أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن القوات المشاركة في عملية درع الفرات التي تقودها بلاده لم يتبق أمامها إلا الوصول إلى مدينة الباب الاستراتيجية من أجل إقامة منطقة آمنة على مساحة 5 آلاف كيلومتر وذلك بعد دخولها جرابلس والراعي ودابق بشمال سوريا.
وقال أردوغان في تصريحات أمس إن مسلحي "الجيش الحر" المدعومين من الجيش التركي اقتربوا إلى مسافة 12-13 كيلومتراً من الباب التي يسيطر عليها تنظيم "داعش"، مضيفاً أن الهدف يتمثل باقتحام المدينة وطرد مسلحي "داعش" باتجاه الجنوب.
وأصبحت المدينة التي تعد معقل تنظيم الدولة الأخير في ريف حلب محط أنظار الأطراف المختلفة، خاصة بعد سيطرة الثوار من خلال عملية "درع الفرات" على ريف حلب الشمالي، وأجزاء من الريف الشرقي، وعبور الكرد لغرب الفرات، وسيطرتهم على سد تشرين ومدينة "منبج" ذات الغالبية العربية.
لماذا يتسابق الجميع عليها؟
وتأتي أهمية معركة الباب من الأهمية الاستراتيجية للمدينة نفسها ولما بعد المدينة، فمن يسيطر على الباب يسيطر حكماً على الريف الشرقي لحلب، ويُفتح الطريق أمامه نحو مدينة الرقة (عاصمة داعش في سوريا).
وهذا ما يفسر حجم الاستعدادات والدعاية الإعلامية، والحرب النفسية لمعركة الباب.
فتركيا تنظر لمدينة الباب باعتبارها صمام الأمان للمنطقة الآمنة المزمع إقامتها من خلال عملية "درع الفرات"، نظراً للإمكانات التي تمتلكها المدينة اقتصادياً وصناعياً وبشرياً.
المشروع الكردي
ويقول السيد عماد حنيضل رئيس المجلس الثوري لمدينة منبج سابقاً لعربي بوست: "الباب قادرة على استيعاب أكبر قدر ممكن من اللاجئين إذا أصبحت جزءاً من المنطقة الآمنة" والسيطرة على الباب بالنسبة للأتراك تعني أمرين مهمين؛ القضاء على الحلم الكردي نهائياً بوصل عين العرب شرقاً بعفرين غرباً.
ويتابع حنيضل: "السيطرة على الباب ستقطع الطريق أمام إقامة المشروع الانفصالي الكردي" والأمر الثاني يتمثل بتأمين الحدود الجنوبية لتركيا من خطر تنظيم الدولة من جهة، وخطر القوات الكردية لحد ما من جهة ثانية.
وأضاف قائلاً "ولا يغيب هنا أيضاً وجود قرى تركمانية وخاصة شمال مدينة الباب، وهذا ما يفرض واجباً أدبياً على الحكومة التركية تجاه هذه القرى التي كاد يلتهمها الطوفان الكردي".
وتتلاقى مصالح الثوار مع مصالح الأتراك في أكثر من نقطة، فإضافة لمواجهتهما عدوين مشتركين (تنظيم الدولة، القوات الكردية) فإن لمدينة الباب بعداً آخر للثوار يتمثل بالخزان البشري الثوري، فخرج من مدينة الباب العدد الأكبر من الثوار، ويعتقد الثوار أن المدينة ستلعب دورها الثوري مجدداً بمجرد طرد التنظيم.
وفي هذا الإطار، يقول السيد عماد: "الباب هي الخزان البشري الذي سيدعم الثورة، ويجدد شبابها".
ويؤكد السيد طلال عابو رئيس مجلس مدينة الباب لهافينغتون عربي ذلك قائلاً: "من سيحرر الباب أبناء البلد والمنطقة، وهذا ما سيحقق النصر للثوار".
ولا يعد الثوار مدينة الباب بوابة للرقة فحسب بل بوابة لمدينة حلب، فقوات النظام أصبحت على مرمى حجر من مدينة الباب بعد سيطرتها على مطار كويرس، ولعب غياب الحاضنة الشعبية للنظام وطابع المدينة الثوري دوراً رئيساً في توقف النظام عند مطار كويرس، وإحجامه عن المتابعة نحو الباب، فالكلفة البشرية لقواته ستكون باهظة.
هل هناك تسوية؟
ويستبعد مراقبون أن يكون تقدم قوات "درع الفرات" نحو الباب قد تمّ في إطار تسوية تفضي إلى تسليم حلب للنظام، ويستدلون على ذلك بانطلاق ما يسمى "ملحمة حلب الكبرى" بالتزامن مع معركة التقدم نحو الباب.
ولا ينفي ذلك وجود تفاهمات روسية تركية، حسب الخبير العسكري العميد أحمد رحال لعربي بوست الذي يقول عن هذه التفاهمات: "المواجهة بين النظام والكرد من جهة وتركيا من جهة ثانية مؤجلة لأن تركيا -وفق قناعاتي- قدمت ضمانات لموسكو بهذا الخصوص".
واعتبر أن كل ما يحدث في الريف الشمالي لحلب لا يخرج عن دائرة المناوشات والمضايقات.
من جانبه يرى السيد طلال العابو: "أن ما يحدث هو تخريب وتشويش على الجيش الحر من قبل التنظيمات الإرهابية كداعش والبكاكا (حزب العمال الكردستاني)" ويرى أن ذلك لن يؤثر على الهدف الاستراتيجي للثوار، حسب قوله.
ويتابع طلال: "الهدف تأخير مشروع التحرير وإعاقة عملية درع الفرات".
مخاوف السكان
ويتخوّف أهالي الباب من تكرار سيناريو منبج وعين العرب، فهناك احتمال مقاومة شرسة من قبل تنظيم الدولة لقوات "درع الفرات" ولا سيما بعد تركز قوات التنظيم في الباب.
ويقول الناشط الإعلامي محمود الحسن من ريف حلب: "يتركز الآن آلاف المقاتلين.
وسيدافعون حتى الرمق الأخير، ولا سيما بعد انطلاق معركة الموصل، فوضع التنظيم لا يسمح بخسارة مزيد من الأرض".
ويقلل الثوار من هذه المخاوف بل يذهبون أبعد من ذلك ضاربين جرابلس مثالاً لذلك، يقول أحد المقاتلين في الجيش السوري الحر: "وصل عدد سكان جرابلس لأربعة آلاف زمن داعش، وبمجرد سيطرة الثوار وصل عدد السكان لـ 24 ألفاً والعدد في ازدياد".
وما يبدد هذه المخاوف طبيعة المعارك السابقة، يقول السيد عماد: "المخاوف تبددت لكون المناطق مفتوحة باتجاه مناطق داعش ويمكن لعناصر التنظيم الهرب إلى مناطق الثوار".
ويستبعد السيد عماد سيناريو منبج: "لن تكون المعارك تدميرية مثل معركة منبج، ولن نحاصر كما فعلت قسد" ( قوات سوريا الديمقراطية)، فالمعارك مدروسة ومخطط لها جيداً وفق ما يرى حنيضل.
ويؤكد ثوار الباب أن وضع المدينة سينقلب جذرياً للأفضل، ويطمئن الجميع، إذ يقول السيد طلال عابو: "نؤكد رفض أهالي مدينة الباب وريفها لأي نهج طائفي أو عرقي أو ديني ولأي جماعة تحمل هذا الفكر المتطرف".
ويرى أن ممارسات التنظيم جعلت أهل الباب تواقين لتحرير المدينة، ويتابع طلال: "إن ازدياد وتيرة الإرهاب الممارس من قبل داعش جعل المدنيين بانتظار الخلاص من هؤلاء الشرذمة على يد أبنائهم من الجيش الحر" وربما تشهد عودة الأهالي بكثافة للقرى التي طُرِد تنظيم الدولة منها على طمأنينة الأهالي لعملية "درع الفرات".