في ظل الظروف الصعبة والأوضاع التعِسة التي يعيشها العالم العربي اليوم للأسف الضحية الأولى هي من ليس له ذنب إطلاقاً في كل ما يحدث وهو الطفل، الشخص الوحيد الذي ليس له ذنب في كل ما يحصل من قذارات في هذا العالم، فلماذا لا يتحمل الكبار نتيجة أخطائهم دون إشراك الأطفال في هذه الفظاعة التي تحصل؟
ينضج الطفل العربي قبل بلوغه مرحلة النضج بسبب كل ما يحدث فالحياة التي يعيشها الطفل العربي بسبب الأحداث المحيطة به تجبره على أن يقتل طفولته بنفسه قبل أن يفعل الآخرون ذلك ليستطيع الاستمرار في هذه الحياة!
ماذا يختلف أطفالنا عن باقي أطفال العالم؟ لماذا لا يحظون بحياة آمنة، منزل دافئ، تعليم جيد، وطعام يشبع البطون؟
فكم من المشاعر والمواقف يمر بها الطفل العربي وهو لا يستحق ذلك؟ الموت، الخوف، الجوع، الغرق، البرد، التسول، الضياع، اللجوء، اليتم والفقر! مشاعر حتى الكبار لا يستطيعون تحملها فكيف لهذا الطفل أن يعيش طفولته البريئة مع كل هذه المشاعر غير البريئة؟
نحن لا نصنع المستقبل، نحن فقط نقوم بتمهيد الطريق لأطفالنا ليقوموا هم بصنعه، والآن نحن لا نقوم إلا بهدم الطريق؛ لكي لا يصل الأطفال إلى المستقبل، فكيف سيصل هؤلاء الأطفال وهم لا يجدون السبل الأساسية لذلك؟
في العام الماضي أعطت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الأطفال "اليونيسيف" رقم 13 مليون طفل عربي خارج التعليم، بسبب النزاعات والفقر في المنطقة، أي 40% من أطفال العالم العربي!
نحن لا نتحدث عن طفل ولا عشرة ولا مائة ولا مائة ألف، نحن نتحدث عن ثلاثة عشر مليون طفل، أي رقم ضخم وخيالي! فنحن لا نملك حلماً واحداً ضائعاً، بل نملك 13 مليون حلم عربي ضائع، فأحلام العرب لن تتحقق، بل أحلام العرب تصبح مستحيلة يوماً بعد يوم.
فهذه الظروف تضمن لنا مستقبلاً أسود من غير ألوان، فلو كنا حقاً نؤمن بنظرية المؤامرة، فلنؤمن بأن ما يحصل هو مؤامرة ضد أطفالنا ومستقبلنا، فعدم تلقي هذا العدد الكبير من الأطفال للعلم هو ضمان للعالم بأننا لن نتطور حتى مئات السنين!
من الممكن إصلاح ما هدمته الحرب من مدن ومنازل، ولكن من الصعب إصلاح ما هدمته الحرب في داخل الطفل، فمن سيعيد لهم طفولتهم، وهي المرحلة الأساسية في تكوين أي إنسان؟ الأرض ستعود، والمنزل سيعود، ولكن الطفولة عندما تذهب لن تعود أبداً.
فما هو الجيل الناتج؟ جيل نشأ في ظروف معيشية تعيسة، والأسوأ من ذلك أنه نشأ من غير تعليم! وللأسف هؤلاء الأطفال الذين لا يتلقون التعليم هم الأطفال الذين عليهم إعادة بناء بلادهم التي تدمرت بسبب الحروب، فكيف سيعيدون بناءها من غير مهندسين ومن غير معلمين ومن غير أطباء؟!
من الممكن أن يكون كلامي غير صحيح، فمن الممكن أن يكون هؤلاء الأطفال قد تلقوا أهم الدروس في الحياة، وهو القدرة على العيش والاستمرار في هذه الحياة، وهذه الظروف الصعبة، والعيش بفترة عمرية أضعاف أعمارهم، وهم ما زالوا أطفالاً، أنا أحترم هؤلاء الأطفال الصامدين الذين عاشوا أسوأ وأبشع ما في هذه الحياة، وهم ما زالوا في بداية حياتهم.
كما اعتدنا في مجتمعاتنا فالضحية دائماً تكون الشخص الأضعف الموجود في المكان، ولم نجد أضعف من الطفل؛ ليكون هو الضحية في هذه الأحداث، ولكن قد أثبت لنا الطفل العربي أنه الأقوى حين استطاع الاستمرار في هذه الحياة، على الرغم من كل العقبات التي لم نستطِع أن نتخطاها نحن
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.