة، ولكن الدخول إليها يجب أن يكون من أبوابها لا ولوجاً يفسد الأخضر واليابس.

جاء الدين ليكون طريق هداية للناس باختلاف مشاربهم وتفاوتهم الحضاري، فالعابد الطائع لربه قد يكون في فلاة لا يفهم من أمر علوم الدنيا شيئاً، وقد يكون باحثاً في مختبر لأبحاث السرطان وكلاهما يرجو رحمة رب كريم.

وبما أن علماء الشرع اختاروا لأنفسهم طريقاً لتبيان الهدى للناس، فعليهم قبل كل شيء عدم التعجل في إصدار الفتاوى التي ترتبط بحال الناس مع المعرفة في زمن صارت التقانة فيه كالماء والهواء.

تعجل قديماً بعض العلماء في تحريم الراديو والتلفاز وكانوا يعتبرون رجساً من عمل الشيطان، وبعد ردهة من الزمن صار التلفزيون والراديو من وسائل الدعوة النافعة التي لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال، وكان التراجع مخزياً بعد أن تعبدت طائفة كبيرة من الأمة بتحريم الحلال بلا تبيين ولا تدبر لمقاصد الشرع الحنيف.

ستكرر مثل هذه الفتاوى مع تطور المعرفة والعلوم، ولا بد للعلماء من هذه الأمة الغيورين على دين الله ورسالته الخالدة الوقوف بشدة للحيلولة دون خروج تلك المخازي التي تنزع عن هيبة التدين الكثير.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد