بينما تقوم الحكومة الفرنسية بهدم مخيم كاليه، الذي أصبح رمزاً للخطر الذي تشكله أزمة المهاجرين بأوروبا، تستمر المآسي الشخصية للآلاف بالمخيم.
غادر بعض اللاجئين من المخيم بالفعل، ولكنهم لم يتوجهوا إلى بريطانيا عبر القناة الإنكليزية كما كانوا يريدون لاعتقادهم أنها ستوفر لهم ملاذاً. بدلاً من ذلك، رحل بعضهم باتجاه الساحل الفرنسي، واتجه آخرون جنوباً في اتجاه باريس، والبعض الآخر اتجه صوب إيطاليا، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان.
بطلوع فجر يوم الاثنين على شمالي فرنسا، ستبدأ السلطات الفرنسية هدم المخيم المتمدد في ضواحي مدينة كاليه، والذي يقيم به 10 آلاف لاجئ، منهم نحو 1300 طفل وحيد. ومن المقرر وصول 6 حافلات لاصطحاب 3000 لاجئ بالمخيم، وتوزيعهم على مراكز إيواء منتشرة في أنحاء فرنسا. ومن المقرر أيضاً حدوث الأمر نفسه يومي الثلاثاء والأربعاء.
هدم المخيم الشهير
يُعَد هدم المخيم هو نهاية هذا الموقع الذي أصبح رمزاً لخطر أزمة المهاجرين بأوروبا، وموضوعاً للنقاش الحاد بين السياسيين الفرنسيين، وفي وسائل الإعلام البريطانية كذلك.
بداخل المخيم نفسه، أثار هذا العد التنازلي لهدم المخيم رعباً بين قاطنيه. وقامت المؤسسات الخيرية يوم السبت بتوزيع بعض الحقائب المستعملة على العائلات بالمخيم، ووزعت عليهم بعض النصائح بخصوص ما يجب عمله حين قدوم شرطة مكافحة الشغب لإخلاء المخيم.
أطفال لا يعرفون إلى أين يرحلون
بعض الأشخاص بالمخيم لم يستعدوا بعد للرحيل، ولا يعلمون إلى أي وجهة سيكون رحيلهم. وأفاد عبدول شاه نواز –أحد الشباب بالمخيم، يبلغ من العمر 16 عاماً، أتى إلى المخيم في مارس/آذار من مدينة موسى قلا بإقليم هلمند بأفغانستان– لصحيفة "الغارديان"، قائلاً: "بعض الأولاد رحلوا بالأمس، وسألوني إن كنت أريد الرحيل معهم". وعند سؤاله عن اتجاه رحيلهم، أشار باتجاه بلجيكا.
ما زال هناك عدد كبير من الأطفال الذين لم يرحلوا عن المخيم في حيرة من أمرهم بخصوص وجهتهم بعد هدمه. وفي المنطقة خارج مصلحة الشباب اللاجئين، كان هناك جمهور كبير يتابع مباراة كرة قدم قوية بين الأطفال اللاجئين، كان منهم مجموعة من 5 مراهقين من منطقة دارفور المضطربة بالسودان، تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة، كانوا التقوا بعضهم بعضاً بالمخيم.
كان هؤلاء الشباب كلهم مؤهلين للرحيل إلى بريطانيا، فبعضهم لديه أقارب بالمملكة المتحدة، والآخرون سيرحلون إليها طبقاً لمخطط حكومي منفصل لمساعدة الأطفال القاصرين الوحيدين بأوروبا. جميع هؤلاء الأطفال سمعوا الشائعات، ودوامة الأخبار وأنصاف الحقائق، التي أثارت الفزع بالمخيم ونشرت فيه جواً من الشك.
لم نصدق خبر إخلاء المخيم
لم يكن أي من هؤلاء الأطفال يصدق خبر إخلاء المخيم، وذلك مع بقاء 48 ساعة فقط حتى بداية عملية هدمه.
وقال أحمد –أحد الأطفال بالمخيم ويبلغ من العمر 15 عاماً– للصحيفة: "لم يخبرنا أحد بشيء، ولكني لا أريد الرحيل إلى أي مكان سوى المملكة المتحدة".
أما صديقه وليد، الذي يبلغ من العمر 16 عاماً، فأشار إلى صف الأشجار الذي يمثل الحدود الجنوبية للمدينة العشوائية الأكبر بأوروبا –مخيم كاليه ليس مخيماً رسمياً، إذ لم تقر بإنشائه السلطات الفرنسية– واعترف بأنه قد فكر في الاختباء بالغابة حين قدوم قوات الشرطة. أما إبراهيم، الذي يبلغ من العمر 16 عاماً أيضاً، فقال إنَّ بعض الأطفال قد فكروا في الهرب إلى باريس.
المخيم موطني
ورفض رشيف –عضو آخر بالمجموعة ويبلغ من العمر 17 عاماً– هذا التلميح بهدم المخيم، إذ إنه يعده موطنه منذ فبراير/شباط الماضي. وأومأ برأسه تجاه المطاعم ومحلات البقالة الأفغانية والسودانية والفارسية بالمنطقة الأساسية بالمخيم وإلى نشاطها الشديد في منتصف فترة الصباح، ثم هز رأسه مكذباً الخبر.
أما صديقه أحمد، الذي يبلغ من العمر 16 عاماً، فلم يعرف ما يمكنه تصديقه، وقال إنَّ هذه الشائعة المتزايدة عن إغلاق المخيم ربما تكون إنذاراً كاذباً آخر في النهاية.
وأضاف: "نسمع دائماً بشكل مستمر أن المخيم سيتم إغلاقه"، لينطلق بعدها في وصف رحلته للهرب من الصراع في غربي السودان إلى شمالي فرنسا، تلك الرحلة التي بدأت وهو في عمر الرابعة عشرة، وتضمنت عاماً كاملاً في طرابلس بليبيا، حيث تم إجباره على البقاء وعمل الخبز لمجموعة مسلحة بإحدى نقاط الحراسة.
سكان بحاويات الشحن للأطفال
بنهاية اليوم، انتشر الخبر بأن العدد الكبير لقاطني المخيم من الأطفال القاصرين الوحيدين لن يتم اصطحابهم بالحافلات، ولكن بدلاً من ذلك سيتم تسكينهم بشكل مؤقت بحاويات الشحن البيضاء التي حولتها الحكومة الفرنسية إلى مجمعات سكنية بالموقع في مارس/آذار. ومن ثم، تأمل الحكومة أن المئات من الأطفال الصغار بالمخيم، المؤهلين للرحيل إلى المملكة المتحدة، سيكونون في أمان في حين يتم العمل على التحقق من أهليتهم للدخول إليها.
تعطي مسألة إعلان تفاصيل تسكين الأطفال بالحاويات في وقت متأخر من يوم الجمعة بعض المؤشرات عن النهج الذي تتعامل به بريطانيا مع الأزمة، إذ ترى المؤسسات الخيرية ومجموعات المتطوعين ووكالات المساعدات الإنسانية أن حكومة تيريزا ماي كانت تعارض، بإصرار، فكرة قبول عدد كبير من الأطفال اللاجئين من مخيم كاليه، وأنها وافقت فقط حين أصبح متاحاً لها استغلال الموضوع سياسياً. فكل الدلائل تشير إلى أن وزارة الداخلية بدأت الاهتمام بالقضية قبل إخلاء المخيم وهدمه بأيام قليلة.
60 طفلا إلى المملكة المتحدة
ووصل نحو 60 طفلاً إلى المملكة المتحدة من شمالي فرنسا الأسبوع الماضي، وتُقَدر أعداد الأطفال الباقين بالمخيم بعشرة أضعاف هذا الرقم.
وقالت جوزي نوتون، العضوة بمؤسسة "Help Refugees" الخيرية لمساعدة اللاجئين، عن هذا التحرك المتأخر لحكومة تيريزا ماي: "قمنا بحملة لمدة عام لمطالبة حكومة المملكة المتحدة بمساعدة الأطفال بمخيم كاليه، والآن تحاول الحكومة فعل ذلك في أسبوع واحد، من الواضح أنهم لن يستطيعوا تحقيق ذلك".
وقالت البارونة شيهان، من حزب الديمقراطيين الأحرار، والتي زارت المخيم يوم الجمعة، عن تأخر وزارة الداخلية البريطانية: "ليس عندي فكرة ماذا كانت تفعل وزارة الداخلية. إن الأمر حالة من الفوضى الشديدة. وليس هؤلاء الأطفال الذين وصلوا مؤخراً للمملكة سوى محاولة للحد من الأضرار".
وقد كانت البارونة، ومعها 18 منظمة معنية بشؤون اللاجئين والمساعدات الإنسانية ونحو 120 آخرين من النواب بمجلس العموم وأقرانهم، من الموقعين على الخطاب الذي تم إرساله لوزيرة الداخلية البريطانية أمبر رود، والذي يعلن عدم قبولهم وضعاً يؤدي فيه هدم المخيم إلى تعريض الأطفال للخطر.
جدل بشأن الأطفال ببريطانيا
إلا أن الأطفال الذين تمكنوا من الوصول إلى بريطانيا الأسبوع الماضي، كشفوا أن وزارة الداخلية تعمل تحت مناخ يشوبه جدل شديد حول مسألة الأطفال اللاجئين، وهو جدل تمكن من الوصول إلى الرأي العام. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدعوة التي قام بها نواب حزب المحافظين الأسبوع الماضي لإخضاع الأطفال اللاجئين لفحوصات أشعة إكس للتأكد من أعمارهم -أثارت صدمة لدى المتطوعين بالمخيم، وهو الأمر الذي علقت عليه لالي ميرجلر، المتطوعة بمركز الأطفال والنساء بالمخيم، قائلةً: "أين ذهبت الإنسانية؟!".
وبالمثل، أثار اتهام مشابه للأطفال اللاجئين بأنهم في الحقيقة بالغون يتظاهرون بصغر السن موجة من الانتقادات؛ وذلك لأن ملامحهم تُظهرهم كما لو كانوا أكبر من 18 عاماً، وهو الأمر الذي روّع هؤلاء الأطفال الذين يمتلكون من التفاصيل ما يوضح كيف أن الشوارع التي عاشوا بها وظروف المعيشة ومصاعب رحلتهم قد أثرت في ملامحهم وزادتها عمراً.
طبقاً للمتطوعين، فإن النقطة المحورية بهذه المسألة هي كون عملية الدخول إلى المملكة المتحدة عملية طويلة وبيروقراطية، تتضمن 10 ساعات من الإجراءات القانونية لكل طفل فقط للتحقق من هويته.
وهو الأمر الذي علقت عليه جوزي نوتون قائلةً: "الأطفال يحتاجون إلى تقديم الوثائق والدلائل على هوياتهم. وعملية التحقق لدى وزارة الداخلية عملية صارمة جداً، سيكون كذباً إن ادعينا عكس ذلك". ويجب أيضاً الإشارة إلى أن الزعم المنتشر بأن الذكور فقط هم من سُمِحَ لهم بالدخول إلى المملكة المتحدة زعم خاطئ، فعلى الأقل وصلت فتاة إريترية واحدة إلى المملكة الأسبوع الماضي".
أطفال يُعانون من أمراض نفسية
ويعمل المتطوعون والسلطات قبل وصول الحافلات يوم الاثنين إلى المخيم على التأكد من العناية باللاجئين الذين يعانون أمراضاً عقلية، وهو ما علقت عليه البارونة شيهان قائلةً: "سوف يكون هناك عائلات كثيرة، وأشخاص معرضين للخطر، وأشخاص يعانون أمراضاً عقلية، وكل هؤلاء يحتاجون إلى الرعاية".
وقال دان دو ماين، الذي يعمل مع مؤسسة "Help Refugees" بالفريق المعني بالأشخاص المعرضين للخطر، إنَّه يأمل أن يكون 3 أشخاص بعينهم بالمخيم من ضمن الأشخاص الذين يتم منحهم الإقامة ببريطانيا، وهم محمد وحامد ومصطفى، 3 رجال سودانيين من الصم والبكم وتتراوح أعمارهم بين 17 و 23 عاماً. وقد قامت وزارة الداخلية الأسبوع الماضي بأخذ بياناتهم لتقوم بدراسة الأمر. وأضاف دو ماين: "إننا بتسجيلهم قد منحناهم الأمل في أثناء انتظارهم هنا، ينتظرون ويُصَلون في حين تقوم فرق الهدم وشرطة مكافحة الشغب بتجهيز نفسها".
ومع هذا التوتر السائد نتيجة للهدم الوشيك للمخيم، إلا أن السمة المميزة للمخيم مازالت موجودة، وهي الود الذي يتميز به أطفاله. فحتى يوم السبت، كان الأطفال يبتسمون وهم يتشاركون النكات أو يصطفون بهدوء من أجل الحصول على الطعام.
ويقول أندي إلفين –المدير التنفيذي لمنظمة تاكت، المنظمة الأكبر لرعاية وتبني الأطفال بالمملكة المتحدة– إنَّه لم يفاجأ بذلك. فالتقييمات التي يتلقاها تقول إنَّ هؤلاء القُصَّر الوحيدين هم النوع المفضل من الأطفال لدى العائلات التي تقوم بالتبني، إذ يقول إنَّهم "هادئون ومحترمون وودودون ويحبون التعلم. كما أن لديهم رؤية نسبية للحياة تجعلهم يُقَدِرونها. ويقول عنهم معظم الآباء الذين يتبنونهم إنَّهم مصدر للفرحة والبهجة".
ويأمل الكثير من الأشخاص أن ينتشر هذا الشعور تجاه الأطفال بشكل أوسع، وأن تفي المملكة المتحدة بوعودها بمساعدة الأطفال اللاجئين في مخيم كاليه.
تاريخ المخيم
يوم عيد الميلاد، عام 2001
فوجئت منظمة يوروتانل –المسؤولة عن إدارة القناة بين فرنسا وإنكلترا، والتي أفادت من قبل بنجاحها في منع 200 لاجئ يومياً من الوصول إلى بريطانيا– بتدفق عدد كبير من اللاجئين وصل إلى 500 شخص، تمكنوا حينها من اختراق الحواجز الأمنية، ولكنهم فشلوا في الوصول إلى إنكلترا.
ديسمبر /كانون الأول 2002
تم إغلاق مخيم سانغيت للاجئين –الذي افتتحه الصليب الأحمر عام 1999 في مستودع لإيواء 600 شخص كانوا ينامون حول الميناء– بعد موافقة المملكة المتحدة على منح اللاجئين به تصاريح عمل مؤقتة، لتقبل حينها 1250 كردياً وأفغانياً، في حين منحت فرنسا الإقامة لنحو 400 شخص.
أبريل 2009
اعتقلت الشرطة الفرنسية نحو 190 شخصاً في مخيم صغير أنشأه اللاجئون عام 2002، وأزالت المخيم.
سبتمبر 2009
قامت الشرطة الفرنسية بغارة أخرى لإزالة مخيم آخر، واعتقلت نحو 276 شخصاً.
يوليو 2014
أغارت الشرطة الفرنسية على مخيم آخر، واحتجزت الذين ألقت القبض عليهم لفترة قصيرة.
أكتوبر 2014
استخدمت قوات مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع لتفرقة 350 لاجئاً في أثناء محاولتهم استقلال الشاحنات في ميناء كاليه.
يناير 2015
افتتحت فرنسا مركزاً بمدينة كاليه لإيواء 50 من الأطفال والنساء. وكان يقيم نحو 1000 شخص بالمخيمات في الخلاء بأرض قفر خارج المدينة. وظهر مخيم آخر في مدينة دنكيرك، إلى الشرق من كاليه.
يونيو 2015
قدّر مجلس مدينة كاليه عدد المخيمين حول المدينة بـ3 آلاف شخص، منهم 600 شخص من الأطفال الوحيدين. ووصل هذا العدد في شهر نوفمبر/تشرين الثاني إلى 6 آلاف شخص.
مارس 2016
أعلن ديفيد كاميرون –رئيس وزراء إنكلترا السابق– تخصيص 17 مليون يورو لمساعدة فرنسا على التعامل مع أزمة المهاجرين، يتم إنفاق جزء منها لبناء جدار بطول كيلومتر واحد.
أبريل 2016
رفض مجلس العموم البريطاني الدعوة لاستقبال بريطانيا نحو 3000 من الأطفال اللاجئين.
مايو 2016
تم إقرار قانون جديد للهجرة –وهو القانون السابع خلال 8 سنوات– يتضمن التعديل المسمى "Dubs amendment" والذي يقضي بتوفير المملكة المتحدة اللجوء للأطفال القُصَّر بأوروبا. وحتى الآن، لم يتم استقبال أي من الأطفال بالمملكة المتحدة تحت هذا القانون.
سبتمبر 2016
انضم سائقو الشاحنات والتجار المحليون إلى حاكم مدينة كاليه في مظاهرة للمطالبة بإغلاق المخيم.
أكتوبر 2016
وصول 21 طفلاً من اللاجئين الذين يوجد بعض أقاربهم بالمملكة المتحدة إلى المملكة، مع استهجان المعارضين لقضية اللاجئين الذين شككوا في أعمار الأطفال.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.