في محاولةٍ منه لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في مصر، الذي يُعيق استقراره نقص السيولة الدولارية، أقدم البنك المركزي على تعويم الجنيه المصري الخميس 4 أكتوبر/تشرين الثاني 2016.
خُفضت قيمة العملة، بشكل مبدئي، بنسبة 32.3% (أي ما يعادل 13 جنيهاً مصرياً لكل دولار). في حين أن السعر السابق الذي ثبته البنك المركزي منذ مارس الماضي كان حوالي 8.8 جنيه مصري لكل دولار.
منذ ذلك الحين، تراجعت قيمة العملة بشكل كبير إلى أن وصل ذلك التراجع لنسبة تصل إلى 50%، وفق ما ذكر موقع ".businessinsider".
في الوقت نفسه، رفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس، وذلك في محاولة منه لتحجيم التضخم المتوقع حدوثه في أعقاب تغير سعر الصرف.
أهم مطالب صندوق النقد
كان خفض قيمة الجنيه المصري أحد أهم المطالب الأساسية لصندوق النقد الدولي من أجل منح مصر قرضاً تصل قيمته إلى 12 مليار دولار على مدار السنوات الـ3 القادمة.
لم يُصدق صندوق النقد الدولي بشكل رسمي حتى الآن على منح مصر ذلك القرض، الذي يُنظر إليه على أنه العامل الحاسم الذي سيساعد الاقتصاد المصري على الاستقرار.
في هذا الصدد، كتب جايسون تافي، الخبير الاقتصادي في شؤون الشرق الأوسط بمركز Capital Economics للاستشارات الاقتصادية "لا شك أن إضعاف الجنيه المصري سيكون له بعض الآثار المؤلمة على المدى القصير".
وأضاف: "من المرجح أن يرتفع معدل التضخم بشكل كبير، وهو ما حدث في أعقاب خفض قيمة الجنيه في مارس الماضي".
ورغم الآثار المؤلمة التي سيُخلِّفها تخفيض العملة على المدى القصير، فإن هذا الخفض في قيمة العملة سيساعد البلاد على المدى الطويل؛ إذ يعتبر عامل جذب وإشارة ترحيب بالمستثمرين الأجانب.
يشرح تافي هذا الأمر بشكل مستفيض ويقول: "من خلال تعويم الجنيه، سيصبح البنك المركزي قادراً تماماً على حلحلة القيود والضوابط المفروضة على سوق صرف العملات الأجنبية، ما سيقلل من مسألة التلاعب التي تحدث في سوق العملة".
وعود السيسي لم تتحقق
واستطرد: "يمكن لخفض قيمة العملة أن يعزز القدرة على التنافس الخارجي ويشجع المستثمرين الأجانب على العودة مجدداً للبلاد".
جميع هذه الأمور من شأنها تعزيز موقف مصر الخارجي على أساس قابل للاستدامة أكثر مما هو عليه الوضع الآن. وإذا ما تم تدعيم هذه الخطوة بالمزيد من الإصلاحات الاقتصادية، فسيدعم ذلك النمو الاقتصادي بشكل كبير.
وفي أعقاب هذا الإعلان، شهدت البورصة المصرية قفزة كبيرة مع ارتفاع مؤشر البورصة الرئيسي في البلاد EGX30 بنسبة وصلت لـ8%. ومنذ ذلك الحين استعادت الأسهم مكاسبها السابقة، ووصلت لنسبة 3.4% اعتباراً من الساعة 1:05 مساءً.
ويعاني الاقتصاد المصري من أزماتٍ عدة منذ الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك عام 2011.
وخلال جولاته الانتخابية، قدم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي موجزاً لخطته الطموحة لتطوير الزراعة والإسكان والتعليم والمناطق الفقيرة، ووعد المصريين بالتحسن الكبير الذي سيشعرون به في مستوى معيشتهم خلال عامين من حكمه. ولكن هذا لم يحدث، إذ واجهت البلاد مشاكل اقتصادية هائلة خلال الأعوام القليلة الماضية، تزامناً من انهيار قطاع السياحة وانخفاض أسعار النفط.
انخفاض عدد السياح
انخفض عدد السياح الوافدين إلى مصر بشكل هائل في أعقاب ثورات الربيع العربي. ومرة أخرى خلال العام الماضي في أعقاب سقوط طائرة الركاب الروسية في شبه جزيرة سيناء، بعد وقت قليل من إقلاعها من مطار شرم الشيخ، يُعد هذا الأمر بمثابة مشكلة هائلة لمصر؛ نظراً لأن قطاع السياحة يعتبر مصدراً رئيسياً للعملة الصعبة في مصر.
وكان للنقص الكبير في العملة الصعبة صدى واسع داخل مصر، البلد الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على الواردات القادمة من الخارج، ويظهر هذا جلياً فيما شهدته البلاد في الآونة الأخيرة من نقص حاد في السكر.
وفي يوم الأربعاء الماضي، ذكرت شبكة "CNN" أن الحكومة المصرية صادرت ما يقارب 9000 طن من السلع الغذائية الأساسية.
علاوة على ذلك، أثَّر انخفاض أسعار النفط بشكل غير مباشر على الاقتصاد المصري. ومع تذبذب النمو الاقتصادي في بعض دول الخليج، لجأت الشركات إلى تسريح العمالة الموجودة لديها، وأغلبها عمالة أجنبية، بينها الكثير من المصريين.
تباطؤ النمو في الخليج أثَّر على اقتصاد مصر
مثَّل هذا الأمر مشكلةً كبيرةً لمصر، التي كانت من أكثر الدول تأثراً بتباطؤ النمو الاقتصادي في الخليج، وذلك لاعتمادها بشكل أساسي على تحويلات المصريين الذين يعملون في الخارج.
وفقاً للبيانات الصادرة عن Capital Economics، انخفض مجموع التحويلات المالية إلى مصر بنسبة 15% حتى مايو الماضي مما أضر كثيراً بالقدرة الاستهلاكية للمصريين.
على أية حال، ورغم التأثيرات الإيجابية لخفض قيمة العملة على المدى الطويل، إلا أن هذا لن يُصلح كل شيء بشكل فوري، إذ لازالت هناك بعض العقبات على المدى القصير وأهمها الارتفاع في معدلات التضخم التي ستلقي بظلالها على البلاد، التي تعتمد بشكل رئيسي على الاستيراد من الخارج.
وفي هذا السياق توقع بعض المحللين من شركة BMI Research أن معدلات التضخم ستصل إلى 30% بنهاية عام 2016 بعد أن كانت 14.1% في سبتمبر الماضي.
وقد عقب فريق المحللين من شركة BMI Research بالآتي " حتى ومع انخفاض معدلات صرف الجنية المصري، لا تزال مصر بعيدة عن المنافسة وجذب المستثمرين في العديد من المجالات بالمقارنة مع المغرب وأوروبا الشرقية"
وجاء في التقرير أيضاً أنه من المٌنتظر أن يساهم قانون الاستثمار الجديد المتوقع صدوره عام 2017 في تحسين الوضع، ولكن لازالت هناك حالة من الضبابية حول هذا الأمر.
ذكر التقرير أيضاً بعض النقاط الهامة كالتضخم الهائل والاستقرار الاجتماعي باعتبارهما أحد أهم التحديات الرئيسية التي ستغطي على الآثار الإيجابية لسعر الصرف الجديد.
ومع أن خفض قيمة العملة يعد شيئاً إيجابياً ويُنظر إليه باعتباره خطوة هامة لصالح الاقتصاد المصري على المدى الطويل، إلا أنه ليس هناك علاجاً شافياً للوعكة التي يمر بها الاقتصاد المصري.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع businessinsider. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.