هكذا يجبرهم داعش على البقاء.. شهود عيان من الموصل يروون مأساتهم الإنسانية داخل المدينة

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/17 الساعة 08:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/17 الساعة 08:14 بتوقيت غرينتش

بعد أشهر من المناورة، ها قد بدأت معركة الحكومة العراقية لاستعادة الموصل، المدينة مترامية الأطراف التي يفوق عدد سكانها مليون نسمة.

يكدس سكان الموصل الطعام، ويكتبون شعارات المقاومة خلسة على الجدران، بينما تتوسع شبكة الأنفاق الموجودة تحت الأرض بشكل محموم على يد حكام المدينة التابعين لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، محاولين الهرب من الطائرات الأميركية.

أجريت العديد من المقابلات مع بضع عشرات من سكان الموصل، من ضمنهم لاجئون تمكنوا من الفرار في الأسابيع الأخيرة، إضافةً إلى السكان الذين جرى التواصل معهم عن طريق الهواتف المحمولة المهربة إلى المدينة.

أصبح مجرد الخروج من الموصل صعباً وخطيراً، إذ يواجه أولئك الذين يُلقى القبض عليهم غرامة تبلغ مليون دينار، إلا إن كانوا أعضاءً سابقين في الشرطة أو الجيش العراقي، ففي هذه الحالة تصبح العقوبة هي قطع الرأس، بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

تخزين الطعام


وبحسب أحدث الشهادات، تشهد الموصل تخزين المدنيين الطعام في الأقبية، بينما يُجري الجهاديون استعدادات عسكرية داخل المدينة، هاربين من الشوارع مؤقتاً –إلى شبكة الأنفاق الممتدة تحت الأرض على الأرجح- مع الإشارات الأولى لغارة جوية.

كما اكتسب بعض سكان الموصل الباقين، والذين يبلغ عددهم مليوناً أو أكثر، المزيد من الجرأة في إظهار مقاومتهم لقوات تنظيم داعش المهيمنة على المدينة، والتي يبلغ عددها حوالي 3000 إلى 4500 مقاتل حسب تقديرات الجيش الأميركي. زاد الغرافيتي وغيره من مظاهر الانشقاق ضد التنظيم في الأسابيع الأخيرة، كما زادت الإعدامات التي تلت القبض على المخربين.

الوضع الإنساني


يقول السكان إن الكهرباء، التي كانت متوافرة قبل أن تستولي القوات الكردية على سد الموصل من أيدي الميليشيات المسلحة، أصبحت موجودة لساعتين في اليوم فقط تقريباً. بينما تغيب المياه الجارية عن بعض المناطق، حيث يُضطر السكان إلى استخدام المولدات الشخصية لضخ المياه من الآبار.

كما لم تعمل المدارس مطلقاً هذا العام لغياب التمويل والمعلمين الراغبين في العمل دون مقابل.

وأثرت الأزمة الاقتصادية المحلية على الميليشيات المسلحة أيضاً، إذ أفادت بعض التقارير بأنهم خفَّضوا أجور مقاتليهم لتبلغ 100 دولار في الشهر مقارنة بـ400 دولار في 2014، بحسب أبي بكر كنان، أحد القادة السابقين لمكتب الشؤون الدينية السنية في الموصل، والذي قال إنه على اتصال دائم بالسكان هناك.

وقال ميكانيكي السيارات الذي ترك المدينة منذ أسبوعين، وطلب عدم ذكر اسمه إذ إن أقاربه ما زالوا هناك، إنه في الجمعة الأخيرة له في الموصل حضر الصلاة التي دعا فيها أحد أئمة تنظيم الدولة الإسلامية البارزين المصلين للتطوع، لم يتمكن من استمالة أي شخص.

الخروج من المدينة


تتنامى المخاوف على سلامة مدنيي الموصل بعد ورود أنباء عن أن مسلحي تنظيم داعش منعوهم من مغادرة المدينة وفرضوا نقاط تفتيش على الطرقات وقاموا بتفجير منازل كل من غادر تواً ليكون عبرة للآخرين .

وقد تحرك المسلحون باتجاه المناطق السكنية في محاولة لمنع القصف الأميركي من ضرب أهداف بالقرب من المنازل.

أبو عمار لاجئٌ فر مؤخراً من الموصل، عمره 47 عاماً، ونقلت عنه صحيفة الغارديان البريطانية قوله أنه وعائلته هربوا من المدينة سيراً 6 ساعات على الأقدام ليلاً بين الحقول التي خافوا من أن تكون ملغمة.

يقول أبو عمار "لم يكن أطفالي قد غادروا المنزل منذ أسابيع لأنهم كانوا يخشون القصف الأميركي الذي كان يقصف المناطق السكنية قرب بيتنا. الأصوات مخيفة والشبابيك تتكسر والمنزل كله يرتجف والناس يفقدون أعصابهم ويصابون بهستيريا".

وأضاف: "لم أكن أغادر بيتي إلا إن احتجت لقليل من التسوق، وكنت أحاول أقصى جهدي ألا ألتقي بمسلحي داعش. كنا نستدين القمح من جار لنا في أغلب الأحيان لأننا لم نملك المال الكافي لشرائه. أنا موظف حكومي ولم أقبض مرتبي منذ عامين. الأماكن الوحيدة المفتوحة في الموصل هي محطات الوقود والمحلات والمتاجر التي تأتي بالبضائع من سوريا".

وتابع: "كنت أحاول العثور على مخرج منذ شهور، وعلى وظيفة أقيت بها عيالي، لكني كنت أخشى سلك طريق أربيل لأنها محفوفة بالألغام. أخيراً وافقت على الهرب مع 4 عائلات ذات ليلة، لكنهم في آخر لحظة تراجعوا. قالوا أنه جاءتهم إخبارية بأن داعش فرض نقاط تفتيش كثيرة على الطريق وأنهم قد يوقعون بنا، غير أني أصررت على الانطلاق مهما كان. مشينا طوال الليل لأكثر من 6 ساعات بينما كان أطفالي مذعورين ويرجونني التراجع والعودة."

أما أمينة نجيب (45 عاماً) من وسط مدينة الموصل فقالت للغارديان أنها وعائلتها توصلوا إلى أن خطورة الهرب بالغة جداً، فجمعوا حاجياتهم الأساسية في غرفة بمنزلهم لاستخدام الغرفة ملجأً.

تقول "لا شيء يتحدث الناس عنه هنا سوى الحرب المريعة التي ستشن عليها قريباً. لكننا في النهاية توصلنا إلى أنه من الأفضل البقاء في المنزل وعدم الوقوع في أيدي داعش أثناء الفرار. لقد نال ابني منهما 20 جلدة لأنه استخدم هاتفاً خلوياً في الطريق. لقد جهزت غرفة في المنزل لتكون ملجأ، بها بعض القمح لصنع الخبز وبعض أكياس الأرز.

كثير من المدنيين لا نقود معهم لأن الحكومة توقفت عن دفع الرواتب منذ عامين، وجميع مدخراتنا نفدت عن آخرها. المتقاعدون هم المحظوظون لأنهم مازالوا يحصلون على تقاعديتهم عبر بطاقة الائتمان، وهكذا نحصل على المال من ابن عمي الذي هو مدرس متقاعد. الناس قلقون مما سيلي التحرير. صحيحٌ أننا نريد الخلاص من داعش، لكن هل نثق بمن سيتولون السلطة بعده؟"

مقاومة سرية


أفادت رويترز بإعدام 58 شخصاً، في مطلع هذا الشهر، لدورهم في مؤامرة قادها أحد مساعدي أبي بكر البغدادي، زعيم التنظيم، لإسقاط حكم تنظيم داعش.

وقال أزهر محمود، مسؤول وزارة التعليم السابق الذي فر من قريته القريبة من الموصل مؤخراً، والذي قبل حكم تنظيم الدولة الإسلامية في البداية "كل الذين قبلوا داعش من قبل، غيروا رأيهم الآن".

كما أفادت بعض التقارير الحديثة بوجود ولو قليل من المقاومة السرية –الرمزية غالباً- داخل المدينة، إذ أشارت الصور والشهادات الشفوية إلى انتشار حرف (م) على الجدران – رمزاً للمقاومة-. كما نشر تنظيم داعش مقطعاً مصوراً لقطع رؤوس شخصين أمام أحد هذه الشعارات.

تحميل المزيد