كثيرة هي القصص الإنسانية التي خلفتها الحرب الدامية في سوريا منذ اندلاعها قبل سنوات، والتي اضطر على إثرها آلاف السوريين لمغادرة بيوتهم لدول الجوار أملاً في البقاء على قيد الحياة وانتظاراً للعودة لديارهم بعد أن تضع الحرب أوزارها.
الطبيب زاهر بطاح، جراح القلب والشرايين السوري كان واحداً ممن اضطروا لترك بيوتهم جراء القذائف التي ملأت سماء المدن السورية، فبعد أن تخرج من كلية الطب في جامعة حلب عام 2006 وأنهى اختصاصه بجراحة القلب والشرايين في جامعة دمشق وزاول مهنته، سافر برفقة عائلته إلى لبنان للبحث عن الأمن والاستقرار مع استمرار القتال في سوريا.
خيبة أمل
أثناء وجوده في لبنان لاحظ بطاح تغيرات على شخصية طفله الصغير أنور، فقرر آنذاك مراجعة إخصائي الطب النفسي للأطفال ليكتشف إصابة طفله بمرض التوحّد، لتبدأ بعد ذلك رحلة البحث عن ظروف معيشية وتعليمية جيدة لأسرته.
غادر بطاح لبنان متجهاً لتركيا بحثاً عن فرصٍ أفضل لمعالجة طفله، لكن أمنياته اصطدمت بالقوانين التركية التي لم تسمح له بمزاولة مهنة الطب قبل معادلة شهادته كحال العديد من المهن التي لا يسمح القانون التركي بممارستها قبل معادلة الشهادة من السلطات التركية المعنية، وهو ما دفعه للبحث عن عملٍ آخر ليعيل من خلاله أسرته.
طبيب ومدرس رياضيات
بعد أن أُغلقت الأبواب في وجه الطبيب الجراح حاول البحث عن فرص للعمل في العديد من الأماكن، قبل أن ينجح في إيجاد فرصة للعمل في ورشة للحياكة في مدينة إزمير (جنوب غرب تركيا)، بأجر زهيد لم يتجاز الـ 800 ليرة تركية (260 دولار).
استمر الدكتور في عمله إلى أن شاهد إعلاناً يطلب مدرساً بأجر أفضل من الذي يتقاضاه في معمل الحياكة، نشره مركز لتعليم اللاجئين السوريين في المدينة، ليلتحق به ويبدأ بتدريس الطلبة اللغة الإنكليزية والرياضيات ومواد علمية أخرى.
يقول بطاح لصحيفة يني شفق التركية، إنه على استعداد للعمل في أي مجال ليتمكن من علاج طفله، مضيفاُ أنه ومن خلال عمله الجديد سيتمكن من توفير علاج وتعليم خاص لطفله الذي يعاني صعوبة في النطق وكذلك توفير حياة كريمة لأسرته التي تنتظر ضيفها الجديد، حيث تستعد زوجته لوضع طفلها الثاني، كما يؤكد بطاح أنه تقدم بطلبٍ لدى وزارة الصحة التركية لمعادلة شهادته ليتسنى له مزاولة مهنة الطب داخل الأراضي التركية.
الجدير بالذكر أن بطاح يعمل كطبيب متطوع خلال الساعات الأربع التي يقضيها في تدريس الطلبة في المركز التعليمي، حيث يتدخل في الحالات العاجلة ويقدم للمرضى الإسعافات الأولية اللازمة قبل نقلهم للمستشفيات، وفق ما جاء بصحيفة حرييت التركية.