العالم المنسي

البادية، العالم القروي أو الأرياف.. كلها مسميات لفضاء جغرافي واحد؛ حيث الحياة مختلفة تماماً عما نعرفه نحن سكان المدن، وحيث نمط العيش مبني أساساً على الزراعة وتربية المواشي، بعيداً عن نمط الحياة الحديثة المنتشر في الحواضر، الذي حوَّل المجتمعات المدنية إلى مجتمعات استهلاكية بالدرجة الأولى، وما تبع ذلك من انعكاسات على الحياة الاجتماعية داخلها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/07 الساعة 01:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/07 الساعة 01:02 بتوقيت غرينتش

البادية، العالم القروي أو الأرياف.. كلها مسميات لفضاء جغرافي واحد؛ حيث الحياة مختلفة تماماً عما نعرفه نحن سكان المدن، وحيث نمط العيش مبني أساساً على الزراعة وتربية المواشي، بعيداً عن نمط الحياة الحديثة المنتشر في الحواضر، الذي حوَّل المجتمعات المدنية إلى مجتمعات استهلاكية بالدرجة الأولى، وما تبع ذلك من انعكاسات على الحياة الاجتماعية داخلها.

وكما أن البادية ظلت بعيدة عن مشكلات المدينة، تلك المشكلات المصطنعة -في كثير منها- التي تولدت مع التحول الكبير في طبيعة المجتمعات المدنية، منذ بداية القرن الماضي على وجه الخصوص، فإن المدينة ظلت كذلك بعيدة عن المشكلات والهموم والانتظارات المشروعة للبادية وأهلها، رغم أنها تظل الضامن الأساسي للمدن في ما يتعلق بأمنها الغذائي.

وهكذا فإن البادية في عالمنا العربي ظلت لسنوات بعيدة جداً عن مظاهر التنمية البشرية، وهو ما يظهر مثلاً على مستوى تهالك البنية التحتية الأساسية تارة، وانعدامها بشكل كامل تارة أخرى، فهذا العالم المنسي، أو كما يسميه البعض "الجزء غير النافع من الوطن"، لا يصلح في نظر الكثير من المسؤولين في عالمنا العربي إلا أن يكون منفى، وهو ما يفسر أن الكثير من "المغضوب عليهم" في الإدارات والمصالح الحكومية يتم تعيينهم في المناطق النائية، وهو ما يفسر كذلك أن الكثير من الموظفين الحكوميين مستعدون لفعل أي شيء؛ كي لا يتم تعيينهم في إحدى هذه البوادي.

ورغم أن البوادي تظل -كما أشرنا- الضامن الأساسي للأمن الغذائي للمدن بل وللدول بشكل عام، على اعتبار أنها موطن جميع الزراعات الأساسية، بالإضافة إلى الموارد الحيوانية، فإنها تظل تعيش على هامش التنمية في جميع المجالات، إن على مستوى البنية التحتية -كما ذكرنا سابقاً- أو كذلك على مستوى باقي انتظارات ساكنيها التي تتلخص في الصحة والتعليم والدعم الحكومي للمزارعين ومربي المواشي.

وتزداد متاعب البادية وأهلها مع توالي سنوات الجفاف الصعبة التي تؤثر بشكل ملموس على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية -من دون نسيان بعض الأمراض التي قد تصيب الاثنين- وبالتالي تزيد من حدة الأزمات المالية الخانقة للمزارعين، وتتضاعف مشكلاتهم أكثر فأكثر، في غياب سياسات واضحة في هذا المجال في الكثير من دولنا العربية من أجل مساندة المزارعين، وتقديم الدعم لهم، وهو الأمر الذي يدفع بالكثيرين من أهل البوادي عموماً إلى الهجرة نحو المدن، خصوصاً الضواحي، مع ما يترتب على ذلك من مشكلات اجتماعية حقيقية.

يحدث هذا في الوقت الذي تحصل فيه المدن على حصة الأسد من الاهتمام الحكومي على جميع المستويات، خصوصاً على المستوى التنموي، وتتركز فيها البنيات المهمة، كما أن الاهتمام الإعلامي يكاد لا يقارن بما هو عليه الحال في قضية البوادي، والتي تكاد تغيب عن التغطيات الصحفية.

إن الوقت قد حان لتقوم حكوماتنا العربية بتفعيل مخططات تنموية مندمجة، خاصة بالبوادي، تضع العنصر البشري في صلب هذه المخططات، وتجعل من هذه المناطق المنسية رافعة لتنمية اجتماعية حقيقية تضمن تحقيق نمو اقتصادي شامل، تستفيد منه كل الأطراف في الوطن الواحد.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد