قد يستغرب البعض من نظرة المجتمع الغربي للعرب والمسلمين، فهي نظرة تكاد لا تخلو من التمييز العنصري والازدراء، هذا الاستنتاج ناجم عن التصريحات اليومية للمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب تجاه الجالية العربية والإسلامية، الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الوصول لأعلى منصب سياسي في العالم، ناهيك عن سياسة العديد من الدول الأوروبية الرافضة للاجئين السوريين، ما لم ينخرطوا بثقافة الدولة المستضيفة، ويتخلوا عن مبادئهم ومعتقداتهم الدينية والاجتماعية.
السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا: كيف لنا أن نغيّر من هذه النظرة العنصرية؟
ولكن السؤال الحقيقي: ما هو السبب في تكوين هذه الصورة تجاهنا كعرب ومسلمين؟
يكمن الجواب بأنفسنا، فالعرب أبدعوا بالتمييز والتفريق بين أفراد الشعب والمجتمع الواحد في العديد من القضايا، كيف نتوقع أن يحترمنا الآخرون بتعاملنا العنصري فيما بيننا؟
قال تعالى: "إِنَّ الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (سورة الرعد: 11).
فلن تتبدل الأحوال إلا بعد أن نبدأ بتغيير أنفسنا أولاً.
في العام الماضي عندما انتقلت للاستقرار في كندا، كانت هذه التجربة الأولى من نوعها لي خارج الوطن العربي، فأطول مدة قضيتها بعيداً عن الأهل لم تتجاوز الشهر في إجازة صيفية ممتعة في أوروبا أو أميركا.
وأجمل ما وجدتهُ في ثقافة الشعب الكندي هو التعدّدية، فكندا دولة أُسّست من المهاجرين تماماً كحال الدولة الإسلامية، فتاريخ الدولة الإسلامية الفعلي بدأ بهجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمدينة المنورة ووضع حجر الأساس لأول مسجد في الإسلام، ومن ثم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وكان ذلك تأكيداً على أن رباط الأخوة في الإسلام هو رباط عظيم ومقّدس، شرع إليه نبي الله في أولى خطوات التغيير لإزالة الفروقات بين المسلمين.
أثناء اختلاطي بالكنديين في محاولة لبدء حياة اجتماعية في موطني الجديد والتعرف على ثقافتهم، واجهتني بعض المواقف المحرجة نوعاً ما، وكان ذلك بسبب نوع الأسئلة التي كنت أطرحها على أصدقائي الجُدد، كنت دائماً أتطرق لسؤالهم عن أصولهم وخلفياتهم الاجتماعية وفي بعض الأحيان عن معتقداتهم الدينية.
لم يكن سؤالي بدافع التمييز بينهم، ولكن لأغذي فضولي بالتعرف على ثقافات الشعوب المختلفة وتقاليدهم، والأكثر من هذا وذاك، التعرف على مدى سهولة التأقلم والانخراط في ثقافة أجنبية مختلفة.
التجربة أثبتت لي أن هذا النوع من الأسئلة يعد واحدةً من العادات السلبية التي استوردناها أنا والعديد من أبناء الجالية العربية من الشرق الأوسط إلى المهجر، ليس فقط لأنه يظهر عدم تماسكنا ورغبتنا بتقسيم أفراد المجتمع لفئات، وإنما يوحي للأفراد بأنهم لا ينتمون لهذا المجتمع وأنهم فئة مختلفة سواء من ناحية أصولهم، أو ألوانهم أو معتقداتهم.
فأفراد المجتمع الكندي من مختلف الأعراق فخورون بكونهم كنديين، سواء كانوا من المهاجرين الجدد أو من أحفاد الأجيال المؤسسة.
في تجربة اجتماعية فريدة من نوعها قامت بها إحدى أكبر شركات دراسة الجينات وتحليل الحمض النووي في بريطانيا، تبين أن الإنسان في غريزته يميل للتفاخر بأصوله والتحيز لِعرقه.
هذه الصورة تغيرت تماماً بعد أن تم اختبار الحمض النووي لهؤلاء الأفراد والكشف عن أصولهم الحقيقية.
السؤال الحقيقي هو: هل سنقبل التمييز ضدنا بسبب أصولنا؟ هل ستحمل نفس النظرة العلوية ضد الأقليات في المجتمع بعد أن تكتشف أنك تنحدر وتشاركهم نفس الأصول؟ هل ستقبل أن يعاملك المجتمع بنفس التحيز كما عاملت هذه الأقليات من قبل؟
لا بأس أن نفتخر بأصولنا، ولكن من دون أن نحتقر أصول الآخرين، وتذكروا أن كلكم لآدم، وآدم من تراب.
بعد مشاهدة هذه التجربة، قررت أن أخوض بنفسي تجربة اختبار الحمض النووي للبحث والتعرف على أنسابي وأصولي بهدف إحداث فرق في نظرة المجتمع وتغيير طريقة التفكير بين أفراد المجتمع الواحد، وأثرها في التفكك الاجتماعي.
كانت نتيجة التحليل مفاجئة جداً!
يمكن مشاهدة هذه التجربة على الرابط التالي:
أتمنى أن ينال هذا العمل إعجابكم ويحدث تغييراً في أسلوب التفكير والتعامل فيما بيننا.
وتذكروا أن التغيير يبدأ بتغيير النفس أولاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.