يعاني المغرب، كغيره من البلدان الإفريقية، من نسبة بطالة عالية في صفوف خريجي التعليم العالي، كما انتشرت البطالة أيضاً في صفوف الدكاترة، وحتى خريجي مدارس الهندسة، إلا أن هذه الأخيرة كانت البطالة بها هي تحصيل لخطأ في التخطيط، وعشوائية في التفكير من طرف بعض المسؤولين في القطاع.
فقبل الألفية الجديدة كان المهندسون في المغرب عملة نادرة؛ حيث كان عدد المهندسين في 1980 لا يتعدى بضع مئات؛ ليتطور بعد ذلك، لكن العدد ظل في النطاق الذي يضمن للمهندسين مكانتهم ووضعهم كأنجح من أنجبت المدارس العمومية والخاصة في المغرب.
لكن ذلك سيتغير مع وضع السطور الأولى في مخطط تكوين عشرة آلاف مهندس سنوياً، الذي رافقه إنشاء مدارس هندسة جديدة في الكثير من المدن المغربية، بعد أن كانت تلك المدارس محصورة في الرباط والدار البيضاء، المخطط جاء بناء على دراسة خلصت إلى أن المغرب، وفي إطار بحثه عن استقطاب الشركات العالمية للاستثمار في المغرب، يحتاج على الأقل إلى 600000 مهندس.
في هذا الإطار ثم إنشاء المدارس الوطنية للعلوم التطبيقية في عدد المدن بشكل تدريجي لتصل إلى 11 مؤسسة اليوم؛ حيث تكون كل سنة ما يقارب من 2000 مهندس مختص سنوياً، مما سيمكن الدولة من الوصول إلى ما تخطط إليه في غضون 10 سنوات.
هذه المدارس مع توالي السنوات أصبحت تسهم في جزء كبير من سوق الشغل، فرغم نسبة المعطلين الكبيرة فإنها أضحت تنافس عدداً من المدارس العتيقة من حيث عدد المنخرطين في السوق، مدارس كانت في الأمس القريب تستحوذ على مناصب أكثر من 90 في المائة من المهندسين؛ حيث كانت نسبة البطالة فيها شبه منعدمة؛ لتصل اليوم مثلاً في المدرسة الحسنية للأشغال العمومية إلى 18 في المائة، و14 في المائة في المدرسة المحمدية للمهندسين، نسب تظل ضئيلة لكنها قياسية في تاريخ هاتين المؤسستين.
وأهم سبب في ارتفاع نسبة البطالة في صفوف خريجي تلك المدارس راجع بالأساس إلى ظهور مدارس جديدة، أهمها المدارس الوطنية للعلوم التطبيقية، مما شكل ضغطاً على مسؤولي القطاع من طرف لوبيات المدارس العريقة؛ حيث ظلت تنتقد مشروع تكوين 10000 مهندس منذ بدايته، إحساساً منها بالخطر المقترن به؛ ليتحول ذلك الانتقاد إلى اعتراض على وجود المدارس الوطنية للعلوم التطبيقية، فمنذ 2010 كثر اللغط داخل النقابات حول هذه المدارس؛ حيث طالب بعض المسؤولين بإيجاد حل للحد من منافسة خريجي المدارس القديمة في سوق الشغل؛ ليظهر في 2016 مشروع قرار يقضي بإدماج المدارس الوطنية للعلوم التطبيقية مع مؤسستين أخريين تحت لواء مدرسة البوليتيكنيك، تحت مبررات براقة، لكن يبقى المبرر الرئيسي هو القضاء على المدارس الوطنية بشكلها المعهود.
مشروع القرار قوبل برفض قاطع من طرف طلبة المدارس الوطنية، فحين كان الوزير المسؤول يراهن على عدم وعي الطلبة وسهولة إقناعهم بجدوى القرار، فوجئ بموجة من الاحتجاجات عمّت وما زالت كل المدن المغربية الحاضنة لتلك المؤسسات، احتجاجات وصلت إلى مقاطعة الدراسة، وتنظيم وقفات لإيصال صوتهم للرأي العام والمنابر الإعلامية، فرغم الظرفية الصعبة في ظل الانتخابات، وتشكيل الحكومة، ما زال الطلبة يثبتون أنهم مصرّون على مدارسهم، رافضون لكل أشكال التضييق والتقزيم التي يتعرضون لها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.