نصف عدد اللاجئين السوريين باليابان من أسرة واحدة.. تعرف على حياتهم الفريدة

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/27 الساعة 07:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/27 الساعة 07:48 بتوقيت غرينتش

تبدو القصة حزينة مألوفة. تقرر عائلة أن تظل في سوريا وتصمد أمام حربها ريثما يستكمل الأطفال تعليمهم، ولكن فجأة يقصف المنزل بقذيفة.

يتذكر جمال (24 عاماً) كيف هرع راكضاً إلى القبو بعد الانفجار الأول وسماع الأصوات المروعة من الأعلى؛ أخته الصغرى غشيتها الصدمة فما كان من الأم المذعورة إلا صفعها كي تستفيق. لقد آن الأوان وقررت العائلة مثل الكثير من السوريين مغادرة المنزل.

لكن جمال وأخته وأمه لم يختاروا الطريق الذي سلكه بقية السوريين الآخرين إلى أوروبا أو إلى أميركا الشمالية؛ بل بعد مكوث قصير في مصر استقلوا طائرة إلى اليابان في أكتوبر/تشرين الأول 2013، ثم ما لبثوا في العام الذي يليه أن حصلوا هناك على حق اللجوء، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.

نصف اللاجئين


هم غرباء في بلدهم الجديد، حيث من النادر أن تلقى مَن مثلهم، إذ تقول آخر إحصاءات وزارة العدل اليابانية إنه منذ عام 2015 لم يُقبَل سوى 6 سوريين للجوء في البلاد، حيث عائلة جمال – التي طلبت عدم ذكر اسمها الكامل حرصاً على سلامة الأقرباء في سوريا – تمثل نصف عدد اللاجئين الذين قُبلوا!

وليست أرقام اللاجئين من بلدان أخرى بأفضل حالاً، فالعام الماضي تسلمت اليابان 7586 طلباً للجوء، لم يقبل منها سوى 27.

وضعه الفريد هذا جعل من جمال متحدثاً غير رسمي عن السوريين وهو مطلوب بشدة، فكثيراً ما يقابله الصحفيون اليابانيون وكثيراً ما يلقي محاضرات للطلبة عن تجاربه.

التقته صحيفة واشنطن بوست الأميركية لتناول فنجان قهوة في إحدى ضواحي طوكيو، فقال: "دوماً أبدأ عرضي التقديمي بالحديث عن سوريا؛ لأن معظم الشعب الياباني يظن أنها مجرد صحراء أو ما شابه".

وللأمانة، فإن جمال نفسه كان يجهل الكثير عن اليابان عندما كان في سوريا، فكل معرفته بها وبثقافتها كان عبر مشاهدته أفلام الكرتون المتحركة اليابانية (الأنيمي) التي كان يشاهدها على الإنترنت مرفقة بالترجمة العربية.

لماذا اختاروا اليابان؟


كانت نية عائلة جمال السفر إلى السويد والاستقرار فيها حيث لهم ابن عم يسكن هناك، ولكن الفيزا السويدية رفضت، وكان لهم عم متزوج من امرأة يابانية، فساعدهم على المجيء إلى اليابان بدلاً من السويد.

زخم الحياة في طوكيو كان أشبه بمتاهة، إذ لم تكن عائلة جمال تحدث اليابانية أو تفهم الثقافة؛ حتى أن مجرد الركوب بمترو الأنفاق في هذه المدينة المترامية الأطراف كان مغامرة في حد ذاته. يضحك جمال ويقول "إنك تنزل 5 طوابق تحت الأرض" كي تركب المترو.

كانت الفترة الأولى صعبة، وسرعان ما بدأت المشاكل في منزل عمه، فاضطرت العائلة إلى الخروج منه. لم يكن لدى جمال الإذن الرسمي بالعمل، لذلك وجد له وظيفة غير رسمية تنطوي على أخطار أحياناً في أعمال الردم وهدم المباني. ثم ذات يوم انغرز مسمار في قدمه فأصيب بالتيتانوس ليقضي أسبوعاً كاملاً في المستشفى.

"كانت تلك أسوأ فترة في حياتي." يقول جمال من بعدها أنه بدأ يعمل 15 ساعة في اليوم لمدة ستة أيام في الأسبوع في سلسلة مطاعم هامبرغر لكن بصفة قانونية هذه المرة لأنه حصل على إذن العمل، فكان ذلك قطعاً أفضل بكثير من وظائف الهدم والردم، بيد أن العمل مع ذلك كان مضنياً لأن الوصول إلى المطعم كان يستغرقه ساعة ونصف ذهاباً وإياباً كل يوم.

مهنة جديدة


بعد ذلك وجد مهنة أفضل أجراً هي تعليم الإنكليزية لأطفال الروضة، وعندما قُبِل طلب لجوء العائلة بدأ جمال يأخذ دروساً كاملة في اللغة اليابانية. هو الآن يتحدث اليابانية على مستوى يمكنه من تجاذب أطراف الحديث من الناس، كما بات لديه أصدقاء من لعب كرة القدم في ناديين محليين. مثل زملائه اليابانيين يذهب جمال بعد المباريات إل الحانات اليابانية لتناول الطعام والبيرة، لكن بيرته خالية من الكحول كما أنه يتجنب الخنزير لأنه مسلم. كذلك يذهب جمال في يوم جمعة إلى مسجد طوكيو، الأكبر في اليابان كلها.

كثيراً ما يظن اليابانيون أنه أوروبي، والبعض يندهشون حينما يكشف لهم أنه سوري. يضيف جمال قائلاً "من وجوه البعض أعرف أن سماع ذلك لم يعجبهم، لكنهم لا يقولون شيئاً."

500 سوري


ليست اليابان معتادة على الغرباء، فأقل من 2% من السكان ولدوا في دول أجنبية، وحتى في يومنا هذا الذي تواجه اليابان فيه أزمة ديموغرافية تهددها بانخفاض أعداد السكان من 126 مليوناً حالياً إلى 83 مليوناً عام 2100 إن استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الجدل السياسي حول مسألة الهجرة واللاجئين مسألة مجهضة منذ البداية.

ففيما تزداد الأزمة السورية سوءاً زادت اليابان من تبرعاتها للمفوضية الأممية السامية للاجئين UNHCR وفي عام 2014 دفعت 181.6 مليون دولاراً، ما يجعلها ثاني أكبر الدول المتبرعة من بعد الولايات المتحدة.

لكنها في الوقت نفسه أحجمت عن تلقي اللاجئين واستقبالهم. في عام 2015 قال رئيس الوزراء شينزو آبي للصحافة أن البلاد بحاجة لرعاية شعبها أولاً. وفي حين أن دولاً غنية أخرى أعادت توطين آلاف السوريين من مخيمات اللجوء في الشرق الأوسط إلا أن اليابان لم تمنح ولا فرصة إعادة توطين واحدة.

في البلاد عدد قليل جداً من السوريين، حوالي 500 طبقاً لأرقام رابطة اللاجئين اليابانية التي هي واحدة من مجموعة قليلة معدودة على الأصابع تعمل مع اللاجئين في البلاد. معظمهم يدخلون البلاد بفيزا زيارة عبر المعارف والأصدقاء، وقد تقدم البعض بطلبات لجوء لكن الأغلبية العظمى رفضت طلباتهم.

من أجل هذا يسود الوجوم العلاقة بين اليابان ووكالة غوث اللاجئين الأممية، فالأخيرة ترى عموماً أن جميع السوريين مؤهلون للحصول على حق اللجوء. لكن ياسوهيرو هيشيدا مساعد مدير مكتب الاعتراف بوضع اللجوء الياباني قال في مقابلة له مؤخراً أن صياغة اتفاقية اللاجئين لعام 1951 لا تذكر الحروب أو النزاعات. كذلك ذكر هيشيدا أن جميع السوريين تقريباً يسمح لهم بالبقاء مؤقتاً في اليابان لاعتبارات إنسانية حتى لو لم يحصلوا على حق اللجوء الرسمي.

لماذا تم اختيارهم؟


لا يستطيع جمال تفسير سبب كون عائلته الاستثناء لكل ذلك. يقول أن والدته التي كانت تعمل في التلفزيون العربي السوري الرسمي قد خضعت لمقابلات كثيرة مطولة تركتها غارقة في دموعها.

ويتفهم جمال إلى حد ما خوف اليابان من اللاجئين، فأصدقاؤه الذين انتهى بهم المطاف في ألمانيا أخبروه عن سوريين خطرين قابلوهم في البلاد. يقول جمال "إن قبلوا بالجميع دون تفتيش صارم فبالطبع ستعم الفوضى البلاد كما حدث في فرنسا. إن كنت جالساً في بيتك وطرق أحدهم الباب وقال لك "أدخلني أريد الدخول" فلن تسمح له بالدخول قبل أن تتعرف عليه. صح؟"

لكن جمال يقول أنه إن كانت اليابان غير قادرة على قبول الآلاف من السوريين الذين تقبل بهم بلدان أوروبية وأميركية شمالية، فعلى الأقل ينبغي عليها أن تبذل شيئاً أكبر مما تبذله الآن. يقول "مثلاً لو قبلت اليابان بجميع السوريين الموجودين على أراضيها –وعددهم 500 أو في ذاك الجوار- فلن يكون لذلك أثر كبير لأنهم متوزعين كلٌ في محافظة مختلفة."

لكن استبياناً أجرته مؤخراً مؤسسة إبسوس موري Ipsos MORI لاستطلاع الآراء وإحصاءاتها وجد أن 18% فقط من اليابانيين يرون أن اندماج اللاجئين قد ينجح، فيما خالفهم الرأي 46% من اليابانيين.

تهذيب وإساءات


يقول جمال أن طبيعة الشعب الياباني المهذبة تحميه من التعرض للإساءة اللفظية أو الأذى الجسماني، لكن فيديوهات يوتيوب التي يظهر فيها جمال إما في مقابلة صحفية أو في محاضرة يلقيها يعج قسم تعليقاتها باتهامات اليابانيين له بأنه إرهابي أو أنه يسرق أموال دافعي الضرائب اليابانيين.
يضحك قليلاً من الاتهامات الباطلة، لكن مدى الإيذاء والإساءة يدهشه، فعندما طلب من أخته الأصغر (15 عاماً) أن تترجم له بعض التعليقات التي لم يفهمها رفضت أخته ذلك لأن الألفاظ كانت ممعنة في الابتذال.

مع ذلك ثمة علامات وإِشارات تدل على أن الرأي العام ليس بقدر التصلب الموجود في بلدان أخرى. فالاستبيان ذاته الذي أجرته إبسوس موري وجد أن 37% من السكان لا يدرون كيف لليابان أن تتصرف مع اللاجئين، وهي قطعاً النسبة الأكبر في كل البلدان الـ22 المستطلعة آراؤها في الاستبيان.

يقول هيده نوري ساكاناكا الرئيس السابق لمكتب الهجرة الياباني "يبدو أن الناس يرون الأمر وكأنها نار على الطرف الآخر من الشاطئ إن صح التعبير. ما من أصوات مسموعة هنا تنادي بأن علينا قبول اللاجئين في اليابان."

10 ملايين مهاجر


حالياً يدير ساكاناكا معهد سياسة الهجرة اليابانية الذي هو صوتٌ نادرٌ في اليابان مناصرٌ للهجرة. يقول بأن على اليابان قبول 10 ملايين مهاجر خلال الأعوام الـ50 المقبلة وأنه من المحتمل أن يكون 500 ألف من هؤلاء هم من اللاجئين.

رأيه هذا يضعه على هامش تيار الرأي العام في اليابان، لكن ساكاناكا مع ذلك يقول أنه يرى تغيراً في الرأي العام، فهو يشير إلى ما كانت حكومة رئيس الوزراء آبيه قد أعلنته في مايو/أيار 2016 بأنها ستسمح لـ150 سورياً بمتابعة دراستهم في اليابان؛ و لن يعتبر هؤلاء لاجئين إلا أنه سيمكنهم حال الوصول التقدم بطلب اللجوء.

يقول ساكاناكا "إنه عدد صغير جداً إلى حد مخجل، لكن هذه في الوقت نفسه خطوة متميزة."

ولعل الخطوة هذه تكون فاتحة طاقة الفرج. يقول ديرك هيبيكر ممثل اليابان في المفوضية الأممية السامية للاجئين "نشعر أن هذه قد تكون بداية شيء أكبر قد يأتي عندما يشعرون بالارتياح إزاء سير أمور هذا الفوج الأول. حالياً الخطوة لا تقدم ولا تؤخر، لكنها على الأقل فسحة فرج صغيرة."

يأمل جمال أن يعود لدراسته العام المقبل، فهدفه أن يغدو فصيحاً طلق اللسان في 3 لغات كي يصبح مترجماً. شقيقته ترتاد الثانوية اليابانية وتتحدث اللغة بفصاحة وسلاسة، أما والدته فتعمل في متجر Uniqlo للملابس، وقد تعلمت ما يكفي من اليابانية كي تتدبر أمورها. أما أبو جمال فقد تمكن من اللحاق بعائلته إلا أنه لم يحصل بعد على حق اللجوء.

يشتاق والدا جمال كثيراً لسوريا، أما جمال فيقول أنه لا يستطيع تخيل فراق اليابان. يقول "لقد بدأت هنا ولا أستطيع العودة إلى الصفر ثانية في أي بلد أخرى. سوف أبني مستقبلي هنا."

لم تكن هذه يوماً نيته ولا خطته، لكن جمال يهز كتفيه ويختم قائلاً "كل شيء يحدث بالمصادفة."

– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة Washinghtonpost الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد