بين الحسين ويزيد

في كربلاء كان صراعاً بين رجل ليس هو من أهل الرأي، ولا هو من أهل الصلاح، ولا هو ممن تتفق عليه الآراء، ولكنه فتى عربيد يقضي ليله ونهاره بين الخمور والطنابير، ولا يفرغ من مجالس النساء، إلا ليهرع إلى صيد، فيقضي أياماً وأياماً لا يبالي بأحوال الرعية، همه الواحد نفسه وملذاته، في مقابل رجل شريف تعلم في صباه ما يتعلمه أبناء زمانه من فنون العلم والأدب والفروسية، وصاحب طبع صريح، ولسان فصيح، من أسرة من طبعها النخوة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/13 الساعة 04:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/13 الساعة 04:43 بتوقيت غرينتش

لم يشهد التاريخ صراعاً بين الحق والباطل، صراعاً بين المثالية في أنقى صورها وبين النفعية في أحقر صورها، كما شهده في كربلاء، المثالية التي يتجاوز بها الإنسان ذاته في سبيل معنى من المعاني، أو مثال عالٍ من الأمثلة العليا، والنفعية التي تخرج أسوأ ما في الطبيعة البشرية، الطمع والغدر والحقد.

ومن عجائب الصدف أن الاختلاف كان بين الحسين ويزيد حتى في تلك الأمور التي ليس للمرء فيها يد، فالحسين عريق النسب والمكانة، فهو ابن علي بن أبي طالب وفاطمة رضي الله عنهما، حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، و"يزيد" ابن معاوية بن أبي سفيان، وحفيد أبي سفيان، محزب الأحزاب، الذي حارب الإسلام حتى النهاية، وحتى لم يبقَ له بُد.

ومن المفارقات أن الحسين شهد له أشراس أعدائه، هو معاوية بن أبي سفيان، عندما طلب منه أحد نوابه أن يكتب له كتاباً يصغر له فيه نفسه، فقال له: وما عسيت أن أعيب حسيناً؟ والله ما أرى للعيب فيه موضعاً، ويزيد ذمه أقرب الناس إليه، هو ابنه معاوية بن يزيد، في خطبة له طويلة هذا منها، ثمّ قلّد أبي الأمر، وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقصف عمره، وانبتر عقبه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه، وذمه أهل مدينة رسول الله.

فقال عبد الله بن حنظلة: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد، والبنات، والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة.

في كربلاء كان صراعاً بين رجل ليس هو من أهل الرأي، ولا هو من أهل الصلاح، ولا هو ممن تتفق عليه الآراء، ولكنه فتى عربيد يقضي ليله ونهاره بين الخمور والطنابير، ولا يفرغ من مجالس النساء، إلا ليهرع إلى صيد، فيقضي أياماً وأياماً لا يبالي بأحوال الرعية، همه الواحد نفسه وملذاته، في مقابل رجل شريف تعلم في صباه ما يتعلمه أبناء زمانه من فنون العلم والأدب والفروسية، وصاحب طبع صريح، ولسان فصيح، من أسرة من طبعها النخوة.

ولما كانت هذه هي صفات الرجلين، كان حقاً أن يكون لأنصارهما حظ منها، فكان أنصار الحسين رجالاً لا يخشون في الله ملكاً ظالماً ولا أميراً جائرا، وحسبك قصة ذلك الشيخ الضرير هو عبد الله بن عفيف الأزدي، ينهض للوالي الظالم، في يوم زهوه، بعد أن قال يوم استشهاد الحسين: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب، الحسين بن علي وشيعته، فيقول له: يا ابن مرجانة، أتقتل أبناء النبيين وتقوم على المنبر مقام الصديقين؟ إنما الكذاب أنت وأبوك، والذي ولاك وأبوه.

فيما كان أنصار يزيد جلادين وكلاب طراد في صيد كبير تمتلئ صدورهم بالحقد، ولا سيما من كان منهم في مكانة الحسين، في مقابل المال، على استعداد لإباحة مدينة رسول الله وقتل أكثر من عشرة آلاف من النساء والرجال والأطفال، كما فعل مسلم بن عقبة، قائد جيش يزيد، في مدينة رسول الله، بأمر من يزيد، ثم كتب إليه رسالة يقول له فيها: "فأدخلنا الخيل عليهم فما صليت الظهر إلا في مسجدهم بعد القتل الذريع والانتهاب العظيم، وأوقعنا بهم السيوف، وقتلنا من أشرفهم، وأتبعنا مدبرهم، وأجهزنا على جريحهم، وانتهبناها ثلاثاً، كما قال أمير المؤمنين، أعز الله نصره".

يجب أن نسجل هاهنا نقطة غائبة عن كثير ممن كتبوا عن الحسين، وهي يوم كربلاء، لم يقل الحسين: هيهات منَّا الكفر، قال: هيهات منَّا الذُّل؛ لأن النبي علَّمه أن الذل كفر الحقيقة، أن الحسين حمل روحَ الجد محمد وهو كبير يحارب في كربلاء أكثر مما حمل الجد محمد جسده وهو صغير يلعب في يثرب، هذا معنى لم يعِه كثير من الذين كتبوا عن كربلاء وعن الحسين.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد