تحظى كتب تطوير الذات بشهرة واسعة لدى القراء حول العالم، من كتاب السرّ، إلى كتاب الرجال من المريخ والنساء من الزهرة، وكتاب كيف تكسب الأصدقاء؟ وحتى كتاب فكّر تصبح غنياً.
تخبرنا هذه الكتب بأنه في حالة اتباع بعض النصائح سوف نصبح أسعد الناس، ونتغلب على مشاكلنا ونصبح أغنياء وننجح في علاقتنا وحياتنا، من أسباب نجاح هذه الكتب هو أننا كبشر اجتماعيون ونحتاج إلى المساعدة أو التعزيز والتأكيد من الآخر، كما أننا كذلك نبحث عن حلول سريعة وفي السر.
ولكن هل كتب تطوير الذات فعّالة وصادقة؟ الواقع أن بعض كتب تطوير الذات تحوم حولها عدة شكوك وخرافات، لا أقصد هنا جميع كتب تطوير الذات، بل أستثني كتبَ علاج بعض المشاكل المحددة، كالتخلص من القلق، والكتب التي يكتبها مختصون في مجالهم، كأطباء علم النفس مثلاً.
مشكلة كتب تطوير الذات أنها تتجاهل الدراسات العلمية -أو تزيّفها- وتكون مبنية فقط على منظور شخص واحد قد لا تكون لديه أي مؤهلات سوى خبرته في الحياة أو ظهوره على برنامج أوبرا.
فالحقيقة أن كتب تطوير الذات لا تساعد، بل بالعكس قد تؤثر سلبياً عليك وعلى حياتك؛ لأنها توفر لك آمالاً ووعوداً خادعة، ولنأخذ بعض ادعاءات كتب تطوير الذات ونقارنها بالدراسات العلمية.
تقول آني ميرفي بول، الكاتبة في مجال العلوم، إن كتب تطوير الذات تنصحك مثلاً بإظهار غضبك وعدم كبته، ولكن علمياً، تشير بعض الدراسات إلى أن إظهار غضبك يساعد على زيادته، بمعنى، إظهار غضبك في كل مرة يساعد على جعله حياً بداخلك، وهذا يؤثر عليك صحياً.
على النقيض، ينصح علماء النفس في حالة الغضب بالتحدث مع صديق أو مشاهدة فيلم كوميدي أو الاستماع إلى الموسيقى.
من نصائح كتب تطوير الذات أيضاً ما يسمى بتأكيدات النفس، بمعنى أن تقول لنفسك: أنا قوي، أنا سأنجح، لا يهمني كلام الناس.. إلخ، أو تقوم بكتابة هذه الجمل على مكتبك أو حائط غرفتك.
العلم يقول بأن تغيير الذات أو ما نعتقده تجاه أنفسنا أعقد من ذلك، وأن مثل إعادة هذه الجمل على أنفسنا تجعلنا أكثر إحباطا.
السبب هو أن ما نعتقده أو نقوله لأنفسنا ليس له قيمة عندنا، ما يهم هو أفعالنا، وإنجازاتنا، والتغذية الراجعة على ما نقوم به من أشخاص يهموننا.
أخيراً، تقول الكاتبة، تنصح كتب تطوير الذات بتخيل وتصور نجاحك وماذا ستكون عندما تصل لهدفك، الواقع أن تخيل أهدافك بشكل واضح في عقلك لن يجعلك تقترب من أهدافك، بالعكس، قد يبعدها عنك.
السبب هو أن تصور وتخيل الأهداف يفصلها عن الواقع ويفصلك كذلك عما يجب عليك فعله واقعياً، فتصور الأهداف يعطيك شعوراً كاذباً بالسعادة اللحظية من دون أن تقوم بفعل شيء على أرض الواقع.
الحل هو كتابة الخطوات الفعلية التي ستوصلك لهدفك ومن ثم تعزيز هذه الخطوات عقلياً ودائماً.
إذا أردت أن تنجح في مادة في المدرسة، لا تتخيل حصولك على درجة عالية، بل تخيل جلوسك في المكتبة لساعات وأنت تذاكر.
هذه فقط بعض من الادعاءات الخاطئة والمزيفة التي تسوقها لنا كتب تطوير الذات؛ لتحمي نفسك، واجه هذه الكتب بقدر من الشك والمنطق، لا تسلم عقلك لها وتجعلها تتسلل إليك، وتتسبب في إحباطك أو سرقة آمالك وطموحاتك.
حتى لو افترضنا أن المعلومات والنصائح الواردة في كتب تطوير الذات علمية ودقيقة، فإن نسبة نجاحك من قراءتها ضئيلة جداً، بعض الدراسات تشير إلى أن من يقرأ كتب تطوير الذات لا ينفذ ما فيها، بل حتى قد تزيده إحباطاً واكتئاباً.
السبب أنها غير واقعية، لا تأتي بمعلومات جديدة تجهلها وتخبرك بأن تكون شخصاً آخر.
في اعتقادي، فإن مؤلفي كتب تطوير الذات لم ينجحوا في حياتهم ويتخلصوا من مشاكلهم -إذا افترضنا أنهم كذلك فعلاً- لأنهم قرأوا كتب تطوير الذات، بل نجحوا لأنهم يعرفون ماذا يريدون من الحياة ثم سعوا إليه وعملوا من أجله.
لا أعتقد أنه توجد لديهم وصفات سحرية ستساعدك في نجاحك أو التخلص من إحباطك.
عندما سألوا الروائي العالمي ستيفن كينغ كيف كان يكتب رواياته الناجحة بعدما تعرض لسلسلة من الإدمان على المخدرات والكحول، قال بكل بساطة، أجلس على مكتبي وجهاز الكمبيوتر أمامي، أفصل الإنترنت ثم أكتب، فقط، لا طقوس، لا تعزيز نفسي، ولا كتابات جمل على الحائط.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.