انتقلت عبارات التعصب والتحرش والكراهية من العالم الفعلي إلى العالم الافتراضي. ولكي ينجح الواقع الافتراضي، لا بد أن يتعامل مع هذه القضية منذ البداية.
يرى خبراء التكنولوجيا أنه لن يمضي وقت طويل حتى نقضي جميعاً إجازاتنا في الواقع الافتراضي.
التسكع مع الأصدقاء في مخيمات الواقع الافتراضي
سوف نتوقف عن الانتقال من مكان إلى آخر ونعقد اجتماعاتنا في مكاتب الواقع الافتراضي. وسوف نتسكع مع أصدقائنا في مخيمات الواقع الافتراضي أو نحضر حفلات في ذاك الواقع الافتراضي. وخلال هذه العملية أو في أثناء حضور مباريات كرة القدم، يمكننا أن نتعرض لمخاطر التحرش الجنسي أيضاً.
في 20 أكتوبر/تشرين الأول، كتبت غوردان بيلامير (اسم مستعار) تصف أنه بينما كانت تلعب إحدى ألعاب الواقع الافتراضي مؤخراً، قام لاعب آخر بلمس فخذيها. فقد سمع صوتها واستنتج أنها امرأة وقرر أن يفعل ما فعله، بحسب ما ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية.
تحرش في الواقع الافتراضي
وسط غموض الواقع الافتراضي، كان مثل ذلك الانتهاك يبدو واقعياً ومزعجاً للغاية. ووصفته بيلامير بأنه اعتداء جنسي. فقد تعرضت لاعتداء جنسي في الحياة الفعلية من قبل، وكانت التجربة مماثلة.
مع انتشار روايتها عبر تويتر، اعتبر بعض الغرباء أنها تبالغ في رد الفعل. وقال البعض إنه يتعين أن تتوقف عن الشكوى بشأن شيء ما حدث في أحد ألعاب الحاسب الآلي؛ "لا يمكنك الاعتداء جنسياً على شخص في الواقع الافتراضي! فهو أمر غير واقعي تماماً!". وكانت الانتقادات شديدة اللهجة حتى إن بيلامير قررت إغلاق حسابها على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي.
هل يمكن أن تتعرض للاعتداء الجنسي في الواقع الافتراضي؟ وهل يمكن القيام بشيء للحيلولة دون حدوث ذلك؟ هذه بعض التساؤلات الملحة التي سوف نواجهها نحن جمهور العامة وخبراء التكنولوجيا والمستثمرون مع تنامي فكرة الواقع الافتراضي.
هناك تنامي بالفعل في مجال الواقع الافتراضي. وحسب مؤسسة Digi-Capital، كانت هناك استثمارات في مجال الواقع الافتراضي تبلغ قيمتها 1.7 مليار دولار خلال الشهور الاثني عشر الماضية حتى الربع الأول من عام 2016. وترى مجموعة Goldman Sachs أنه بحلول عام 2025، يمكن أن يصل إجمالي استثمارات صناعة الواقع الافتراضي إلى 80 مليار دولار.
تساؤل أخلاقي رئيسي
لفهم أهمية الواقع الافتراضي في مستقبلنا، لا تحتاج إلى التفكير فيه باعتباره صناعة، أو واجهة وسيطة، ووسيلة جديدة للتفاعل مع العالم. فقد انتقلنا من التعامل مع أجهزة الحاسب المكتبية إلى أجهزة الهاتف الجوال الذكية. وتتمثل الخطوة التالية في الانتقال إلى الواقع الافتراضي، وقد يكون من الصعب فهم ذلك حالياً: فلا يزال الواقع الافتراضي في مهده ويمكن ببساطة التخلص منه. ورغم ذلك، ومع تطور التكنولوجيا، فإن إمكانات الواقع الافتراضي هائلة ويمكن أن تغير من اقتصادياتنا ووسائل إعلامنا وأسلوب حياتنا.
غموض الواقع الافتراضي هو ما يثير اهتمام الناس به. فالواقع الافتراضي لا يمنحك الفرصة للتواجد بأماكن أخرى فحسب؛ بل يجعلك تضع نفسك مكان الآخرين، وغالباً ما يتم وصفه باعتباره "آلة تقمص شخصيات الآخرين".
وذكر جيريمي بيلنسون، مدير معمل التفاعل البشري الافتراضي بجامعة ستانفورد، أن "الشعور بالانحياز عند التواجد محل شخص آخر هو الهدف من الواقع الافتراضي". وتسعى المؤسسات الخيرية وراء الواقع الافتراضي كي تجعل الناس يدركون مشاعر اللاجئين. وتستخدم مؤسسة NFL الواقع الافتراضي من أجل التدريب على التنوع. ومن ثم، فإن إمكانات الواقع الافتراضي هائلة في مجال الأعمال الخيرية. ومع ذلك، ووفقاً لما تشير إليه تجربة بيلامير، فإن للواقع الافتراضي قدرة على إلحاق الأذى بالآخرين، حينما نفكر في التحرش الذي تتعرض له النساء والأقليات عبر شبكة الإنترنت في عالم اليوم.
ولنفكر الآن في الواقع الافتراضي. فإذا لم نتوخَّ الحذر، يمكن أن ينتهي بنا الأمر إلى المبالغة في أوجه الانقسام وانعدام المساواة في العالم الفعلي من خلال الواقع الافتراضي. ويمكننا، على سبيل المثال، أن نجعل من الواقع الافتراضي منطقة محظورة على غير البيض والملونين والزنوج.
وإذا كنا نريد أن يكون للواقع الافتراضي تأثير إيجابي على واقعنا الفعلي، فلا بد أن نبدأ في العمل على ذلك من الآن، وأن نتوقع إمكانات التحرش والتمييز في الواقع الافتراضي ونعمل على التوصل إلى سبل لمنعها. ويجب أن نتجنب الأخطاء التي تم اقترافها عند تطوير شبكات وسائل التواصل الاجتماعي.
وتتمثل أهم سبل تحقيق ذلك في ضمان أن يكون مطورو تكنولوجيا الواقع الافتراضي ومضمونه قادمين من خلفيات متنوعة. وعلى أي حال، فإن الإنجازات التي يحققها الواقع الافتراضي تتوقف على أسلوب تطويرنا له.
وتذكر خبيرة التكنولوجيا أميليا وينجر بيرسكين أننا قد وصلنا إلى نقطة تحول في مجال الواقع الافتراضي، "حيث سيتغير أسلوب تفاعلنا الحسابي مع العالم. وما لم يكن لدينا أشخاص متنوعو الخلفيات في بداية الحوار، فإننا نزيد من تلك الهوة بين أولئك القادرين على المشاركة في ذلك الحوار وغيرهم من غير القادرين عليه".
خطأ في المصفوفة
يعد التنوع خطأً يسعى العاملون في "سيليكون فالي"، ومعظمهم من الرجال البيض، إلى إصلاحه منذ سنوات عديدة دون تحقيق أي نجاحات حتى الآن. في محاولة للدفاع عن نفسها، غالباً ما تركز شركات التكنولوجيا على مشكلة عدم وجود مهارات فعلية بين مجتمعات الأقليات من أجل الاستعانة بها في المقام الأول.
مع ذلك، ليس هناك عذر أمامهم فيما يتعلق بالواقع الافتراضي. نظراً لأن الواقع الافتراضي لا يزال في مراحله الأولى، فإنه يظل ميداناً مفتوحاً فيما يتعلق بمن يستطيع اقتحامه. وقد سنحت لنا الفرصة لإصلاح ذلك منذ البداية. وإحقاقاً للحق، فإن شركات التكنولوجيا تسعى لتحقيق ذلك.
في وقت سابق من هذا العام، أعلنت شركة Oculus، المالكة لموقع فيسبوك، عن برنامج متنوع يدعى Launch Pad أو منصة الإطلاق لجذب جهود التطوير. وقد تم اختيار "وينجر بيرسكين" لتكون واحدة بين 100 تقريباً من مستخدمي منصة لإطلاق المشاركين في مركز تدريب الواقع الافتراضي في مايو/أيار. ومنذ ذلك الحين، تقوم شركة Oculus بتدريبهم من خلال منتديات الإنترنت وسوف تعلن عن مِنح لبعض المختارين من بينهم خلال الأسبوعين المقبلين.
وفضلاً عن الكثير من حالات التسمم الغذائي التي أصيب بها عدد كبير من الزملاء الذين قاءوا في حمامات الفيسبوك خلال المعسكر التدريبي، وفقاً لما ذكره أحد المشاركين، بدا أن الأمور كانت تسير على ما يرام في إطار برنامج منصة الإطلاق. وامتدح العديد من المشاركين البرنامج كمثال حول الأسلوب الذي يتعين أن يتعامل به "سيليكون فالي" مع قضية التنوع. ويمكن أن تبدو برامج التنوع في الأغلب ظاهرية أو رمزية، ولكن منصة الإطلاق "لا تبدو كمؤسسة خيرية"، حسب ما ذكره إليا دارك – أحد المشاركين في المركز التدريبي.
"شعرنا كما لو كان لدينا كل هذه التساؤلات حول الواقع الافتراضي ونحتاج إلى أكبر عدد من الأشخاص القادرين على حل تلك القضايا. وشعرنا بأنهم يدركون قيمة التنوع في المساعدة على التوصل إلى أفكار جديدة".
في 22 سبتمبر/أيلول، وصلت أنباء حول قيام بالمر لاكي، مؤسس شركة Oculus، بتمويل مؤسسة تابعة لترامب تدعى Nimble America سراً، وهي منظمة غامضة (قامت مؤخراً بمحو اسمها من على شبكة الإنترنت) تسعى وراء إنجاح ترامب في الانتخابات.
يتضمن ذلك أعداداً كبيرة من الأشخاص يشاركون في الحوارات عبر شبكة الإنترنت. وتتمثل الفكرة في عرقلة المحادثات وإجبار الناس على عدم التحدث، وذلك يتناقض مع الإنترنت المفتوح ومع تقمص الشخصيات.
الرد على الثقافة الرجعية
يثير لاكي إعجاب الكثيرين في مجتمع الواقع الافتراضي. فهو عبقري قام بتطوير سماعة رائعة للواقع الافتراضي بمنزل والديه ثم باعها إلى موقع فيسبوك مقابل مليار دولار عام 2014. ويعد لاكي واحداً من الأشخاص الأوسع نفوذاً في مجال الواقع الافتراضي ولم يتجاوز عمره 24 عاماً.
وذكر بعض المطورين أنهم سوف يقاطعون شركة Oculus كمنصة تطوير. وبدأ عدد من شركاء التنوع في التساؤل حول مدى جدية الشركة في التعامل مع التنوع.
ولم ينجح الأمر فور الخبر الذي أعلنه لاكي، حينما أرسلت إيمي ثولب، مديرة برنامج التنوع بالشركة، بريداً إلكترونياً إلى المشاركين في منصة الإطلاق لتخبرهم بأنها ستترك الشركة. وحلت إيبوني باي، التي قضت عامين بشركة Oculus مساعدة تنفيذية، محل إيمي ثول. وليس واضحاً ما إذا كان الأمر له علاقة بلاكي. ولم تجب ثول أو باي على العديد من طلبات الإدلاء بالتعليق. وبعد ذلك مباشرة، أعلنت شركة Oculus أيضاً أنها ترجئ الإعلان عن منحة منصة الإطلاق وشعر المشاركون بالإحباط جراء عدم اتصال الشركة بهم منذ ذلك الحين.
وبدأ بعض المشاركين ببرنامج التنوع التساؤل عما إذا كان من المناسب أن يحصلوا على الأموال من شركة Oculus، ولم تكن دارك أحد هؤلاء. وأخبرتني عبر سكايب: "كانت إجابتي أن الحصول على المال من الرجال البيض ذوي النفوذ والذين لا أتفق معهم يسعدني. لا أعتقد أن المهمشين يجب أن ينكروا على أنفسهم تلك الفرص بسبب حماقة ارتكبها شاب أبيض".
ومع ذلك، تتمثل المشكلة فيما إذا كان سينتهي الأمر بالمهمشين بالحرمان من الفرص بسبب فعل اقترفه رجل أبيض.
وأخبرتني جيريس ميلر، واحدة من أكبر المشاركين بالبرنامج سناً، بأنها تعتقد أن أفعال لاكي "كانت بمثابة سابقة تجعل من كراهية النساء والتمييز على أساس الجنس والعنصرية والعنصرية الضمنية أموراً لا بأس بها". وقد كان لذلك نتائج فعلية على ثقافة العمل في مجال التكنولوجيا التي لها تأثير قوي على التنوع والواقع الافتراضي. "يمثل ابتكار ثقافة مؤيدة للمرأة بمثابة تحدٍ حقيقي. إنه أمر صعب. وهناك أخلاقيات وأساليب تربط ذلك في العديد من الحالات بما تتعرض له المرأة والأقليات من آلام".
وبالطبع، فإن لاكي رجل واحد. وبينما يبدو أنه لا يزال يعمل بشركة Oculus (لم يستجب فيسبوك أو Oculus لطلبات التعليق مراراً وتكراراً)، فهو لا يمثل بالضرورة قيم الشركة، كما أوضح لاكي خلال اعتذاره الذي نشره بعد انتشار ذلك الخبر.
وعلاوة على ذلك، أعلنت شركة Oculus (بالتالي فيسبوك) خلال مؤتمر المطورين في وقت سابق من هذا الشهر أنها ستنفق 10 مليارات دولار لتمويل برامج التنوع من أجل الواقع الافتراضي.
ومع ذلك، ففي الوقت الذي ينفق به فيسبوك المال على برامج التنوع ويبتعد عن لاكي، وجد أنه يتعامل مع الدعم الذي يقدمه بيتر ثيل إلى ترامب. وكان ثيل، أحد أعضاء مجلس إدارة فيسبوك من ذوي النفوذ، قد منح المرشح الرئاسي الجمهوري 1.25 مليون دولار مؤخراً. وجاءت هذه المنحة في أعقاب العديد من مزاعم الاعتداءات الجنسية التي جاءت بحق المرشح، وفسرها البعض باعتبارها حصاراً لأفعال ترامب.
ووقف مارك زوكربيرغ في صف ثيل ودافع عن المنحة التي قدمها ثيل في أحد التعليقات الداخلية على موقع فيسبوك، واعتبرها تتعلق بقضية التنوع. وذكر أن تنوع وجهات النظر يحظى بنفس أهمية تنوع الخلفيات الثقافية.
وتعود إعادة صياغة زوكربيرغ لمصطلح التنوع بمثابة سفسطة مقلقة. ويحق لكل شخص أن يكون له وجهة نظر بالطبع. ومع ذلك، لا يمتلك الناس الموارد والسلطة والنفوذ التي يحظى بها أمثال ثيل ولاكي.
هؤلاء هم الأشخاص الذين يتربعون على عرش بناء البنية التحية للغد، والذين يستفيدون من التكنولوجيا في خلق عالم افتراضي يروق لهم. وإذا ما خسر ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني، قد يبني أتباعه بديلاً له في العالم الافتراضي. وسيكون لذلك تأثير علينا جميعاً.
- هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.