يسكب المصريون عدة ملاعق من السكر في أكواب الشاي -واحدة أو 3 أو 5. فهو سلعة أساسية اعتادت الحكومة دعمها لغالبية الشعب المصري.
ولهذا، يشعر المصريون بالقلق بسبب نقص السكر في الأسواق المستمر منذ أيام، حتى صارت أزمة السكر اسماً مستعاراً للغضب المتنامي تجاه الأداء الاقتصادي للحكومة.
طوابير المصريين تمتد أمام الأكشاك ومنافذ بيع سلع التموين عدة ساعات، وبعضهم يعود بيديه خاويتين رغم امتلاكه بطاقة تموينية وأحقيته في الحصول على السكر.
وعلى عكس ما يشهده الشارع المصري، قال محمد عسكر، المتحدث باسم وزارة التموين، إن مصر تمتلك مخزوناً في الأسواق يكفيها 3 أشهر، إضافة إلى انتظار شحنات مستوردة تزيد على 100 ألف طن خلال الفترة المقبلة.
جشع التجار وتخزينهم السكر
وعن سبب الأزمة، أكد عسكر لـ"عربي بوست" أنه نتيجة جشع التجار وتخزينهم السلعة، وهو ما قابلته الوزارة بضخ كميات متزايدة يومياً في الأسواق، إضافة إلى حملات يومية بالتنسيق مع "مباحث ومفتشي التموين" على مخازن التجارة لضبط أي كميات مخالفة.
ونوّه عسكر إلى وجود مكافأة مجزية لمن يقوم من المواطنين بالإبلاغ عن أي تاجر أو شخص مخالف في تخزين سلعة السكر أو أي سلعة أخرى قد تؤثر على السوق وأسعار المنتجات.
وأشارت مصادر أخرى بوزارة التموين إلى أن توقف التجار والمستوردين عن استيراد السكر من الخارج جاء بعد أزمة الدولار وارتفاع أسعاره في السوق الموازية.
ووصل سعر الدولار حالياً في السوق السوداء المصرية إلى ما يزيد على 15 جنيهاً، ما أدى إلى ارتفاع أسعار أكثر السلع إلى الضعف، خاصة المستورد منها.
"السكر غلي ونحلي بإيه"
تجولت "عربي بوست"، بين الكثير من "المقاهي الشعبية" -التي يعدها كثير من المصريين ملجأهم للتخفيف من المعاناة اليومية ومقابلة أصدقائهم ومعارفهم- لنجدها تعتذر عن تقديم أي مشروب يُستخدم به السكر، والرد: "السكر غير موجود بأي محلات، وحتى مخازن التموين خالية منه!".
وقبل الأزمة، كان ثمن كيلو السكر 5 جنيهات عبر بطاقات التموين وكذلك في المحال التجارية و"السوبر ماركت"، وحالياً يباع "الكيلو الواحد" بـ10 و12 جنيهاً ، إضافة إلى أنه غير موجود أصلاً بالسوق.
وتنتج مصر 2.3 مليون طن من السكر سنوياً، في حين يستهلك سوقها المحلية 3ملايين طن تقريباً، وهو ما يدفع الدولة لاستيراد 700 ألف طن سنوياً لسد العجز.
رغم العجز تصدّر لليبيا!
وفي الوقت نفسه الذي تعاني فيه البلاد أزمة السكر، أكدت مصر تصدير 708 أطنان سكر إلى ليبيا وفق إجراءات جمركية صحيحة.
وأكدت مصادر حكومية لـ"عربي بوست"، أن مصر موقّعة على اتفاقية التصدير قبل الأزمة، عادّةً الأزمة داخل مصر ليست أزمة "كميات سلعة" أو عدم توافرها، ولكنها نتيجة مناوشات تجار مع الوزارة واحتكارهم وتخزينهم السكر، وخاصة بعد رحيل خالد حنفي الوزير السابق عن الوزارة، ولم تحدد المصادر أياً من أسماء هؤلاء التجار.
وكانت "عربي بوست" نشرت تقريراً قبل رحيل حنفي عن وزارة التموين بعدة أيام، أوضحت فيه علاقته القوية بأحمد الوكيل، شاهبندر التجار، ورئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، وصاحب شركة "ويكالست" إحدى كبرى الشركات المستوردة للسكر الخام من الخارج.
ضعف خبرة الوزير وسوء إدارته!
وأكد مصدر مسؤول بالتموين -رفض الإفصاح عن اسمه- أنه رغم أن نسبة كبيرة من الأزمة سببها جشع التجار وتخزينهم السكر، فإن الوزير الحالي، اللواء محمد علي مصيلحي، ليست لديه خبرة بشؤون التموين والسلع، وهو ما يحدث إرباكاً في بعض القرارات التي لم تظهر لوسائل الإعلام ولكنها تحدث فجوة كبيرة بين الوزير والكثير من القيادات، حسب تصريحات المصدر.
وكان اللواء مصيلحي قال في أول لقاء له أمام البرلمان بداية الشهر الحالي، إن تجارة السكر أصبحت مثل تجارة المخدرات؛ لأنه يباع بأسعار مرتفعة، وهو ما أثار سخرية النشطاء على صفحات التواصل الاجتماعي.
وفي أول مؤتمر صحفي له الأسبوع الماضي، قال الوزير في تصريحاته عن أزمة السكر: "استحملوا شوية.. لازم نقلل استهلاكنا ونحافظ على الاستقرار بدل ما نقعد في معسكرات ونبقى لاجئين".
أثارت تصريحات الوزير سخرية النشطاء، التي عدها البعض تهديداً، متسائلين: كيف لوزير أن يهدد الشعب إما أن نحتمل غلاء الأسعار وعدم توافرها وإما الفوضى وأن نكون في معسكرات لاجئين؟!
"الناس على وشك الانفجار"، يقول أحمد الجبالي لصحيفة نيويورك تايمز التي نشرت تقريراً موسعاً عن الأزمة، في حين يصرف الزبائن الباحثين عن السكر من متجره المخصص لبيع سلع التموين الغذائي المدعّمة في حي بولاق الشعبي في القاهرة.
ويضيف الجبالي متحدثاً عن السيسي: "لم يعد يطيقه أحد. أهمية السكر تُعادل أهمية الأرز، والزيت، والدقيق. لا يمكنك تحمّل نفاده. ولا يمكنك التلاعب في مخزونه. من يمكنه العيش دون سكّر؟!".
انتفاضة الخبز
وتلقّى السيسي، حسب الصحيفة الأميركية الشهيرة، الذي يواجه ضغوطاً لإعادة الاستقرار للاقتصاد المصري، لوم الكثيرين على نقص سلع التموين الغذائي، من السكر ومنتجات أخرى اعتمد المصريون على الحصول عليها تحت مظلة الدعم منذ الحرب العالمية الأولى.. حيث خفّض حصة الدعم من الميزانية العامة هذا العام بنسبة 14%، لتصل إلى نحو 8.7 مليار جنيه.
ويحذر الدكتور هـ. أ. هيلير، زميل المجلس الأطلنطي، وهي منظمة بحثية في واشنطن، كما جاء في تقرير الـ"نيويورك تايمز" من أن "ما يقلق الجميع هو تكرار سيناريو انتفاضة الخبز في عام 1977″، في إشارة إلى الاحتجاجات التي اجتاحت مصر بعد محاولة الرئيس أنور السادات آنذاك إلغاء نظام الدعم في مصر.