من بين أروع الظواهر الفيزيائية التي تحصل أمام أعيننا كلما صادفت أشعة الشمس قطرات المطر فانكسرت وأعطت تشكيلة من الألوان الناعمة باعثة داخل الناظر إليها شعوراً بالأمان والسكينة.. هي هذا المزيج الجميل بين أحمر ناري وبرتقالي طفولي وأصفر ذهبي وأخضر منعم وأزرق كلون المحبة الطاهرة وبنفسجي كحقول خزامى شاسعة.. قوس قزح سؤال الطفولة الأبدي الذي حير عقولنا الصغيرة ودوخها.
ظل قوس قزح حيرة كبيرة لنا كأطفال في عمر الأسئلة الوجودية، من أين جاء؟ أين ذهب؟ كم طوله؟ ما ملمسه؟ ما سره؟ أين بدايته؟ وما هي نهايته؟..
الأجوبة غالباً ما كانت ساذجة وسخيفة من عند من تجاوزوا سن الدهشة الطفولية ونهشتهم الحياة بماديتها، أولائك الذين يرون في الأطفال كثلة من السذاجة، تلكم السذاجة التي يلصقونها للأطفال حتى يتجاوزوا سن الرشد، فكل طفل يولد وقد وضع على كتفه علامة كتب عليها "ساذج".. وكأن الطفولة مرادف للعبط حتى يثبت العكس، ولن يثبت.. فكانت الأجوبة التي تقدم لنا مع ابتسامة سخيفة فيها من الغباء ما يزيد حيرتنا حيرة، وما يجعلنا نذهل عن السر الذي نجري ورائه لنتفكر بإجابة لم يعرها صاحبها نصف ثانية من التفكير، كل ما فعله أنه حك رأسه وأطلق أي خرافة ملأ بها عقولنا التي كانت تنضج على نار خفية، جعلتها كل تلك الأجوبة الغبية ناراً خامدة، لا تصلح لأن تنضج فوقها فكرة واحدة.
كانو كباراً أعيتهم تكاليف المدارس والمحلات التجارية والمنزل والأسواق والسيارة وجثمت الدنيا بمادياتها فوق رؤوسهم لتحرمهم شغف الحياة، فأصبح آخر همهم سؤال طفل لم تمسسه لوثة الحياة الجافة التي يعيشونها بعد، فمن يخبر طفله أن قوس قزح هو عبارة عن أيس كريم كبير إذا ما الطفل أحسن التصرف سينال جزءاً منه، أو أنه قطار يحمل الأطفال الودودين إلى مدينة ملاهٍ كبيرة توجد بين السحاب، أو أنه حلوى عملاقة ستكون من نصيب من يعتني بغرفته جيداً، أو أنه زحليقة يمكننا الذهاب إليها في أيام العطل، ظانين أن هذه الأجوبة ستشفي فضول طفل متحمس لمعرفة السر ومتشوق لفهم اللغز. كنا نشعر أن كل هذه الردود محض تخيلات صبيانية يقدمها لك الشخص الكبير ليتخلص من شوشرتك الصغيرة.
قوس قزح، كان دائما أجمل ما شاهدته عيناي بألوانه الذائبة في بعضها البعض وانسجامه الساحر، كلما نظرت إليه غزاني حنين لطفولتي الأولى، طفولة الجسد، وقادني جماله لطفولتي الثانية، طفولة الروح.. حب كبير ينتابني إزاء هذا الكون عندما ألمح قوساً ملوناً يسطع في السماء ويمنحها جمالاً باهراً بعد تساقطات تطهر القلب والروح.
علاقتنا بالطبيعة أثناء الطفولة تغشاها فطرة تصور كل شيء قد يظهر لأشخاص عاديين عادياً مثلهم، قمة في الإعجاز ولغز محير يسلب العقل. نفقد هذه الخاصية في استجلاء كنه الطبيعة وروعتها كلما اخترقتنا هذه الدنيا بمادياتها وعجرفتها وتوحشها.. فننسى يوماً أن أكبر حلم تمنيناه كان ملامسة قوس قزح وطبع قُبلة وردية على ألوانه الدافئة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.