دلفت وقرصان الحب، الحسن الحامد، إلى إحدى قاعات البلياردو بالبيضاء التي تلد العتمة، لكن القاعة التي دلفناها تبدو من أول وهلة أن صاحبها لغرض تجاري أكثر ربحاً، أضاف إليها حانة؛ كي تضيف إلى جيبه وافر الربح، وتضفي إلى المكان عبق دياجير السلاف.
المكان ليس بغريب عن باقي قاعات اللعب، ولا بغريب عن باقي الحانات المنتشرة هنا وهناك، على أرصفة المدينة الصاخبة.. لكن بركنٍ من أركانها كانت هناك فتاة في أربع من صديقاتها تحلقن بها على طاولة، تلبس قميصاً أزرق ذكورياً وسروالاً أسود أنيقين، وتنتعل في رجليها الأنثويتين حذاء غاية في الأناقة، وعلى عينيها ثبتت نظارات بصرية، ساندها أنف صغير على التثبيت.. تغازل بيدها اليمنى سيجارة من نوع "مارلبورو"، تغازل بها فاهها بعشق متناهٍ، وبيسراها وضعت قنينة نبيذ أبيض، تمارس معها بين القُبلة والأخرى من السيجارة قُبلاً أخرى أكثر إثارة.
ليس هذا ما أثار انتباهي الشديد نحوها، ودفعني إلى مراقبتها ملياً، فهي تشبه في كل تفاصيلها، من تسريحة شعرها إلى حذائها، صديقي العزيز وأخي "محيي الدين"، لكن الذي شدني نحوها وفرض عليَّ غصباً أن أراقب تحركاتها بفضول، هو تلك الطريقة التي أمسكت بها عصا البلياردو "لاكاس"، وطريقة لعبها على المستطيل الأخضر بحرفية، فالشقية، رغم معاقرتها للخمر الأبيض كوجهها الرجولي الوسيم، قد هزمت كل الذكور، الذين كانوا لها خصوماً في اللعبة، وطرحت أرضاً كلَّ مَن بارزها بسيف الخشب في غزوة البلياردو.
لقد برهنت شبيهة محيي الدين ببسالة أنها وإن كانت أنثى، فهي قادرة على مقارعة الرجال، بل وأن نظرية "الرجال قوامون على النساء" لا وجود لها إلا في مخيلة الذكورية الراديكالية، وأن الآية الكريمة التي أسيء فهمها، أو عن قصد فُسرت حسب ما يضمن عدم وجود وزن للمرأة في المجتمعات الرجعية، لا أساس لها من الصحة، وأن الفرق الوحيد بينهما هو الفارق "البيولوجي" حسب العلوم أو المعجمي حسب اللغة.
إن ما تحتاجه المرأة اليوم لتكون نداً حقيقياً للرجل (بالمفهوم الإيجابي لا الصدامي)، هو التكوين، التأهيل والتأطير، وهو ما غفلت عنه جل العائلات "البظانية" من واد نون شمالاً، إلى نهر السنغال جنوباً، بل الأنكى من ذلك أنها أحيت ظاهرة الوأد، التي كانت معروفة في زمن ما قبل الإسلام، وطوعته حسب العصر في صورة "جاهلية حديثة"، فبدل أن تقتل الأنثى في مهدها، وذلك أرحم لها، صارت تقتل في أوج عنفوان حياتها، في استحضار لذلك الزمن المقيت، وبدعم من النص القرآني "وليس الذكر كالأنثى"، الذي يسرد ما قالته أم العذراء مريم، عليها السلام، حين ولدت أنثى، بينما كانت تتمناه ذكراً، لخدمة بيت المقدس.. وحسب التفسير اللغوي للآية، حسب الدكتور فاضل السامرائي، فإن الذكر الذي تمنته ليس كالأنثى التي وضعتها، ولا وجود للمفاضلة في الأمر ولا شيء.. وحسب دروس اللغة التي درسنا، فالأنثى هنا هي "المشبه به"، و"المشبه" دائماً يأتي دون "المشبه به".
إذا ما قرأنا القرآن بتمعن دقيق، وبمرجعية لغوية، بعيداً عن تلك التابوهات، التي انغرزت في عمق فكرنا، فإن الله سبحانه، إذا كنا فعلاً نؤمن بأنه صاحب المشيئة في كل شيء إيماناً حقيقياً، هو الذي خلق "مريم" أنثى لتخدم أولى القبلتين، وقد كان قادراً على خلقها ذكراً.
– ملحوظة: خرجت من تلك الحانة الصاخبة، وتركت شبيهة "محيي الدين" وهي تمسك بعصاها تلك منتصرة على كل من نازعوها صفوة اللعبة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.