عن الحزن ذيل بها الشاعر السوري الكبير نزار قباني قصيدته "مدرسة الحب"، تلك القصيدة التي سمعناها من كاظم، أيام المراهقة الأولى، ولم نكن نعلم أنها لنزار حتى درسناها في شعر الغزل أيام الثانوية.. ولم أكن أدري آنذاك ما علاقة الحب بالحزن، أو الحزن بالحب، حتى يجمعهما نزار في قصيدته؟ ولم أكن أدري أيضاً كيف لحب امرأة أن يعلم الإنسان الألم، أن يسافر به إلى مدن الأحزان؟! ولكني اليوم عن الحلم أكتبها لكَ أيها الإنسان.. مُختزلة تجارب في مدرسة الحياة.. نعم فقد علمتني الحياة أنَّ الإنسان بلا حلم ذكرى إنسان!
تحدث كثير من العلماء والإخصائيين عن الأحلام خلال النوم وحاولوا تفسير ماهيتها ودورها في حياة الإنسان، ومنهم من حصر الأحلام في البعد النفسي، كالطبيب الفيلسوف سيغموند فرويد الذي وجّه الانتباه إلى وظيفة الحلم كوسيلة لإشباع الدوافع اللاشعورية، مضيفاً في كتابه "تفسير الأحلام": "إن وظيفة الحلم الرئيسية هي استمرار النوم وحمايته".. ومنهم من قسم الأحلام في المنام إلى أحلام الاكتئاب وأحلام الحزن وأحلام السعادة.. إلخ حسب الحالة النفسية للنائم، والكثير الكثير قيل وكتب عن أحلام النوم.
أما ما يهمني في موضوعي فهي أحلام اليقظة، تلك الآمال التي يبني عليها الشخص أهدافه وخططه؛ حيث تحدَّث عنها أكثر المبدعين في العالم من توجهات مختلفة وتخصصات شتى، فلولا الأحلام لضاقت الحياة، ولولا الآمال لغاب الطموح، ولقلت الإنجازات، وقديماً قال الشاعر أبو إسماعيل الطغرائي في "لامية العجم" بيته المشهور:
أعلل النفس بالآمال أرقبها ** ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
ويرى أنتوني روبنز أن أي إنجاز في حياتنا لا بد أن يكون حلماً في البداية؛ إذ يقول: "إن على كل واحد منا أن يستغرق في الأحلام كل يوم لمدة قصيرة قد تكون لحظات معدودة، وبعد ذلك يمكنه أن يتخذ قراراً بسيطاً يكون هو خطوة البداية نحو تحقيق الحلم أو الهدف الكبير الذي يسعى إليه"، كما يقول أنيس منصور أيضاً: "إن نجاحك يعتمد على أحلامك، ليست الأحلام التي تراها في نومك، وإنما التي في اليقظة".
ومن الأهمية بمكان أن يكون الإنسان طموحاً كي يحلم، فالطموح لتحقيق أشياء جديدة، والسعي إلى مستوى أفضل في مختلف جوانب الحياة يجعل الشخص يطلق عقله للخيال والأحلام، وأشير هنا إلى أهمية القراءة في بناء الأحلام، كما قال بيل غيتس: "كان عندي الكثير من الأحلام عندما كنت صغيراً، وأعتقد أن هذا مرده بقدر كبير إلى كوني كنت أقرأ كثيراً"، فبالقراءة تتسع المدارك، وكلما اتسع الإدراك لدى الفرد كبر خياله، وبقدر ما يكبر الخيال تتسع بؤرة الرؤية، وتثمر بذلك أحلاماً منقطعة النظير.
تعتبر قوة الأحلام أيضاً من الطرق الإبداعية في التفكير؛ إذ بالأحلام يمكن للإنسان أن يفكر بطرق مختلفة، وينتج حلولاً خلاقة، ونماذج ابتكارية، إما لحل مشكلة معينة واقعية أو لتلبية حاجة مستقبلية، فلولا الأحلام لما فكر عباس بن فرناس بالطيران، ولما ابتكرت الغواصة، ولما رأينا اليوم الإنسان الطائر، والكثير من الابتكارات العلمية والتقنية.
ويبدو أن بعض الأحلام تستمر مع الزمن، وقد تتوالد لتنتج خيالاً أوسع، فمثلاً فكرة الطيران كانت لعباس بن فرناس الذي حاول ولم يفلح، لكنه أهدى حلمه للأخوين "رايت" اللذين طورا الفكرة وحولاها إلى واقع يحلق في السماء، وفي الأدب انتقلنا من شخصية المحقق "شارلوك هولمز" الخيالية التي ابتكرها الروائي الأسكوتلندي آرثر كونان دويل في قصصه المشهورة في الأدب البوليسي إلى شخصية المحقق كونان كبطل فيلم الكارتون الياباني الشهير الذي لا تنتهي حلقاته.
كما أن من الأحلام ما يرسم البسمة ويصنع الثروة، فكلنا نعرف والت ديزني كشخصية عالمية قامت فلسفة حياتها على إسعاد الآخرين، ورسم الابتسامة على وجوه الصغار والكبار، من خلال بنائه لمملكة "ميكي ماوس" التي كما يقول الكثير من مختلف الأجيال جعلت العالم مكاناً أفضل.. فقد شكل "ديزني" أثراً بارزاً على الفن العالمي، وكان مبتكراً ويمتلك أكبر المخيلات الخصبة التي عرفها العالم، وقد حصل على أكثر من 950 جائزة من جميع الأقطار.
يقال إن الأعمى لا يرى الأحلام، فأنت أيضاً أيها الإنسان لا تكن أعمى، وافتح عينيك؛ لتنظر بعيداً إلى الأفق، انظر إلى الحياة وسعتها وشساعة الفرص فيها، ولا تكتف بالنظر إلى أرنبة أنفك.. احلم بأشياء عظيمة ولا تجعل مخيلتك تخذلك، واخجل من أحلامك فقط إن كانت تافهة كأن تحلم بوظيفة تضمن لك راتباً تقاعدياً! وإلا فلا فرق بينك وبين من هم فوقك أو من هم دونك من الناحية الاجتماعية، فأحلام الذين ينامون على الريش ليست أجمل من أحلام الذين ينامون على الأرض، كما يقول جبران خليل.
حتماً ستواجهك تحديات، وقد تتعرض لمضايقات ومن يخيب آمالك، أو قد تشعر بالفتور أحياناً.. لكن لا تستسلم وحول كل تحد إلى درجة من درجات سلم نجاحك، وجدد طاقتك بإعادة ترتيب أحلامك.. وقُم بالأمر على طريقة درويش: "قف على ناصية الحلم وقاتل"، واستثمر وقتك وجهدك في تحقيق آمالك وبلوغ أهدافك، وإلا ستكون ذكرى لا غير.
وفي نظر الروائي البرازيلي باولو كويلو: "لا يستطيع الإنسان مطلقاً أن يتوقف عن الحلم، الحلم غذاء الروح كما أن الأطعمة غذاء الجسم.. نرى غالباً خلال وجودنا أحلامنا تخيب، ورغباتنا تحبط، لكن يجب الاستمرار في الحلم وإلا ماتت الروح فينا".
لذلك، تمسك بأحلامك، واحتفظ بها في قلبك فقد تنمو يوماً وتُزهر، ولا تلتفت إلى الوراء.. إلى من عملهم الوقوف وراء تبخر أحلام ومشاريع الشباب.. لا تخف من المسافة بين الحلم والواقع فبما أن لديك القدرة على الحلم فأنت قادر على تحقيقه، واتبع وصية ستيف جوبز حين خاطب رواد الأعمال قائلاً: "لا تدع ضجيج آراء الآخرين يحجب صوتك الداخلي".. كما ينصحك والت ديزني بقوله: "ستتحقق كل أحلامك إذا كنت تملك الشجاعة لمطاردتها".
أما حكاية أوطاننا مع الأحلام فهي حكاية أرض وشمس، فكما يمكن أن تكون الشمس نوراً تنير أحلامنا يمكن كذلك أن تكون ناراً تذيبها، فلا يكفي أن تشرق الشمس في أوطاننا، لكن ينبغي أن تبتعد القدر الكافي لتنير طريقنا وتترك أحلامنا تعيش.. فكم من شمس أشرقت في الوطن العربي وأحرقت أحلاماً باقترابها منها أكثر من اللازم.. فنرجو من بلداننا العربية أن تدعنا نحلم بسلام دون رقابة على أحلامنا، فقد قال الأديب عبد الرحمن منيف يوماً: "الحلم هو الشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن يمارسه دون رقابة أحد"، فنتمنى أن يبقى كذلك!
– وقد سألني صديق ذات يوم: أتحلم وأنت نائم؟
.
– أجبته: حاولت مراراً أن أنام لأعيش أحلامي كما يعيشها النائمون، لكن أحلامي الحية لم تتركني أجد في النوم حياة، فغالباً ما أحلم خارج غرفة النوم!
واعذروني فحلمي ليس حكاية لأرويه لكم، لكن أرويه لنفسي ريّاً وأسقيه بماء الأمل سقياً.. فقد أصبحت موقناً أن الإنسان بلا حلم ذكرى إنسان!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.