مرت سنة منذ عانت فرنسا من الهجوم الأكثر دموية في تاريخها الحديث، ومازالت التهديدات "الإرهابية" محدقةً بالبلاد بشكل كبير. ويقول الخبراء إن هذا هو موضوع الساعة.
اقتحم مسلحون في ليلة 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 حانات، ومطاعم، وملعب كرة قدم وقاعة حفلات في باريس، وأطلقوا النار بدم بارد على المتواجدين، وأخذوا رهائن قبل ذبح العشرات، وقد بلغت حصيلة القتلى في هذه الليلة 130 قتيلاً.
تعاني الكثير من بلدان العالم من المتطرفين الذين ينوون إحداث أضرار بالغة، وقد عانت فرنسا من أحد أصعب تلك الهجمات.
سلسلة هجمات
بعد عام من هجمات 13 نوفمبر/تشرين الثاني، يجادل الخبراء بأن فرنسا لم تحقق الكثير من التقدّم الدائم ضد القوى التي تسعى إلى تدميرها.
شهدت فرنسا موجة من الهجمات الإرهابية الكبرى خلال سنة ونصف، فقد هاجم مسلحون في يناير/كانون الثاني الماضي مكتب صحيفة شارلي إيبدو في باريس، مما تسبب في مقتل 12 شخصاً، وبعدها اقتحم المسلحون محل بقالة كوشير، وقتلوا 4 أشخاص.
ثم جاءت هجمات نوفمبر/تشرين الثاني، ثم في عيد الباستيل في يوليو/تموز أثناء الاحتفال بالعيد الوطني لفرنسا، قاد رجل شاحنة تجاه حشد من الناس أثناء مشاهدتهم للألعاب النارية جنوب مدينة نيس، وبعد بضعة أسابيع، أقدم رجلان ممن بايعوا تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على ذبح قس في روان.
قال مانويل فالس رئيس وزراء فرنسا في سبتمبر/أيلول "ستكون هناك هجمات أخرى، وسيكون هناك ضحايا أبرياء، ودوري أن أخبر الشعب الفرنسي بالحقيقة".
التهديد الثلاثي
قال وسيم نصر الصحفي في قناة فرانس 24 وخبير الإرهاب الذي ينقل عن الشرق الأوسط منذ 2011، "إن فرنسا تواجه مجموعةً من التهديدات، مما يجعل من الصعب صياغة استراتيجية شاملة لمواجهتها".
ونقل تقرير نشرته النسخة الأميركية لـ"هافينغتون بوست"، السبت 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، عن نصر قوله: "أولاً وقبل كل شيء، يرسل تنظيم داعش أفراده المدربين إلى أوروبا، إذ أن المقاتلين المدربين في سوريا على سبيل المثال هم من نفذوا هجمات 13 نوفمبر/تشرين الثاني، وهجوم بروكسل في مارس/آذار".
هناك أيضاً أشخاص غير منتمين للتنظيم ينفذون الهجمات باسمه وتحت رايته ومن أمثلة هذه الظاهرة التي انتشرت في أوروبا وأصبحت أيضاً أكثر شيوعاً في الولايات المتحدة، عمر متين الذي بايع داعش، وقتل 49 شخصاً في ملهى ليلي بأورلاندو في يونيو/حزيران، وأيضاً هناك الرجل السوري الذي فجر نفسه في ألمانيا في يوليو/تموز، مودياً بحياة 15 شخصاً.
يقول نصر "يأتي على رأس هذه التهديدات، تهديد الذئاب المنفردة، كالرجل الذي قاد شاحنته نحو حشود من الناس في نيس"، وأضاف "هناك خطر حقيقي من كل تلك الأشياء".
وقال بوريس توكاس، الزميل الزائر بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن "عدم وجود ترابط تاريخي بين المواطنين الفرنسيين والمهاجرين، يعود لعشرات السنين، وهو ما يعد عاملاً مهماً لفهم سبب وجود مثل هذه التهديدات بالمقام الأول"، وأضاف "حوالي 10% من سكان فرنسا من المسلمين، إلا أن الأقليات والمهاجرين في البلاد مهمشون تاريخياً".
وأضاف توكاس، "ناهيك عن بيئة دولية غير مستقرة على نحو متزايد"، إذ زاد التخلخل في المجتمع الدولي باندلاع الحرب السورية وتفاقم أزمة اللاجئين، التي ما زالت معظم بقاع أوروبا تبحث عن استجابة مناسبة لها، فقد دخل أكثر من مليون لاجئ إلى أوروبا في 2015، بالإضافة إلى مئات الآلاف هذا العام.
كيف تسعى فرنسا إلى مجابهة هذه الأخطار؟
يقول توكا إن فرنسا هي "معملٌ" لتجارب كيفية التعامل مع الإرهاب. فقد واجهت الدولة عدداً كبيراً من الهجمات على مدار الأعوام القليلة الماضية بالمقارنة بالبلدان الغربية الأخرى، وهي تطبق أيضاً عدداً كبيراً من السياسات الجديدة، والمثيرة للجدل في بعض الحالات.
وقد كانت الحرب على الإرهاب دعامة أساسية لإدارة الرئيس فرانسوا أولاند، لكنّها اجتذبت اهتماماً غير مسبوقٍ بداية من يناير/كانون الثاني 2015، بعد هجمات شارلي إيبدو.
البلد لديه أكثر من 900 مواطن يُقاتل خارجها لحساب تنظيم داعش، وفقاً لأبحاثٍ أجراها المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، أي أكثر من أي بلدٍ آخر في أوروبا. وقد قال رئيس الوزراء مانويل فالس في سبتمبر/أيلول إن 15 ألفاً داخل البلاد في طريقهم إلى التطرّف. وفي ألمانيا، يصل الرقم إلى حوالي 520. أمَّا في بلجيكا، حيثُ يهرب المئات من أجل تلقي التدريب في العراق وسوريا، صار عدد المتطرفين في البلاد أقل مما كان عليه قبل عامين، وفقاً للحكومة.
وقد حقق البرلمان الفرنسي في الهجمات الإرهابية على باريس العام الماضي، وقرر أن هناك "فشلاً عالمياً" للاستخبارات الفرنسية. لذا أقرّت الحكومة "سلسلة من الإصلاحات الإدارية والتشريعية الهادفة إلى التكيف مع النموذج الجديد"، وفقاً لتوكا.
صوت البرلمان على توسيع صلاحيات الحكم والمراقبة للسلطات المعنية، ووافق على إنشاء وكالة وطنية لمكافحة الإرهاب.
يستمر كذلك تمديد حالة الطوارئ على المستوى القومي، والتي أعلنتها الحكومة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حتى الشهر الحالي. وهي تمكن الشرطة من شن اقتحاماتٍ ووضع الأشخاص تحت الإقامة الجبرية.
وأعطت فرنسا كذلك تفويضاً بإنشاء مراكز مفتوحة لنزع التطرف في أنحاء البلاد. ويقول فالس إنه يهدف لافتتاح دزينة من هذه المراكز بحلول نهاية 2017.
ستُقدم المراكز على الأرجح تدريبات وظيفية، ودعماً سيكولوجياً وربما تُدمج مع ذلك بعض "القادة الدينيين الناشطين لتقديم رؤى دينية مختلفة"، وفقاً لكيم كراجا، العالم السياسي المساعد بمؤسسة راند.
هل نجحت؟
لم تشهد هذه الاستراتيجيات الكثير من النجاح بعد، ما دفع بالخبراء إلى القول بأن الطريق إلى الحلول الدائمة لخطر الإرهاب سيكون طويلاً.
يقول نصر "هناك الكثير مما ينبغي فعله، إنه سباقٌ طويل. هذه هي قضية القرن، لا يملك أحد الإجابة الصحيحة بعد. إنها مشكلة متعددة الأبعاد مميزة لهذا العصر".
وأضاف أن السياسيين منشغلون بمحاولات إرضاء الشعب. "يقولون إنهم سيمررون قوانين جديدة، لكنها تُسهم في زيادة الاستقطاب".
وجادل بأن مراكز نزع التطرف لا تعمل في الواقع، فالمسؤولون "يتعاملون مع المشكلة وكأنها مشكلة إدمانٍ على المخدرات. نعم، يمكن للناس ترك الجهاد، لكن لا يمكن إجبارهم على تركه، لابد وأن يختاروا بأنفسهم".
وقال إن الكثيرين ممن شاركوا في برامج نزع التطرف عادوا إلى العمل مع القاعدة، على الرغم من عدم وجود دليل قاطع يدعم هذا.
ربما تزداد الأمور سوءاً قبل أن تتحسن. يقول إن الجماعات المسلحة مثل داعش تمتلك الآن قوة أكبر بكثير بالمقارنة بالأعوام القليلة السابقة، عندما نقيس الأمر بمدى تعقيد شبكات التواصل الممتدة داخل أوروبا. العديد من الخطط الإرهابية الفاشلة على مدار الأشهر القليلة الفائتة في فرنسا ينتهي تتبع أثرها إلى مسلّح بأرضٍ واقعة تحت سيطرة داعش يُدعى راشد قاسم، وهو من أصدر التعليمات للأشخاص بكيفية تنفيذ الهجمات في فرنسا من خلال تطبيق المراسلة تيليغرام.
ويضيف كراجا أن أعداد مواطني غرب أوروبا المتجهين إلى مناطق النزاع للانضمام إلى الدولة الإسلامية "غير مسبوقة، لذا فإن وسائل فرض القانون التقليدية تُعد غير كافية".
ما يُمكن لبلدٍ مثل فرنسا فعله، وما ينبغي عليها فعله وفقاً لتوكا، هو أن تبذل مجهوداً أكبر بكثير في إزالة التوترات الاجتماعية التي تقسّم شعبها.
يقول "لقد أثبت المجتمع الفرنسي أنّه بالتأكيد قادرٌ على التعافي، ربما أكثر مما توقع الكثيرون. التحدي الآن هو ضمان الترابط الاجتماعي، وتحسينه وتقويته، واقتراح مشروعٍ يوحد المجتمع حول القيم المشتركة، وحول المستقبل المشترك كذلك".
– هذا الموضوع مترجم عن النسخة الأميركية لـ"هافينغتون بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.