قرأت لكاتبٍ كتاباً فاستمتعت بأفكاره وأسلوبه، ثم بعد فترة من الزمن قرأت كتاباً ثانياً له، لأجد الأفكار ذاتها التي في الكتاب الأول مع زيادة طفيفة.
ومنذ أسبوع اشتريت كتاباً ثالثاً له، لكنني ما إن بدأت بقراءته حتى شعرت بالملل، نفس الأفكار موجودة في الكتب الثلاثة، ولكن بأسلوب يتناسب مع العنوان، أغلقت الكتاب وانتقلت لغيره غير راغب في العودة إليه، ولا إلى أي كتاب للكاتب نفسه.
بالنسبة لي، عندما أقرأ كتاباً أبحث عن الجديد فيه لأتعلمه، ولا أعرف شعور مَن يقرأ من الكتب غير كلماتها -اللهم إلا الشعر فإنه ليعجبني الشعر بكلماته وقوة معانيها- وإن أعجبني موضوع ما، أقرأ في كتب متقدمة لأتعمق فيه دون العودة إلى المستوى السابق.
فكيف للعقل أن يَنضُج دون تنوع في الأفكار والبحث عن الجديد، وهو كالجسد لا يتغذى ولا ينمو إن لم تطعمه إلا صنفاً واحداً ولم تزِد على حصته منذ صغره؟!
وبدأت أتساءل كيف لمجموعة من الناس أن تقرأ ذات الكتب وتدرسها ثم تعيدها وتكررها.. من دون ملل؟!
إن الأعمال الأدبية دائماً تعبر عن أفكار كاتبيها بشكل مباشر، مثلاً، يكفي أن تقرأ لصاحبها كتاباً أو كتابين حتى تعرف فكره ومواضيعه، وإن أصدر كتاباً جديداً، أستطيع بكل ثقة أن أنصحك بتوفير سعره لتقرأ لكاتب جديد.
من الأدبيات التي قرأتها مؤلفات إليف شافاق "قواعد العشق الأربعون" و"الفتى المتيَّم والمعلم"، مع أن رواياتها رائعة، لكنني لن أقرأ كتابها الجديد الذي دون شك ستدور أحداثه بموضوع ما حول التراث العثماني.
وقرأت لأحمد خيري العمري بعض كتبه فوجدتها تعيد نفسها، وغيرهم من الكُتّاب والأدباء لن يسع مقالي هذا لذكرهم.
أن تقرأ للكاتب نفسه عدداً من الكتب، وخصوصاً الأدبية منها، فإنه هدر لوقتك ودوران في حلقة مفرغة.
الكتب الأدبية ليست ذات أهمية مقارنة بالكتب الفكرية والعلمية، ولكن ما يؤسفني أن قلة هي تلك الكتب في عالمنا العربي ذات العمق في المضمون والأثر في الأفكار، كما أن الكتب المتوفرة بعيدة بعض الشيء عن الواقع، بل وكأن المفكر ما زال في العصور الوسطى.
وأما كتب التنمية البشرية، فحدث ولا حرج، معظمها منسوخ من كتب غربية، ويحتوي على الأمثلة نفسها، وإني لأرغب في سؤال من يكتبون هذه الكتب عن الحكمة من تقليد الحمار للأسد، هل سيصبح أسداً كما تخبرنا كتبهم التنموية؟
هناك بعض الحالات "الشّاذة" عن القاعدة، بارك الله بهؤلاء الكُتَّاب؛ إذ إن قرأت لأحدهم كتاباً جديداً يجذبك بموضوعه الذي لم تتوقعه أو يفتح لك باباً جديداً للمعرفة والسؤال والبحث، فهل للكتاب فائدة إن أنهيته دون أن يرشدك لكتابٍ آخر؟!
صديقي القارئ، إن القراءة هي متعة تتذوقها كل يوم، تسبح بين صفحات الكتاب، وتهاجر إلى عوالم أخرى، ولكن ما الذي سيُكسِبُك إيَّاه الطعام إن كان شكله مغرياً لكنّه غير صحّي؟! ماذا ستستفيد إن شاهدت فيلماً كرتونياً وعمرك في الثلاثين؟!
اقرأ ما شئت صديقي، ولكن انتفع بما تقرأ، ولا تعمين عينيك الكلمات والمفردات، ولا يَأخذنّك التشبيه البليغ والوصف الدقيق بعيداً عن جوهر القراءة الحقيقية، فكثير من الكتب ما هي إلا كالحلوى تسمن ولا تغني من جوع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.