البداية.. نواب الله “1”

بيكون عاش في عصر جاليليو الذي اخترع التلسكوب، وعرف بقانون بندول الساعة، وقال حينها إنها تدور، ولكن الكنيسة حاكمته وخيرته، فاختار التخلي عن رأيه، أما رفيقه برونوقتل فحرق بالنار.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/14 الساعة 01:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/14 الساعة 01:21 بتوقيت غرينتش

سبب كتابة هذه الكلمات:
نعم لقد قرأت العنوان، ولكن دعني أقل لك ماذا أقصد.

القصة ببساطة أن أناساً آمنوا بالله ووجدوا أنفسهم هم المؤمنين حقاً، وأرادوا أن يقيموا أنفسهم "نواباً" عن الله في الأرض لمحاسبة غير الملتزمين وغير المؤمنين.

وجاء أول شخص "ابن سبأ" ليضع مفهوم "نواب الله" تحت عنوان "عقيدة الوصاية"؛ لتعم الفتنة بين المسلمين، حيث قال:

إن أمر النبوة منذ آدم حتى محمد -صلى الله عليه وسلم- بالوصاية، أي أن كل نبي يوصي للنبي الذي بعده، وهذا تخريف منه وتحريف، وكان هناك ألف نبي، وكل منهم أوصى لمن بعده، فهل يأتي محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو خاتم الأنبياء، ولا يوصي بالأمر من بعده لأحد، إذن أوصى محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى أحد الناس.

هذا في البداية، ثم بدأ في البحث عن رجل إذا تكلم عنه أمام الناس يخجل الناس أن يردوا كلامه، فقال: إن محمداً -صلى الله عليه وسلم- أوصى بالأمر لعلي، وقد علمت ذلك منه، ووضع حديثاً في ذلك يقول -افتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم: أنا خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء، أو الأولياء. وهذا حديث موضوع كما أوضح الألباني.

نواب الله الذي يحكي الإمام الشاطبي عن الإمام الشهير عبد الرحمن بن بطة الحافظ مع أهل زمانه، إذ حكى عن نفسه فقال: عجبت من حالي في سفري وحضري مع الأقربين مني والأبعدين، والعارفين والمنكرين، إن صدقت من دعاني لموافقته سمّاني موافقاً، وإن وقفت في حرف من قوله أو في شيء من فعله سماني مخالفاً، وإن ذكرت في واحد منها أن الكتاب والسنة بخلاف ذلك وارد سمّاني خارجيّاً، وإن قرأت عليه حديثاً في التوحيد سماني مشبهاً، وإن كان في الرؤية سماني سالميّاً، وإن كان في الإيمان سماني مرجئيّاً، وإن كان في الأعمال سماني قدريّاً، وإن كان في المعرفة، سماني كراميّاً، وإن كان في فضائل أبي بكر وعمر، سماني ناصبيّاً، وإن كان في فضائل أهل البيت، سماني رافضيّاً.

وإن سكت عن تفسير آية أو حديث فلم أجب فيهما إلا بهما، سماني ظاهريّاً، وإن أجبت بغيرهما، سماني باطنيّاً، وإن أجبت بتأويل، سماني أشعريّاً وإن جحدتهما، سماني معتزليّاً، وإن كان في السنن مثل القراءة، سماني شافعيّاً، وإن كان في القنوت، سماني حنفيّاً، وإن كان في القرآن، سماني حنبليّاً.

وإن ذكرت رجحان ما ذهب كل واحد إليه من الأخيار، إذ ليس في الحكم والحديث محاباة قالوا: طعن في تزكيتهم.. ثم أعجب من ذلك أنهم يسمونني فيما يقرأون عليَّ من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما يشتهون من هذه الأسامي، ومهما وافقت بعضهم عاداني غيره، وإن داهنت جماعتهم أسخطت الله -تبارك وتعالى-، ولن يغنوا عني من الله شيئاً.

أما إسلامنا فمختلف تماماً، وإن أردت التكلم عنه بإيجاز فلن أستطيع أن أعرف منهجه، ولكن يمكنني القول إن الإسلام:
تلك الرسالة الربانية التي أنزلها الله -سبحانه وتعالى- إلى العالمين جميعاً، نعم إلى العالمين جميعاً، لم يختص بها قوماً أو مجموعة أفراد أو منطقة بعينها، بل كانت دعوة شاملة للجميع، فمن يُسلم ويدخل إلى الإسلام يتبع تعاليم الإسلام كما أنزله الله، ومن يأبى الدخول إليه لا يُفرق تعاليم الدين بينه وبين المسلم، ويترك ما بينه وبين ربه لله وفقط.

نعم إنها رسالة شاملة للكل، مُحتوية في باطنها للكل، دعوة غايتها الرحمة، والرحمة لا تكون باستثناء أحد أو عقاب أحد، ولكن الدعوة تكون بالشمول مع احتواء، فينعكس ذلك في مردود الأفعال الحسنة بين الجميع، فتتحقق غاية الوجود على الأرض، ألا وهي أداء تكليف كل شخص الذي خُلق من أجله "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها".

فسيدنا محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام- لم تكن دعوته سوى في مبدأ الرحمة، نعم الرحمة التي تسبق العدل، نعم الرحمة التي تسبق الحرية، نعم الرحمة هي الرحمة… وأي رحمة للإنسان سوى عقله هذا الذي يجب عليه الاعتناء به، والذي إن تلوث خاب سعيه، وانحرف عن غاية وجوده على الأرض، واتبع تكليف نفسه الأمارة بالسوء التي تريد الشيء السهل، ولا شيء أسهل سوى الشهوات وغيرها من الذنوب.

لذلك كانت الدعوة هي الرحمة في إنارة ذاك الضوء الذي خفت انبعاثه في ذاك العقل المملوء بالظلام، نعم الدعوة رحمة في منهج "إخراج الناس من الظلمات إلى النور".

ولكن أيكون إخراج الناس من الظلمات بالعنف؟ أيكون إخراجهم بتحقيرهم أمام أنفسهم؟ أيكون إخراج الناس يقطع رؤوسهم؟

"لِيُخْرِجكُمْ مِنَ الظُّلُمَات إلى النُّور"، لم يذهب رسولنا الكريم محمد ليقطع رؤوسهم أو ليأخذ مكانتهم أو أموالهم ليخضعوا له، بل هم من عرضوا عليه أن يأخذ.

ولم يذهب إلى الكعبة التي كانت مُحاطة بالأصنام، فلم يأخذ شيئاً صلباً لتكسير تلك الأصنام، فتلك لا شيء، أما العقل فهو الذي سينسفها نسفاً، إن تمت مهمة إعادته للحياة، عبر إنارته مرة أُخرى، نعم مهمته الرحمة، والرحمة تتم زراعتها في قلب الإنسان ليُنير العقل.

ولكل قصة بداية وفصول وتفاصيل ونهاية، تختلف المعارك ما بين الشرق "المسلم" والغرب "المسيحي"، فالغرب المسيحي معاركه كانت عبارة عن: معارك ضد نواب الله مع محاكم التفتيش وصكوك الغفران وحق الملك الإلهي وحروب الإصلاح الديني، تساؤلات الشباب في باريس تنطلق من الرشدية تطالب بتقبل المعقول دون سواه، وثار رجال الدين.

وفي القرن الثالث عشر بعث هؤلاء إلى البابا برسالة تقول: "أنجدونا بمن يصرف أفكار الشباب عن الرشدية"، فاختار البابا شاباً من خريج جامعة باريس نبيهاً ذلق اللسان، حاضر البديهة، نشيطاً، غزير الإنتاج اسمه توما الأكويني، وكان مطلعاً معجباً في قرارة نفسه بالرشدية، ولكنه قبل المهمة ووضع قواعد توفيقية، ومنها الآتي ككل ما جاء في الكتاب المقدس وأقوال رجال الكنيسة فهو حق، كل ما قال به أرسطو لا يناقض ذلك فهو حق، كل ما أفضى إليه العلم مما لا يناقض هذا فهو حق.

فكان الأكويني هو من خاض بشكل رسمي ومباشر معركة العقل والإيمان.

أما في الإسلام بدأ في العهد الأموي، قام واصل بن عطاء بتأسيس ما يسمى بفرقة المعتزلة؛ حيث اعتزل مجالس كبار الفقهاء، لماذا يحارب كبار الفقهاء المعتزلة الذين يريدون حرية الفكر؟ فالقرآن يدعو إلى المشاهدة والنظر في الأرض، وفي السماء، إلى أن أتى بيكون ووضع كتاباً، وهو الكتاب الوحيد الذي وضعه باللغة الإنجليزية، والكل باللاتينية.

وكان هدف الكتاب فكرة الجمعية العلمية أتلانتا الجديدة، تقوم بإحصاء وتصنيف وعمل وتجارب، وكان الهدف معرفة أسرار الكون، وكان من أجل المثالية أن يتطهر الضمير من 4 أوثان: القبيلة، والكهف، والسوق، والحياة.

بيكون عاش في عصر جاليليو الذي اخترع التلسكوب، وعرف بقانون بندول الساعة، وقال حينها إنها تدور، ولكن الكنيسة حاكمته وخيرته، فاختار التخلي عن رأيه، أما رفيقه برونوقتل فحرق بالنار.

كوبرنيكوس خاف من غضب الكنيسة، وخشي معه نشر الكتاب، فوضع مقدمة تقول إن الكتاب رياضي، وما فيه من نظريات افتراض ثبوت الشمس ودوران الأرض هي نظرة رياضية اقتضتها الحسابات.

أما معارك الشرق المسلم:
بعض منها:
معارك ضد عثمان بن عفان، ثم علي، ثم الأمويين، ثم الإمام أبو حنيفة، ثم الإمام أحمد بن حنبل، ثم الإمام البخاري، ثم الطبري، ثم الجعد بن هشام، ثم غيلان الدمشقي.. إلخ.

ولا ننسَ "المعتزلة":
هم جماعة واصل بن عطاء، من تلاميذ الحسن البصري، حضر حلقته، وجرى نقاش حول مرتكب الكبيرة، فقال: كافر، وقال آخر: مؤمن، وخالفهما واصل بأنه في منزلة بين الاثنين، فاستنكر الحسن البصري رأيه، فاعتزل الحلقة، فقربهم المأمون وطلب منهم نقل الفلسفة الإغريقية، ولكن المأمون قضى بعزل كل قاضٍ لا يقول إن القرآن مخلوق، وكان الإمام أحمد بن حنبل من ضحايا المحنة، ثم لا ننسَ أن الطبري من ضحايا اتباع أحمد بن حنبل.

وسنذكر الباقي بالتفصيل عن معارك نواب الله مع أهل العلم في الشرق والغرب، ضمن سلسلة مقالات متعددة متتالية، كلما سمح الوقت بذلك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد