“إيران مستعدة لفقدان إحدى محافظاتها مقابل الإبقاء على سوريا”.. دعوة للتفاوض مع طهران بدلاً من روسيا

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/15 الساعة 16:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/15 الساعة 16:54 بتوقيت غرينتش

كلَّما ظهرت نقطة ضوء في الحرب السورية، سرعان ما تنطفئ، لنرى على سبيل المثال اتفاق وقف إطلاق النيران الذي توصَّلت إليه واشنطن وموسكو في سبتمبر/أيلول الماضي. بعد أن قُصِفت شاحنات الصليب الأحمر التي كانت توصِّل المساعدات إلى حلب المحاصرة بفعل مروحية يشتبه في كونها روسية، سرعان ما انهار الاتفاق.

لم يفاجأ المشكِّكون في اتفاق وقف إطلاق النيران بمصيره، وفق أفشون أوستوفار الباحث في الكلية البحرية العليا بولاية كاليفورنيا، ولكن لم يكُن انهياره متعلِّقاً بازدواجية روسيا بقدر ما كان متعلِّقاً بحقيقة أنَّ روسيا لم يكُن ينبغي أن تكون الطرف الرئيس في المباحثات من الأساس.

يضيف أوستوفار: "إذ من بين الداعمين الخارجين لنظام بشار الأسد، تتمتَّع إيران – التي أرسلت مئات الأفراد من قواتها إلى سوريا وسهَّلت تورُّط عدة آلاف من المسلَّحين الشيعة من غير السوريين لمساندة الأسد – بالنفوذ الأكبر في سوريا".

ومصالح موسكو في سوريا ليست واحدة، ولا داعي للاعتقاد – وفق مقال أفشون الذي نشره في Foreign Policy – أن المفاوضين الروس يمثلون مصالح إيران. وإذا كانت الولايات المتحدة تأمل في التوصُّل إلى أي اتفاق سلام في سوريا، لا يمكنها تجنُّب التفاوض مع إيران مباشرةً. ولا يعني ذلك أن السلام سيكون نتيجةً فورية.

فهم عمق جذور إيران في سوريا


ويعتقد أوستوفار أن واشنطن تحتاج إلى فهم عمق الجذور الإيرانية في سوريا. فقد كانت سوريا في ظل حُكم حافظ الأسد الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي دعمت إيران في حربها المدمِّرة مع العراق خلال ثمانينات القرن الماضي، وكُل القادة العسكريين الإيرانيين حالياً هم من المحاربين القدامى في ذلك الصراع، ولا يزالون يحملون ندوباً وجدانية وجسدية ناتجة عن تلك الحرب.

من المعروف أن لدى طهران نطاق صغير جداً من الحلفاء، وستُضحِّي بالكثير لتجنُّب خسارة أقدم أصدقائها، بيد أن التحالف أكثر من مجرد عاطفة شخصية. إذ إن إيران وسوريا اقتربتا من بعضهما البعض أكثر خلال تسعينات القرن الماضي، وصارت سوريا ممر الدعم لحزب الله اللبناني، الذي استخدمته إيران منذ ذلك الحين وكيلاً لتهديد إسرائيل والضغط عليها، وليكون ركيزة إيران الاستراتيجية لردع واشنطن.

اجتماع لوزان


وذهبت واشنطن لحضور اجتماع في لوزان يبحث إيجاد حل بسوريا، حضرته إيران وروسيا وقطر وتركيا والسعودية، وانتهى السبت 15 أكتوبر/تشرين الأول 2016، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إنه أسفر عن توافق جيد حول عدد من الاحتمالات التي قد تقود إلى هدنة في سوريا، بينما قال وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف إن المشاركين في المحادثات متعددة الأطراف بشأن إنهاء الأزمة السورية اتفقوا على مواصلة الاتصالات في المستقبل القريب.

ولم يتضح بعد ما إذا كان ذلك يعني مزيداً من اللقاءات أو المناقشات عبر الهاتف.

لكن لافروف قال إن الأطراف المشاركة في محادثات لوزان بحثت عدة "أفكار جديرة بالاهتمام"، وإنهم يؤيدون بدء عملية سياسية في سوريا في أقرب وقت ممكن.

سوريا مهمة لإيران


وليس معروفاً ما إذا كانت روسيا أم إيران معنية أكثر بالوضع السوري إلا أن الحرس الثوري الإسلامي يرى أن سوريا مهمة جداً من الناحية الاستراتيجية حتى أنَّ إيران تُعدّها "المقاطعة الإيرانية الخامسة والثلاثين".

لذا وفق أوستوفار، سيكون فقدان مقاطعة خوزستان الجنوبية الغربية الغنية بالنفط (كما حدث في حرب العراق وإيران) أفضل من فقدان سوريا، كما يرى. كما يضيف المسؤول أيضاً: "لأنَّنا إذا حافظنا على سوريا، سنتمكَّن من استعادة خوزستان، بينما إذا خسرنا سوريا، لن نستطيع الحفاظ حتى على طهران".

أوباما يسعى لإنهاء الحرب السورية بطريقة غير تفاوضية


وتبحث الإدارة الأميركية خيارات عسكرية وخيارات أخرى في سوريا مع مواصلة الطائرات السورية والروسية قصف حلب وأهداف أخرى.

ويرى مسؤولون كبار أن الولايات المتحدة يجب عليها التحرك بقوة أشد في سوريا وإلا فإنها تخاطر بأن تفقد ما تبقى لها من نفوذ لدى المعارضة المعتدلة ولدى حلفائها من العرب والأكراد والأتراك في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال مسؤول – طلب عدم الكشف عن اسمه – إن بعض الخيارات تشمل عملاً عسكرياً أميركياً مباشراً مثل شن ضربات جوية على قواعد عسكرية أو مخازن للذخيرة أو مواقع للرادار أو قواعد مضادة للطائرات.

وأضاف المسؤول أن أحد مخاطر هذا التحرك يتمثل في أن القوات الروسية والسورية غالباً ما تكون متداخلة فيما بينها، وهو ما يثير احتمال مواجهة مباشرة مع روسيا يحرص أوباما على تجنبها.

وقال مسؤولون أميركيون إنهم يعتبرون أنه من غير المرجح أن يأمر أوباما بضربات جوية أميركية على أهداف للحكومة السورية، وأكدوا أنه قد لا يتخذ قراراً في الاجتماع المزمع لمجلسه للأمن القومي.

وذكر المسؤولون أن أحد البدائل هو السماح لحلفاء بتزويد معارضين مسلحين اختارتهم الولايات المتحدة بعد تمحيص بمزيد من الأسلحة المتطورة دون أن تشمل صواريخ مضادة للطائرات تطلق من على الكتف تخشى واشنطن أنها قد تستخدم ضد طائرات غربية. وامتنع البيت الأبيض عن التعقيب.

وتسعى أميركا لإنهاء الحرب الأهلية المستمر منذ 5 أعوام ونصف العام، التي أودت بحياة ما لا يقل عن 300 ألف شخص وشردت نصف سكان البلاد.

وقد يكون الهدف النهائي لأي عمل جديد هو دعم المعارضة المعتدلة كي يتسنى لها تفادي ما يعتبر على نطاق واسع الآن السقوط الحتمي لشرق حلب الذي تسيطر عليه المعارضة في يد قوات الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران.

وقد يخفف من حدة إحساس بالخيانة والخذلان بين المعارضة المعتدلة التي تشعر بأن أوباما شجع انتفاضتها بالدعوة إلى رحيل الأسد، لكنه تخلى عنها بعد ذلك متقاعساً حتى عن تنفيذ تهديده بشأن "الخط الأحمر" فيما يتعلق باستخدام سوريا أسلحة كيماوية.

وهذا بدوره قد يمنعها من الانضمام إلى جماعات إسلامية مثل جبهة النصرة التي تعتبرها الولايات المتحدة فرع القاعدة في سوريا. وقالت الجماعة في يوليو/تموز إنها قطعت علاقاتها مع القاعدة وغيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام.

وتطالب الولايات المتحدة الأسد بالتنحي، لكنه مستكين فيما يبدو إلى أنه سيبقى مسيطراً على أجزاء من البلاد بينما تخوض واشنطن معركة منفصلة ضد داعش.

إيران لا تميل للتفاهم


إذا نظرت إيران للحرب وفقاً لرؤية استراتيجية دقيقة، يمكن للمحادثات أن تُسفر عن تقدم مباشر باتجاه السلام. لكن طهران تنظر إلى الحرب بشكل مختلف عن واشنطن أو موسكو. وإيران أقل ميلاً بكثير لأن تتوصل لتفاهم مع روسيا والولايات المتحدة، لأن مصلحتها ليست استراتيجية فقط مثل روسيا، فهي تعتبر الحرب أمراً شخصياً وطائفياً وحتى وجودياً بالنسبة للعلويين في سوريا والشيعة في الدول المجاورة. لذا، إن فقد نظام الأسد سوريا، ستشعر إيران وحلفاؤها بأنهم قد يفقدون المنطقة بأكملها. من أجل ذلك، لم تتردد إيران أبداً في دعم الأسد، كما لم يبدُ أنها خطت خطوة واحدة تجاه تقليص طموحات الأسد في الصراع.

جدير بالملاحظة أيضاً أن القيادة العليا لإيران، المتمثلة في آية الله علي خامنئي، رفضت توسيع المحادثات الإيرانية-الأميركية إلى أبعد من الاتفاق النووي. ففي العام الماضي، جعل خامنئي من تلك السياسة أمراً جلياً عندما قال: "لقد وافقنا على إجراء محادثات مع الولايات المتحدة فقط من أجل المسألة النووية.. في الموضوعات الأخرى، لم نسمح بإطلاق محادثات مع الولايات المتحدة، ولن نتفاوض معهم".

هل تتراجع ايران ان إما كل شيء أو لا شيء


ولن تتراجع إيران عن استراتيجية "إما كل شيء أو لا شيء" المتطرفة التي تتبناها بشأن سوريا، إلا إذا شعرت بأنها مرغمة على القيام بذلك. أما في الوقت الحالي فليس لديها دافع كبير للقيام بذلك؛ لأن روسيا دعمت الموقف الإيراني ووفّرت التوازن المطلوب أمام ضغط الولايات المتحدة.

فقدت إيران بالفعل أكثر من 400 مقاتل من قواتها في الصراع، بمَن فيهم قيادات عُليا بالحرس الثوري، وهي نسبة خسائر بشرية أعلى من مثيلاتها في أي صراع منذ الحرب الإيرانية-العراقية. كما أن الحرب تُشكل عبئاً ثقيلاً وتكلفة باهظة. ربما تنفتح إيران على التسوية، لكن ذلك لن يحدث إلا إن رأتها الطريق الأفضل لتأمين مكاسبها الخاصة.

أما إذا تمسّك الطرفان بمواقفهما المتطرفة، حينها ستنتهي الحرب فقط عندما يخسر أحد الطرفين، ومع غياب ذلك، ستدوم الحرب والتدمير في سوريا إلى الأبد.

تحميل المزيد