كوب 22.. مناخ يتغير ومراكش الخضراء تتفاعل

قمة مراكش تأمل في نجاح الدبلوماسية المناخية في تحقيق أهدافها، وتأكيد مصداقية العمل الجماعي الدولي في مواجهة ظاهرة التغيرات المناخية، ولحظة لاستشراف المستقبل والتأمل في الآثار الكارثية التي خلقها التسابق العالمي لاستغلال أصناف الطاقة التي بالأرض.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/08 الساعة 05:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/08 الساعة 05:01 بتوقيت غرينتش

"مراكش" كلمة أمازيغية معناها "أرض الله"، مراكش حاضرة تاريخية مشهورة، كانت فكرةً لأبي بكر بن عمر رحمه الله ثاني أمراء المرابطين، وبناءً وتشيداً من أمير المسلمين يوسف بن تاشفين رحمه الله.

هذه المدينة الساحرة المتميزة حملت أسماء كثيرة منها: مدينة بن تاشفين تأسيساً، ومراكش تاريخاً، والحمراء لوناً، والنخيل رمزاً، والبهجة حالاً، وبوابة الجنوب موقعاً، ومدينة الأولياء سمة، لكن الاسم الذي اشتهرت به في العصر الحديث "المدينة الحمراء" لمحيطها الصحراوي المحيط بها آنذاك، ثم لون بيوتها ودورها العتيقة الآن.

ومباشرة بعد إعلان مدينة "مراكش" المدينة المغربية المستقبلة للدورة التالية للمؤتمر العالمي حول المناخ (كوب 22) ما بين 7 و18 نوفمبر 2016/تشرين الثاني، أطلق نشاط البيئة وأصدقاء الأرض "لقب المدينة الخضراء على مراكش".

هذا اللقب ليس غريباً عن هذه المدينة، فهي خضراء بحدائقها ومتنزهاتها وبساتينها الكثيرة، بل أكثر المدن المغربية التاريخية اخضراراً، التي تحولت من صحراء قاحلة إلى جنة غناء، وحدائقها العتيقة والحديثة تشهد بهذا.

مراكش رمز فريد بالعالم الإسلامي للمدينة التي أينما وجهت وجهك فيها إلا وجدت بستاناً كبيراً أو حديقة خضراء أو عرصات منتشرة على طول وعرض المدينة، حيث حرص الإنسان المراكشي كيفما كانت طبقته ومستواه فيها على الإسهام في صناعة خضرتها، الكل في المدينة عاشق للخضرة والبيئة والطبيعة.

ومن الموروث البيئي الذي تفتخر به حاضرة التاريخ والحضارة "مراكش الخضراء" حدائقها التي تتجاوز أربعين حديقة وفضاء أخضر ما بين التاريخي والحديث، والتي تأكد استحقاقها للقب والمؤتمر.

ومن تلك الحدائق التاريخية الكبرى: حدائق أكدال والمنارة وعرصة باب الجديد وعرصة مولاي عبدالسلام، وحدائق جنان الحارثي، وحدائق الكتبية وواحة الحسن الثاني، وحدائق شارع محمد السادس وحديقة ماجوريل، وتاج هذه الحدائق "غابة النخيل" بغرب المدينة والتي تمتد مساحتها الإجمالية لـ 14 هكتاراً تقريباً، والتي تجعل مدينة "مراكش" وردة بين النخيل.

هذه الحدائق الكثيرة والمتنوعة أكسبت المراكشيين عادة حسنة، وطريقة عيش متميزة، عرفت باللهجة المراكشية "بنزاهة" أو "النُزهة"، حيث إن المراكشيين في أوقات الفراغ والعطل، يخرجون إلى حدائق المدينة التي تحيط بها من كل جانب، للنزهة والتمتع بالمناظر الخضراء واستنشاق الهواء النقي.

وها هي مراكش "عاصمة المؤتمرات بالمملكة المغربية" اليوم تفتح أحضانها لأمم الأرض مستقبلة مؤتمرهم العالمي حول المناخ (كوب 22)، أملاً منها أن يكون المؤتمر حدثاً للمبادرات والبرامج العملية في مجال التصدي للتغيرات المناخية، وفرصة لاعتماد آليات تنفيذ اتفاق باريس، الذي دخل حيز التنفيذ الجمعة الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بعد أقل من عام على إبرامه، حيث يسعى المؤتمر لإيجاد سبل تنفيذ هذا الاتفاق الموقع من قبل 195 بلداً، والذي اعتبره حماة البيئة أول اتفاق عالمي متفق عليه، يهدف للحد من الاحتباس الحراري ونتائجه.

سرعة دخول هذا الاتفاق حيز التنفيذ إشارة سياسية إيجابية، تبعث على تفاؤل بأن غالب أمم أرض ملتزمة بالتحرك الشامل والحاسم ضد التغير المناخي، فالاتفاق نص على التزام الدول الموقعة على تخلي الاقتصاد العالمي عن الوقود الأحفوري في النصف الثاني من القرن الحالي، والحد من الزيادة في متوسط درجات الحرارة العالمية إلى أقل بكثير من درجتين.

وبعد نجاح باريس في الدفع إلى هذا الحدث التاريخي، كذلك تسعى مراكش أن يكون مؤتمرها "كوب 22" مؤتمراً لدراسة التفاصيل المتعلقة باتفاق باريس والسياسات والتكنولوجيا والتمويل اللازم لضمان تحقيق أهداف اتفاق باريس، أمام التحديات الخطيرة التي تواجه الأرض والمناخ، حيث أكد خبراء المناخ أن من المتوقع زيادة انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري من 12 بليوناً إلى 14 بليون طن عما هو ضروري لإبقاء سخونة الأرض عند الهدف المتفق عليه دولياً.

كما أكدت منظمة العالمية للأرصاد الجوية أن التغييرات التي تسبب بها الإنسان في الغلاف الجوي قد تعدت عتبة ما هو غير مقبول، مع ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون لأكثر من مستوى 400 جزء في المليون، وهي نسبة أكبر بـ 40 بالمائة من الأرقام التي كانت في العصر ما قبل الصناعي.

مؤتمر الأطراف "كوب 22 " بمراكش مؤتمر الإجراءات والعمل والتنفيذ، حيث سيسعى المؤتمر لتفعيل آليات الحد من أثر تغيرات المناخ على سطح الأرض والمحيطات، وتأثيراته المباشرة في انخفاض الغطاء النباتي والثلجي، وفقدان كتلة مهمة من الصفائح الجليدية الكبرى، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وتزايد معدل الأمطار في المناطق الرطبة وانخفاضها بشكل خطير في المناطق الجافة، ومشكلة الفيضانات الكارثية واختفاء الجزر، وتهديد أخرى بالغرق، وغيرها من الأزمات التي تسبب فيها الاحتباس الحراري، والذي طبعاً هو نتيجة حتمية لجشع الإنسان وسوء تخطيطه لمستقبل الأجيال القادمة وتخطيه كل الخطوط الحمراء التي نبه إليها الخبراء من أجل الحفاظ على التوازن البيئي ومحاربة التلوث.

المملكة المغربية وفي مقدمتها صاحب الجلالة يسعون لجعل "مؤتمر مراكش للمناخ" محطة للمرور من اتخاذ القرار إلى العمل، حيث أكد الملك محمد السادس، في خطابه السامي لحفل توقيع اتفاق باريس حول التغيرات المناخية بمقر الأمم المتحدة، أن"مؤتمر المناخ بمراكش" يتطلع ليكون مؤتمر العمل بامتياز، ومحطة أخرى للتفاهم وتحمل المسؤولية المشتركة، ومناسبة للأطراف المعنية للوقوف على سياساتها واستراتيجياتها في مجال مكافحة التغيرات المناخية، وقال جلالته: "إننـا نتطلـع لأن تشكـل الـدورة 22 لمـؤتمـر المنـاخ بمـراكـش، منـاسبـة لتعـزيـز الـوعـي العـالمـي، بضـرورة مـواصلـة الانخـراط الجمـاعـي فـي مـواجهـة التغيـرات المنـاخيـة، كمـا نطمـح لتبنـي مسـاطـر وآليـات لتفعيـل اتفـاق بـاريـس، ومـن بينهـا اعتمـاد خطـة عمـل لفتـرة مـا قبـل 2020، فـي مـا يخـص تخفيـض الانبعـاثـات، والملاءمـة، والتمويـل، وتعزيـز القـدرات، ونقـل التكنولـوجيـا، والشفـافيـة، خـاصـة لفـائـدة البلـدان النـاميـة، والـدول الأقـل تقـدمـاً، فـي إفريقيـا وأميركا اللاتينيـة، والـدول الجـزريـة الصغيـرة.

وهـو مـا يقتضـي الاتفـاق عـلى خـارطـة طـريـق ملمـوسـة وواضحـة المعـالـم والنتـائـج، مـن أجـل تعبئـة المـوارد المـاليـة الضـروريـة لتمـويـل المشـاريـع، وذلـك مـن أجـل تشجـيـع التغييـر، الـذي نتطلـع لتحقيـقـه، عـلى مستـوى نمـاذج الاستثمـار الخـاص".

لقد وفقت قمة المناخ "كوب 22" بمراكش لاختيارها شعار "لنعمل"، وهو شعار يهدف للعمل على تفعيل آليات الحد من الاحتباس الحراري الذي يعتبر تهديداً وجودياً لحياة الإنسان على كوكب الأرض، في ظل التغير المناخي الذي يتسارع بنسب مضاعفة بالمقارنة مع الجهود المبذولة لمكافحته.

قمة مراكش تأمل في نجاح الدبلوماسية المناخية في تحقيق أهدافها، وتأكيد مصداقية العمل الجماعي الدولي في مواجهة ظاهرة التغيرات المناخية، ولحظة لاستشراف المستقبل والتأمل في الآثار الكارثية التي خلقها التسابق العالمي لاستغلال أصناف الطاقة التي بالأرض.

لتعمل الحكومات والمنظمات والمؤسسات الدولية المشاركة على جعل قمة مراكش انطلاقة جديدة من أجل دينامية متجددة، غايتها حماية كوكب الأرض ورعاية حقوقها، وفرصة للتحول من جيل "حقوق الإنسان وتغير المناخ" إلى جيل "حقوق الأرض ومناخها أولا ثم الإنسان وحقوقه ثانياً"، وإلا فسنقضي على الأرض والبيئة والإنسان.

وإن كانت الأرض ترى رأي الشاعر القائل:

يا نيل فيك من الحياة خلودها ** كل الورى يفنى وأنت الباقي

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد