يومئذ ستُسألون عن النعيم

من النعيم.. نعمة العقل، فإذا فقد الإنسان العقل السليم الذي يقوده إلى الخير، ويبعده عن الشر، فقد يصبح كالبهيمة التي تأكل وتشرب، ولا تعقل شيئاً، فلولاه لما عرف الإنسان دين الإسلام والنبوة، والحق والباطل، والمعروفَ والمنكر، فليس الجمال بثوب يزينك أو سيارة فاخرة تترفع بها عن الخلق، إنما جمالك يكمن في حسن استعمال عقلك.

عربي بوست
تم النشر: 2016/11/05 الساعة 02:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/11/05 الساعة 02:37 بتوقيت غرينتش

كثيراً ما نغفل عن محاسبة أنفسنا، وغالباً ما يغوص الإنسان في متاهات الحياة عابثاً، لا ينتبه لعمره فيما أفناه.. ووقته فيما أضاعه.. وهل أخلص في أي عمل يقدم عليه؟ وهل أحسن تدبير جميع الموارد والنعم؟

ما يؤسف له أن يغيب عن الكثيرين من بني البشر الوعي والإحساس بالنعم المهداة له من رب الكون إليهم، من مسكن وملبس وعائلة تحتويهم عند السقوط، والكثير من الميزات التي لا تعد ولا تحصى، والتي يعجز العقل البشري عن احترازها والوعي بها.

من النعيم، العائلة، وهنا أخص الأب والأم، الشخصين الأكثر تحملاً للمتاعب وضغوط الحياة اللامتناهية، يتفانيان ويبذلان ما في جهدهما لإرضاء أبنائهما وتوفير الأمان والحماية، في حين أن الكثير من الأشخاص فقدوا هذه النعمة، نعمة الاحتضان والاطمئنان؛ لظروف قاهرة جعل منهم الشارع والمجتمع ضحايا الغلط، وقصدوا دور الأيتام ومراكز القرب للأشخاص في وضعية صعبة.

فهل تفكرت يوماً أن تحمد الله لإهدائك أبوين عظيمين لا بديل لهما؟ هل فكرت أن تحسن إليهما كما أحسنا إليك؟

من النعيم.. فتحُك لصنبور الماء وإرواء عطشك في أقل من بضع ثوانٍ، في حين أن الكثير من بني جنسك يعانون في صمت، ويقطعون مئات الكيلومترات سيراً على الأقدام في ظروف جد قاسية لجلب شربة ماء تغطي حاجات اليوم.. فهل احترزت أو تفكرت لوهلة في قيمة هذه النعمة؟

من النعيم.. البنون، من أعظم عطايا الرحمن، زينة الحياة الدنيا ورحمة لك بعد مماتك، تدريسهم وتطبيبهم، رعايتهم والإنصات لهم، احتواؤهم، ودعمك لهم، كلها واجبات وحقوق مشروعة قليل من يمنحها، ويكون بذلك سلب حياتهم، وقام بهدم نفسيتهم.. فهل أعطيت أبناءك الوقت الكافي لكي يبرزوا مهاراتهم ويتفوقوا كغيرهم؟

من النعيم.. شخص أحبك بصدق، يحترمك في غيابك، ويمجدك في حضورك، يفعل المستحيل لإرضائك، ينكر ذاته لترتاح أنت، هذا الشخص قد يكون أباك، وأمك، وأخاك، صديقك أو حبيباً لك.. فهل احترزت قيمته؟ هل بذلت جهدك لإبقائه كما فعل هو؟

من النعيم.. نعمة العقل، فإذا فقد الإنسان العقل السليم الذي يقوده إلى الخير، ويبعده عن الشر، فقد يصبح كالبهيمة التي تأكل وتشرب، ولا تعقل شيئاً، فلولاه لما عرف الإنسان دين الإسلام والنبوة، والحق والباطل، والمعروفَ والمنكر، فليس الجمال بثوب يزينك أو سيارة فاخرة تترفع بها عن الخلق، إنما جمالك يكمن في حسن استعمال عقلك.

من النعيم.. عمل حصلت عليه، فيه من المميزات ما يجعلك تعيش بكرم، وتنال كل شيء كنت تحلم بالوصول إليه يوم كنت تدعو ربك قياماً وسجوداً، فهل تؤديه اليوم على أتم وجه؟ أم تستغل به نفودك وتبيع به الوهم للناس؟ هل فكرت يوماً وأنت تتسلم أجرك نهاية كل شهر في كل أولئك الذين تنتهك حرمتهم في الشارع العام فقط لمطالبتهم بوظيفة توفر لهم ربع ما تملك؟

تستوقفني دائماً كلمات محمود درويش، حين تفكر وقارن بين المستضعفين والمكرمين بالنعم في قصيدته "فكر بغيرك"، حينها أمعنت النظر جيداً، ووجدت أننا نعيش اختبارات يومية تحوم حول النعيم، ووحده المؤمن التقي القادر على استيعاب ما مدى ثقل مسؤولية الحصول على نعمة فقدها أو يحلم بها الكثيرون.

وفي الختام.. ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديّ، وأن أعمل صالحاً ترضاه، ربّ وإن سهوت عن شكرك فأيقظني بحكمتك، واجعلني من الفالحين يوم أسأل عن النعيم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد