قيل إن المشاعر والأحاسيس هي انعكاس صور الأحداث والأشخاص على نفسية الإنسان، لما يقابله من فرح أو حزن. وحين ينتاب أحدنا شعور الرغبة بـ(الفضفضة)، نلجأ إلى أحد الأصدقاء المقربين، والحديث معه وجهاً لوجه، عما يجوب في خاطرنا.
لكن، ما يحدث حالياً هو عكس ذلك تماماً، حيث تكاد شخصية الصديق المقرب تختفي ضمن حدود العالم الافتراضي، فانشغالنا طيلة الوقت بمتابعة وقراءة ما يُكتب على جدرانه من منشورات لأصدقائنا، يتيح الفرصة أمامنا لتكوين صورة ذهنية خاصة عن معظم الأصدقاء في الفيسبوك، ومن ثم نجد شخصيات فيسبوكية تشابه أفكارنا وميولنا وتطلعاتنا.
وقد تنجذب إلى إحدى الشخصيات دون أن تكون قد التقيته من قبل، وبدافع خارج عن إرادتك، فترتاح إليه وتشعر معه بأنه يقرأ أفكارك ويجيب عن تساؤلاتك قبل أن تسألها، ولربما أفشيت إليه بكل مكنونات قلبك عن طيب خاطر من أول تعارف بينكما ولم تفكر لحظة في أن ظنك فيه سيخيب.
ولعل أهم التفسيرات لميلك إلى إحدى الشخصيات الفيسبوكية، رغم ما يفصل بينكما من حدود ومسافات طويلة، ما ذكره رسولنا الكريم فى الحديث الشريف الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجنّدة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف".
إنها لغة القلوب حين تتلاقى ولغة القلوب حين تتنافر، فالتقاء روحك مع روح هذا الإنسان هو التقاء الصفات الموجودة لديك وتشابهها مع الصفات الموجودة فيه، وتلاقي الأرواح ليس مسألة علاقة عاطفية أو حباً بين اثنين، فقد تكون صداقة قوية، سماتها التفاهم والعطاء.
وقد يكون ما يعرف بـ"الكيمياء البشرية" هو أحد التفسيرات الأخرى حول انجذابك إلى إحدى الشخصيات قبل أن تلتقيها، فتحتل جزءاً كبيراً من تفكيرك، وقد يصبح الحديث معها باستمرار جزءاً من إدمانك هذا العالم الافتراضي. هنا، تكمن الإشكالية: حين تتعلق بتلك الشخصية حد الانسجام، فيصبح لا غنى لك عنها، كأن العقل الواعي بدأ يتقبل وجودها كأنها أمام ناظريك، وتبدأ تتناسى فكرة عدم وجود هذه الشخصية في عالمك الحقيقي، وتصرف النظر عن كونها شخصية في عالم افتراضي لا متناهٍ.
وصولك لمرحلة كهذه يعني أنها ستؤثر عليك بشكل كبير، وأنها ستؤثر على نفسيتك وعلى طباعك ومزاجيتك، فعند غياب الشخصية الفيسبوكية التي اتخذتها صديقاً لك قد تشعر بالفراغ، وقد تصاب بالإحباط، وتخالط ذهنك العديد من الأفكار التي تؤرقك.
إنه لأمر خطير جداً؛ أن تصبح الشخصية الفيسبوكية ملجأ للحديث عن كل ما تمر به في الحياة، بداية من الأحداث العامة، ووصولاً إلى الأحداث الشخصية
لذا، عليك أن تعي تماماً أن ليس كل ما تعيشه من أحداث وليس كل ما تمر به يستحق هذا الكم من الأهمية، دعنا نتفق على أن هذه الشخصية الفيسبوكية هي إنسان في مكان ما، ولكن معايشتك له عبر هذا العالم الافتراضي لا تعطيك الانطباع الكامل عنه، فالحقيقة دائماً ما تكون نسبية، ورغم ذلك ليس هذا ما أريدك أن تدركه، فهناك نقطة جوهرية، عليك أن تعرفها تماماً، فإن ما يتحول إليه عالم الفيسبوك هو أن يحمل كل آفات العالم الواقعي، من معارك وصدامات وتفاخر وتحاسُد وغضب وسب، ليفقد مثالية الواقع المفترض الذي نهرب إليه.
لذا، عليك أن تتخطى فكرة أنه لا يمكن الاستغناء عن هذه الشخصية، وأن وجودها في حياتك لا يؤثر عليك بالسلب أو الإيجاب، أو ألا تبني حولك هالات وهمية، تحفز لديك حبك وتعلقك بها، وعليك أن تشغل نفسك بأمور أكثر أهمية، واتخاذ صديق حقيقي، صديق مقرب، امنحه وقتاً بعيداً عن العالم الافتراضي، واحتلّ لنفسك مساحة كبيرة من العالم الحقيقي، لتتحدث، وتضحك، وتفعل كل ما يروق لك، حينها، تكون مسيطراً على نفسك ومشاعرك، فلا تصبح أسيراً لها، ولا تصبح حياتك رهينة للعالم الافتراضي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.