بدايةً، هذا ليس مقالاً يعيد إلى ذهنك النكات الإباحية التي سمعتها طوال حياتك، وليس مقال "+18″، إنني فقط أحاول استعادة وتحليل فترة من حياتي، أحسبها نقية ومليئة بالمميزات الفطرية، وأتمنى أن تجد صدى وذكرى في نفوسكم.
أول نكتة إباحية أسمعها
أقسم عمري كالتاريخ مُسجلاً وغير مُسجل، المُسجل بالطبع هو المحفوظ في الذاكرة، ومن تاريخي المسجل أسترجع أول نكتة إباحية سمعتها، كنت في الصف الخامس الابتدائي، وقالها لنا جار يصغرني بسنة، انتهت نكتته فضحك الجميع، فضحكت معهم بغير فهم، الغريب أني لم أتضايق أني لم أفهم، وأنا الذي أمقت ذلك، وليس ذلك لأنني عندما سأكبر سأعرف؛ لأني لا أطيق هذه الجملة، الأمر كان أشبه بحكمة فطنتها مبكراً، في وقت كانت فيه أفعالي كلها طائشة تافهة.
"ما لا تعلمه لا يضرك الظلام مفيد". أحمد خالد توفيق
كانت هذه قاعدتي التي أمشي عليها بصدد هذا الأمر، أنت لا تعرف فأنت في أمان من هذا الذي يحكون عنه، بحلوه ومرّه، غير بالطبع الإدمان الذي يتحدثون عنه مراراً وتكراراً، أنت تعرف أن المفتاح يجب أن يدخل في المزلاج، لكن لا تعرف كيف تديره.
كنت أسمع الكثيرين من الأصدقاء في مباريات كرة القدم عندما يتعبون مبكراً، أو يبلون غير حسنٍ في اللعب، يلعنون هذه العادة التي لا أعرفها، لاعتقادهم أنها تضعف النظر وتؤثر في الركبتين، وهو خطأ علمي شائع بالمناسبة، وعندما يستفيضون في هذا الأمر أسمع بغير اهتمام.
عرفت هذا العالم الذي يتحدثون عنه متأخراً كثيراً عنهم، وهذا من حُسن حظي وتعقلي الذي أندهش منه حتى الآن، وبهذا ودعت الجزء الأكبر في حياتي من الفطرة وطيب الخيال ونقائه.
في هذه الفترة كانت الفتيات بالنسبة لي مثلنا تماماً، الفرق أننا نتزوجهن آخر الأمر، لا أكثر ولا أقل، لا أريد أن أتكلم عما بعد هذه الفترة، ليس خجلاً إنما لصعوبة الفصل بين بعض التفاصيل والشرح لإظهار أسباب مشكلات هذه الفترة، ربما أكملها في مقال آخر، فأحبذ أن يكون هذا المقال للجميع، تحديداً لمن ما زالوا في نقطة ما قبل المعرفة الجنسية.
ولنجعل كلامنا الآن عن بعض التفشيات اللاأخلاقية في المجتمع بشأن ذلك الصدد.
الإفيهات الجنسية
من أكثر الأشياء انتشاراً في كلامنا بهذه الفترة هي الإفيهات ذات الإيحاء الجنسي، وهي في حقيقة الأمر مضحكة جداً، لكن عندما تزيد عن حدها تصيبني بالغثيان، أسوأ شيء في هذا الموضوع أنه أفسد الكلام العادي والتلقائي، فأصبح كل شيء يقبل السفالة؛ لأن السفالة صدرها رحب يسع الجميع.
المميز حقاً في هذه الفترة -المميز بمعنى المختلف ليس رائعاً- أن الجميع في الجلسات والتجمعات أصبحوا يتنافسون على تحوير الحديث العادي لإسقاطه جنسياً، تعالَ يا أستاذ، تعالي يا هانم لدينا في حديثنا اليوم الكثير من الكلمات للتحوير، لدينا كلمتا "خد وهات" المفضلتان، و"عايز فين" الشهيرة، وبعض الأطباق الجانبية مثل "يركب وعشرة وشمال"، سارع بإلقاء الإفيه، وإلا ألقاه غيرك ليحصد الضحكات وقلوب العذراوات.
وبالذات عند قلوب العذراوات يصل هذا التنافس إلى الذروة، فيحمر وجههن لا أدري خجلاً أم من كثرة الضحك.
مع تراجع النكات الخفيفة التي تسرق منك ضحكة رائعة بالفعل، ملأ هذا الفراغ السخرية الفجة من الأشخاص، والإيحاءات الجنسية الفذة، وأنا كتبت "فذة" بمعنى مبتكرة أو ممتازة، لم أخطئ ولم أقصد "فظة" بمعنى وقحة؛ لأنه بالفعل كلما زاد ابتكار الوقاحة أصبحت الضحكات أكثر ومنتشرة مثل أغنية زيزو:
Zizo song
أول ما سمعت هذه الأغنية انفجرت ضحكاً وشاركته أيضاً على الفيس، لكن كنت أعرف في قرارة نفسي أن ذلك خطأ مثلما تضحك على عجوز وقع في الطريق بشكل مُضحك، قد تضحك لكن تعرف أن ذلك خطأ، لا تكذب على نفسك ولا تبرر، ضع الأمور في نصابها ما حدث مُضحك وخطأ في آن واحد.
لكن اندهشت كثيراً ليس من عدد الناس المعجبة والضاحكة على الأغنية، فأنا مثلهم في الحقيقة، ولا حتى من الفتيات اللاتي ينشرن شيئاً يُسقط على أعضائهن الجنسية، بل من الهجوم على الأشخاص الذين ينكرون ذلك، ويقولون هذا عيب أو لا يصح، وهم محقون بالطبع.
كان الهجوم عليهم شديداً، وأنا الذي توقعت أن الشعب الذي لا يقبل الوقاحة سيكون في صف الإنكار، لكن الأغلب بالفعل كانوا يرون ذلك هو الفن الحقيقي للكوميديا، ومن لا يعجبه فهو متخلف رجعي.
يمكن أكثر الانتقادات التي لفتت انتباهي أن أحداً رد قائلاً لمنتقد الأغنية: "إن لم تعجبك فاذهب لصفحة مهذبون".
لا أعرف ما أصاب القوم في هذه اللحظة، الأمور سوداء أو بيضاء، هذا مضحك وكفى، هذا عيب وكفى، في الحقيقة هما الاثنان معاً، يمكنني أن أسخر من شخص أعمى بطريقة فجة ومضحكة للغاية، فهو فج ومضحك يا سيدي.
أذكر منذ سنين قليلة صاحت حملات لإبعاد ازدواجية نظرة المجتمع للفعل السيئ عندما تفعله الفتيات، مثل التدخين والسباب، فنحن لا يجب أن ننظر للفتاة عندما تشتم على أنها عاهرة، وننظر للرجل بنفس الفعل على أنه حِمش، فيجب على كلا الجنسين ألا يشتما، ويكف المجتمع عن إلقاء أحكام سطحية أو يكف إطلاقاً عنها.
لكن أصبح واضحاً الآن أن هذه الحملات جاءت بنتيجة عكسية، أن الفتيات أصبحن يشتمن تحت دعوى الحرية، وكما يفعل الرجال، يا قوم، لقد جئنا لنوقف الشتائم في مجتمعنا لا لنزيد عدد الشاتمين.
آخر القول: إن ما نعيشه الآن من انحلال أخلاقي يزيد يوماً بعد يوم تحت مسميات عدة، وأنا هنا لا أضع حلولاً، كما قُلتُ لكَ في مهد المقال أحاول فقط أن أسترجع فترة ما في حياتي، فلا يعني سوى الاشتياق، أشتاق للزمن الذي لا أفهم فيه كل تلك السفالة والوقاحة، عندما لم أفهم النكات الإباحية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.