بناء المدن الجديدة الذي بدأ في عصر الانفتاح كسياسة انتهجها السادات في فترة حكمه للبلاد، كان الهدف الرئيسي منها إيجاد توفير مساكن بديلة للشباب والأسر المصرية بعيداً عن زحمة القاهرة والإسكندرية، وتوفير فرص عمل جديدة بتلك المناطق؛ لتكون مجتمعات عمرانية جديدة متكاملة الخدمات والمعيشة للمواطنين.
لكن يبقى السؤال: هل نجحت تلك المجتمعات العمرانية الجديدة في تحقيق أهدافها وتخفيف عبء الكثافة السكانية الكبيرة عن العاصمة؟
وفق إحصاء الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2006 أن حجم المناطق العشوائية بمصر بلغ نحو 1221 منطقة؛ حيث جاءت محافظة القاهرة في المركز الأول في عدد المناطق العشوائية بنحو 81 منطقة، منها 12 منطقة مطلوب إزالتها، و67 منطقة تحتاج لإعادة تطويرها، وجاءت محافظة الإسكندرية في المركز الثاني بنحو 41 منطقة عشوائية، منها 8 مناطق تحتاج إلى الإزالة و33 منطقة تحتاج إلى إعادة التطوير، وجاءت محافظة الجيزة في المركز الثالث؛ حيث بلغ عدد المناطق العشوائية بها نحو 32 منطقة، منها 4 مناطق مطلوب إزالتها، و28 منطقة مطلوب إعادة تطويرها، والباقي يتوزع على المحافظات الأخرى.
عجز الدولة عن توفير السكن وسحب يدها من تنظيم الإيجار والبناء للفقراء أدى إلى ظهور العشوائيات كمحاولة ذاتية لحل مشكلة ندرة السكن، وكان من صور العشوائيات ليس فقط البناء العشوائي، ولكن البناء العشوائي على أراضي الدولة، فتشتت الجهات الحكومية المالكة لأراضي الدولة أظهرت ما يسمى بوضع اليد من قِبل أفراد من المواطنين بالقوة، وبالتالي تتشتت المسؤولية في المحاسبة، وقبل الانتخابات الرئاسية في عام 2005 تضمن البرنامج الانتخابي لمرشح الحزب الوطني "مبارك" بند تقنين أوضاع العشوائيات، فصدر القانون رقم 148 – لسنة 2006 بشأن تعديل بعض أحكام قانون المناقصات والمزايدات وأجاز التصرف في العقارات المخالفة على أرض الدولة لواضعي اليد عليها، وكان قد سبقه القانون رقم 138 لسنة 2006 والخاص بإدخال المرافق في العقارات المخالفة المقامة قبل العمل بهذا القانون.
وقد اكتشف جهاز حماية أملاك الدولة نهب 14 مليون فدان، ثم ظهر ما يعرف بالتصالح مع واضعي اليد، وخاصة تلك الأراضي التي تقع على السواحل؛ حيث تقوم اللجنة المشكلة من الهيئة العامة للإصلاح ببحث وضع تلك الأراضي وتضم ممثلين عن مديريات المساحة والشهر العقاري والتخطيط العمراني، وتعرض هذه اللجنة نتائج المعاينة على لجنة أخرى تسمى لجنة البيع؛ لكي تأخذ بسجل الأسعار الذي حددته هيئة المساحة.
وبعد ذلك يحصل من استولى على الأراضي على رخصة لكي يبيع المتر بأضعاف أضعاف ما تحصل عليه، ووصل التسيب أن قبائل "أولاد علي" ادعت ملكيتها للساحل الشمالي، وبهذه الطريقة قامت ببيعه للجمعيات وشركات الإسكان.
أما الدفاتر الرسمية المدون فيها أملاك الدولة فتعود إلى عام 1930 بدون خرائط التي لم تظهر إلا عام 1967، وكما هو واضح فإنها تعود لأيام لم تكن هناك ضواحٍ مثل مدينة نصر ومصر الجديدة وشارع الهرم وفيصل والمهندسين، ووقتها كان يحق لأي فرد أن يمتلك الأرض التي يتطوع لردمها بالتراب وتجفيف المستنقعات.
ثم توزعت أراضي الدولة بين عدة جهات، كالجمعيات واستصلاح الأراضي، والتنمية الزراعية، والسياحة والمجتمعات العمرانية الجديدة، والري والسكة الحديد، والطرق والكباري والأوقاف، وبالتالي خلقت مشاكل ما يعرف بحدود المحافظات، ومع وجود القانون رقم 43 لسنة 1979 الخاص بالإدارة المحلية؛ حيث حدد أن المجلس المحلي للمحافظة هو المسؤول عن تخصيص الأراضي، بالتالي لا يملك المحافظ أي صلاحية في التخصيص أو التوزيع.
ولمواجهة قضية العشوائيات، اتجهت الحكومة المصرية إلى إنشاء ما يعرف بالمجتمعات العمرانية الجديدة، بعضها وحدات سكنية كاملة المرافق، وبعضها ما يعرف بـ"المسكن النواة" وهو توفير الأرض وبعض المرافق.
مثل مدن "السادات، 6 أكتوبر، العاشر من رمضان، 15 مايو، برج العرب الجديدة دمياط الجديدة، الصالحية الجديدة، العبور، الشروق، القاهرة الجديدة، الشيخ زايد، بدر، بني سويف الجديدة، النوبارية الجديدة، المنيا الجديدة، أسيوط الجديدة، طيبة الجديدة، سوهاج الجديدة، أسوان الجديدة، الفيوم الجديدة، قنا الجديدة، شمال خليج السويس، أخميم الجديدة، الأقصر الجديدة، توشكى الجديدة، شرق العوينات، شرق بورسعيد – المليونية، العلمين الجديدة، الفرافرة الجديدة.
وبداخل المدن الجديدة تم إنشاء العديد من مشروعات الإسكان المستقلة عن المجتمعات العمرانية الجديدة، مثل: مشروع مبارك لإسكان الشباب، ومشاريع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ومشاريع بنك التعمير والإسكان، ومشروع ابني بيتك، ومشروع دار مصر، ومشروع الإسكان الاجتماعي "المليون وحدة سكنية"، ومشروع دار مصر.
وواجهت أيضاً المجتمعات العمرانية الجديدة مشاكل في زيادة التكلفة، وبالتالي عدم مقدرة الفئات المستهدفة على الحصول على الوحدات السكنية المنشأة لهم، وظهور فكرة أو نظام "المضاربة" على الوحدات السكنية من رجال الأعمال.
ولم تنجح بعض المدن أيضاً في تحقيق أهدافها بسبب القصور في فكر تخطيط المجتمعات العمرانية الجديدة وعدم وضع المحددات التي تمنع من نموها تجاه العاصمة ونموها، حيث ما كانت مخططة له في اتجاه الصحراء، بالتالي ازدادت الكثافة السكانية على العاصمة وقلَّت نسب الإشغالات فيها حتى أطلق عليها في التسعينات "مدن الأشباح"، ويرجع ذلك لعدة أسباب، منها:
• الافتقاد إلى عملية المشاركة المجتمعية في التخطيط.
• عدم ملاءمة عملية التخطيط لمنهجية التخطيط Master Plane، فيتعذر تقدير المتغيرات المستقبلية وحجم السكان.
• المبالغة في تقدير أحجام السكان، بالتالي يتم إهدار الكثير من الاستثمارات الحكومية.
ولم تنجح المدن الجديدة في استيعاب الزيادة السكانية الموجودة في القاهرة والإسكندرية وجذب الهجرة من الريف إلى الحضر بسبب:
• عدم ملاءمة الموقع.
• عدم توفير الخدمات بشكل كامل.
• فرص العمل غير المتوفرة للسكان بها.
• العوامل الاجتماعية، فإنها تكون أكثر عزلة من المناطق القائمة نفسها.
فبالتالي وجد نمو عمراني على أطراف المدن تجاه المحاور التي تربطها بالمدينة الأم عكس المخطط لها، مثل:
• اتجاه نمو مدينة 6 أكتوبر نحو محور القاهرة – الإسكندرية ومحور الواحات – الفيوم، وكان مفترضاً نموها شمالاً تجاه الأراضي الصحراوية.
• نمو مدينة برج العرب تجاه مطار غرب الإسكندرية بدلاً من اتجاهها غرباً في الأراضي الصحراوية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.