عبقرية الإلحاد “1”

فالماديون يفسرون هذا الكون المعجز بكل ما فيه بالصدفة، كما قال الإحيائي جورج والد، فلو وجد اختبار لما تستطيع الصدفة أن تنتجه لنا لكان النزاع ثم قطع شوطاً كبيراً منه، هذا بالفعل ما قام به الرياضي الفرنسي إيميل بوريل، حيث طرح ما يسميه المبرهنة القرد، تقول لو أن مليون قرداً طبعوا عشرات الساعات يومياً على آلة كاتبة ماذا يستطيعون أن ينتجوا لنا؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/12 الساعة 02:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/12 الساعة 02:48 بتوقيت غرينتش

في البداية تنقسم البراهين من حيث القوة إلى أربعة مستويات، أقواها هو البرهان الرياضي وهو عبارة عن إثبات، يستند على بديهيات معينة، لعبارة رياضية أو علاقة رياضية بأنها صحيحة منطقياً، يليه مباشرة البرهان العقلي، وهو عملية استدلال تهدف إلى تأكيد صدق أو كذب قضية ما، والاستدلالات التي تبنى عليها.

ثالث البراهين تجريبي، وهو محدود جداً، إذا ما قرن بالبرهان الرياضي أو العقلي، وغير كافِ لو أخذ وحده، ويليه مباشرةً البرهان الحسي، وهذا ثم سحب الثقة منه قديماً جداً، منذ آلاف السنين؛ لأنه كثير الأخطاء ولا يمكن الوثوق به، وغالباً لا يعطي نتائج يقينية، فالعين ترى شمساً صغيرة، ولكن هي تكبر عن الأرض بمليون و300 ألف مرة، ويُرى السراب ماء.

لكن للأسف العلم المادي تم حصره في البرهان التجريبي والبرهان الحسي، رغم أن الكثير من مسلماته تنطلق من أشياء تمت البرهنة عليها رياضياً وعقلياً، كالجاذبية والضوء مثلاً.

يعد وجود خالق للكون سبحانه وتعالى من أهم نقاط الخلاف بين المؤمنين والماديين، فعندما كان يستند المؤمنون إلى الإله كتفسير لأصل الكون والحياة التي فيه، كان الماديون لهم مقالة أخرى، نجد تلخيصها في قول الإحيائي المادي جورج والد حول أصل الحياة.

يقول إن بطل القصة في الحقيقة هو الزمان، الزمان الذي يعمل معه تطور الحياة هو بليون سنة، فما نعتبره مستحيلاً على أساس الخبرة البشرية لا معنى له هنا، حين يكون لدينا فترة زمنية طويلة جداً يغدو المستحيل ممكناً، والممكن محتملاً، والمحتمل مؤكداً، على أحدنا أن ينتظر فقط وسيقوم الوقت نفسه بعمل المعجزات.

فالماديون يفسرون هذا الكون المعجز بكل ما فيه بالصدفة، كما قال الإحيائي جورج والد، فلو وجد اختبار لما تستطيع الصدفة أن تنتجه لنا لكان النزاع ثم قطع شوطاً كبيراً منه، هذا بالفعل ما قام به الرياضي الفرنسي إيميل بوريل، حيث طرح ما يسميه المبرهنة القرد، تقول لو أن مليون قرداً طبعوا عشرات الساعات يومياً على آلة كاتبة ماذا يستطيعون أن ينتجوا لنا؟

كم من الوقت تحتاج القردة لتطبع كل كتب العالم؟ وكم قرداً نحتاج لذلك؟ دعونا نستبعد فكرة إنتاج كل كتب العالم كلها، بل وحتى كتب مؤلف واحد كشكسبير، ونستبعد حتى كل رواياته، عدا رواية هاملت، ومن ثم نستبعد فصول رواية هاملت لنصل إلى عبارة المونولوغ، وهي "نكون أو لا نكون"، ذلك هو سؤال: هل تستطيع الصدفة أن تكتب لنا هذه الجملة؟ وكم سيكون العدد المطلوب من قردة ليطبع بالصدفة هذه العبارة فقط؟

افترض أن لديك مليون قرد يطبعون على مليون آلة كاتبة عشوائياً، وبمعدل مليون ضغطة مفتاح في ثانية، ولمدة مليون سنة، وجد إيميل بوريل أن احتمال كتابتها للكلمات الست الأولى يساوي النصف فقط، بمعنى أن الصدفة لم تستطِع أن تنتج لنا جملة واحدة من روايات شكسبير، لاحظ أن مليون قرد يطبعون على مليون آلة كاتبة، وبمعدل مليون ضغطة في ثانية، ولمدة مليون سنة، لم يستطيعوا كتابة جملة واحدة من روايات شكسبير، من باب أولى ألا تستطيع الصدفة خلق إنسان مكون من ستين ألف بليون خلية، أما أن يسند لها الماديون خلق الأرض والشمس والكون فهذا انتحار عقلي.

أظهر اختبار آخر مماثل لاختبار إيميل بوريل للفيزيائي سيث لويد، لكنه أوسع نطاقاً وأبعد مادياً، أن الصدفة تستطيع إنتاج 400 بت من المعلومات المحددة ذات المعنى ضمن زمان الكون المادي المعروف، وهذه المعلومات لا تساوي شيئاً يذكر مقارنة مع أصغر مخلوق من مخلوقات الله، وهذا ما يعني أنه لن تكفي كل الفرص الممكنة في الكون المادي لجعل قردة إيميل بوريل تطبع سطرين من مقولة هاملت عشوائياً، فضلاً عن رواية هاملت كلها، إن لم نقل أعمال شكسبير كلها، فضلاً عن كل كتب العالم، لا ننسَ هنا أن نسأل الأسئلة التالية: من أين أتت الآلات الكاتبة؟ ومن أين أتت اللغة التي يكتبون بها؟ وكيف يفهمون اللغة التي يكتبونها؟ ومن أين أتت القردة أصلاً؟

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد