سيد قطب والصراع على التفسير الأدبي للقرآن “2 – 2”

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/26 الساعة 06:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/06 الساعة 11:53 بتوقيت غرينتش

حين ظهر كتاب "التصوير الفني في القرآن" اتقدت شرارة الصراع بين سيد قطب ومدرسة الأمناء (نسبة إلى أمين الخولي)، وفي الشهر نفسه نشرت "بنت الشاطئ" (زوجة أمين الخولي) مقالة عن الكتاب في جريدة الأهرام، وأشارت فيها إلى أن الكتاب مجرد محاولة للبحث في جمالية القرآن، وأن موضوعه ليس جديداً أو مبتكراً وقد سبقته أبحاث جامعية حول الموضوع نفسه. وهذا ما أحنق سيد قطب واضطره إلى التعقيب على المقال بعد شهر واحد فقط. ففي سياق رده على كل من "نجيب محفوظ" و"عبد المنعم خلاف" رد أيضاً على "بنت الشاطئ" ولكن دون ذكر اسمها، حتى يتيسر له اللمز بأن "أمين الخولي" هو صاحب النقد لا هي، ولذا قال:

"وكتب كاتب -أو كاتبة- في جريدة الأهرام (أن هذا الكتاب (محاولة) للبحث في جمال القرآن سبقتها اتجاهات في الجامعة). وللكتابة على هذا النحو أسباب خاصة ليس من شأني الحديث عنها، كما أن وصف هذا العمل بأنه (محاولة) مسألة داخلة في دائرة (التقدير) المتروكة للقراء. إنما يعنيني هنا الحقيقة التاريخية… إنني بدأت هذا البحث ونشرت فصولاً منه بعنوان "التصوير الفني في القرآن" في المقتطف عام 1938 ثم أخرجته كتاباً في هذا العام، فأين هي البحوث الجامعية في هذا الاتجاه؟ إن كان الغرض هو البحث في جمال القرآن فهذا بحث قديم قديم، وإن كان الغرض هو البحث على نحو خاص غير مسبوق، فالواقع ينطق بأن ما كتب في الأهرام لا يطابق الحقيقة.. والسلام" (الرسالة، ع620، 21 مايو/أيار 1945).

وعندما ظهر كتاب "دفاع عن البلاغة" لأحمد حسن الزيات ضاقت به "جماعة الأمناء" أيضاً، وكان الشيخ أمين الخولي يدرس مادة البلاغة اعتماداً على كتاب للمستشرق الألماني أوجوست فون ميارن Mehren عنوانه "بلاغة العرب" Die Rhetorik der Araber. وفي هذا الكتاب يركز ميارن على دور مصر في البلاغة العربية، وهو الموضوع الذي أصبح أثيراً عند الشيخ أمين الخولي!

وكالعادة نشرت "بنت الشاطئ" -في مجلة "الكتاب"- نقداً قاسياً لكتاب الزيات، وقد رد عليها الزيات في المجلة نفسها، واتهمها صراحة بأنها تنطق عن لسان غيرها، وتأخذ كلام صاحبها -يعني زوجها- لتوقعه وتنشره (راجع الكتاب ج3، يناير/كانون الثاني 1946، وكذلك ج 4، فبراير/شباط 1946). وانضم سيد قطب إلى جانب الزيات، وكتب بحثاً طويلاً عن كتاب الزيات ونشره في مجلة الزيات (الرسالة) على ثلاثة أعداد، وقال في الأول منها:

"للمرة الأولى بعد كتابَي (عبد القاهر) في القرن الرابع الهجري، تعرض قضية البلاغة على بساط البحث في هذا المحيط الشامل، وتناقش بوصفها وحدة في بحث مستقل، لا في صدد دراسة لكاتب أو كتاب. ونحن قد نخالف الأستاذ في الكثير من قضايا هذا الكتاب كما نوافقه على أسس معينة لهذا البحث. ولكن هذا كله شيء آخر لا يمس القيمة الذاتية للكتاب في المكتبة العربية بوصفه أول علاج شامل لقضية البلاغة بعد كتابي عبد القاهر. لا يقف فيه مؤلفه عند الأدب العربي وحده، بل يسترشد كذلك بالنقاد الفرنسيين، وتطور المذاهب الأدبية هناك، كما يسترشد بالنقاد العرب، وتطور الأساليب في العصر الحديث. وعنوان الكتاب "دفاع عن البلاغة" قد يدل على موضوعه دلالة كافية، والأستاذ الزيات أولى الكتاب المعاصرين بالدفاع عن البلاغة، فهو صاحب "مذهب التنسيق التعبيري"، الذي يجعل للتعبير وتنسيقه أهمية كبرى في الفن، بل الذي يجعل الفن هو أساس هذا "التنسيق التعبيري". نحن نتفق مع الأستاذ في أساس القضية، وهو أن العمل الفني في الأدب لا يوصف بالجودة إلا أن يتهيأ للفكرة الجيدة، أو الإحساس الجيد، أسلوباً جيداً، وعبارة جيدة. وأن لا يفسد ويركّ ويتعقد، ثم تبقى لهذا العمل قيمته الفنية".

وحين تقدم محمد أحمد خلف الله في منتصف سنة 1947 برسالته "الفن القصصي في القرآن"، وكان الشيخ أمين الخولي مشرفاً عليها، قامت ضجة كبير حول الرسالة. وكتب الشيخ الخولي في الأخبار مقالة تحت عنوان "هي حق وألقوا بي في النار". وفيها تضامن مع مقدم الرسالة في كل حرف خطه في الرسالة، وقال بأنه لا ينبغي الوقوف أمام حرية الفكر.

وكان ممن شاركوا في هذا الجدل عباس العقاد وتوفيق الحكيم وأحمد أمين وأحمد الشايب وعبد الفتاح بدوي ومحمد الخضر حسين وسيد قطب. وقد تحدث الجميع عن القضية المثارة بموضوعية لم تتجاوز العلم إلى الأمور الشخصية، عدا سيد قطب الذي نشر بجريدة "الوادي" مقالاً ملتهباً وغير معتاد منه؛ لأنه جاوز فيه الموضوعية المأمولة إلى أمور شخصية نسبها لأمين الخولي، وقد أنكرها عليه كثيرون، ومما قاله سيد قطب في هذه المقالة:

"إن أمين الخولي يعاني أزمة نفسية، وإنه ينظر فيرى نفسه لا يقل إن لم يكن خيراً من أساتذة جامعيين كبار في هذا البلد، ثم لا يرى لنفسه مثل مكانهم في العالم الخارجي، خارج الجامعة، وأقرب الأمثلة أمامه الدكتور طه حسين وما يتمتع به من مكانة ملحوظة، والأستاذ أحمد أمين وما له كذلك من شهرة، وهذا الوضع يسبب له قلقاً نفسياً يتجلى في مظاهر كثيرة كلها تدور حول لفت النظر بكل وسيلة، وأبسط مظاهر ذلك أنه لا يكاد يستقر على زي في ملابسه، ولا تأمن أن تراه في أي يوم بزي غير ما عهدت منه في اليوم السابق، وأزياؤه في التفكير كأزيائه في الملابس كلها اندفاعات وشطحات" (الوادي، ع 66، 29 ديسمبر 1947).

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبد السلام حيدر
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
أستاذ جامعي متخصص في التاريخ
تحميل المزيد