الصداع النصفي "الشقيقة": هو "حالة مرضية مزمنة"، حسبما عرفته منظمة الصحة العالمية، كما اعتبرته من أكثر عشرين مرضاً يعيق حياة الفرد طوال عمره، وسمي بالشقيقة أو النصفي؛ لأنه غالباً ما يصيب نصفاً أو شقاً من الرأس، "إما الأيمن أو الأيسر"، وقد ينتقل الألم من جهة إلى أخرى خلال النوبة، وهو أحد الأنواع العديدة للصداع.
التسمية الإنجليزية لهذا المرض المزمن "Migraine"، مشتقة من اللغة اليونانية "الهيميكراين"، وتعني الألم الحاد أو النابضة في جانب واحد من الرأس، والتي أصلها "هيمي"، وتعني "نصف"، و"كرانيون"، وتعني "جمجمة".
هذا المرض معروف في تاريخ الطب القديم منذ حوالي 4000 عام، وقد تم ذكره في بعض الكتب السماوية.
الجدير بالذكر أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- كان مصاباً به، وكان يستخدم الحجامة لعلاجه، وقد أصابت إحدى نوباته النبي أثناء معركة الاستيلاء على خيبر عام 628م، وكان النبي في الثامنة والخمسين من عمره، فترك القيادة فترة من الوقت لعلي بن أبي طالب، قائلاً: "سأعطي الراية رجلاً ليس بفرَّار، يحب الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله، ويفتح الله على يديه".
وعلى الرغم من أن صحابيين هما أبوبكر وعمر سبقاه إلى هذه القيادة، وإن لم تتحقق نتيجة معهما، فإن الشيعة حين يتحدثون عن حق علي -رضي الله عنه- في إرث الخلافة النبوية يستشهدون بهذه الرواية، بينما السُّنة يدافعون عن حق أبي بكر في الخلافة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ارتضاه إماماً لهم في الصلاة في مرض موته، والصلاة هي عمود الدين، وتلك إشارة إلى ارتضائه لهم إماماً في الخلافة التي هي سياسة الدولة بالدين.
مع أن النبي صلى مأموماً أيضاً خلف عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- الذي أصبح فيما بعد واحداً من الستة المرشحين لمنصب الخلافة، بعد سيدنا عمر -رضي الله عنه- ولم نجد من الصحابة أو منه شخصياً حديثاً عن أحقيته بالخلافة؛ لأنه أمّ النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة.
مثل هذه الروايات حينما نتحدث عنها فنحن نعالج مرضاً لا يقل خطورة عن مرضنا الذي نتحدث عنه، وهو الشقاق الذي يعصف بجسم أمتنا، نتيجة لقياسات وأفكار سطحية حولت خلافة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى صراع ممتد لقرون، مع أن شخوص المشهد قد واراهم الثرى، إلا أن أقوالهم والروايات عنهم حُمّلت ما لا تحتمل، وفُسّرت على نحو بعيد عن الواقع وبساطته، مما يخلق الخلاف ويؤجج الفتنة.
الصداع النصفي الذي يذهب بعض الأطباء إلى تسميته بمرض الأذكياء؛ حيث يستهدف بشكل أساسي الأشخاص الأذكياء الذين يستخدمون عقولهم كثيراً، يحدث نتيجة لوجود خلل في توازن المواد الكيماوية في الدماغ، من بينها الناقل العصبي المسمى "السيروتونين"، الذي يساعد على تنظيم الألم في الجهاز العصبي؛ حيث يطلق عليه هرمون السعادة ونواقل عصبية أخرى.
انخفاض مستويات السيروتونين خلال حدوث الصداع النصفي يؤدي إلى تحفيز العصب الثلاثي التوائم -العصب الخامس- لإفراز مواد تسمى نيوروبيتيد، التي تنتقل إلى الغطاء الخارجي للدماغ (السحايا)، فتؤدي إلى توسع والتهاب الأوعية الدموية.
وقد أشارت الأبحاث الحديثة التي أجراها فريق من الباحثين بكلية الطب بجامعة "بنسلفانيا" الأميركية إلى أن شبكة الشرايين التي تغذي الدم إلى المخ يوجد بها اختلافات تشريحية في بنيتها بين الأشخاص الذين يعانون من الصداع النصفى بصورة متكررة؛ حيث تسهم هذه الاختلافات في إعاقة التدفق الطبيعي والسليم للدم إلى الخلايا الحيوية للدم، وذلك بالمقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون من اختلافات في بنية هذه الشرايين.
وعلى الرغم من هذا الاعتقاد الراسخ بأن منشأ الصداع النصفي يعود إلى الأوعية الدموية، فإن ثمة نظريات سائدة تشير إلى أن الصداع النصفي ينشأ أصلاً داخل الدماغ ناجماً عن ظهور موجات سريعة تتولد من نشاط خلايا الدماغ.
وتخترق هذه الموجات لحاء الدماغ، أي الطبقة الخارجية الرقيقة لأنسجة الدماغ، ثم تعقبها فترات من الخمول، ويطلق على هذه الظاهرة (الانضغاط اللحائي المنتشر)، وقد رصدها العالم البرازيلي أريستيدس لياوا، لأول مرة عام 1944 في أدمغة الجرذان.
ومن الأشياء التي تثير الصداع النصفي المواد الغذائية التي تحتوي على مادة تايرامين -مثل أنواع الشيكولاتة والجبن القديمة والمحلى الاصطناعي بديل السكر المسمى "أسبارتيم"- والتغيرات في الطقس والروائح القوية، وتلوث الهواء، كما أن عدم معالجة الجيوب الأنفية يؤدي إلى الصداع النصفي.
ينقسم الصداع النصفي إلى الصداع النصفي مع الهالة "aura"، والهالة هي مجموعة من الإشارات التحذيرية تسبق الإصابة بالنوبة وتظهر أعراضها تدريجياً، وتكون الأعراض إما بصرية، وهي الأكثر شيوعاً؛ حيث يرى المرضى ومضات ولمعاناً ويشكون عدم وضوح الرؤية أو أعراضاً حسية؛ حيث يشعر المريض بحكة، بالإضافة لخدر في الفم أو اليد أو الذراع، أو قد تكون الأعراض حركية؛ حيث يشعر المريض بالوهن والتعب أو اضطرابات في القدرة على الكلام.
كما يمكن أن تشمل الأعراض الهلوسة السمعية أو الشمّية، وتغيير المزاج والاكتئاب، والصداع النصفي غير مصاحب لوجوده هالة وهو الأكثر شيوعاً.
الطريف أن متلازمة "أليس في بلاد العجائب" هي جزء من هالات الصداع النصفي، وتسمى أيضاً متلازمة تود -نسبة إلى الطبيب النفسي الإنجليزي جون تود في عام 1955 الذي اكتشفها- أو هلوسة الصداع النصفي، واسمها الأول "متلازمة أليس في بلاد العجائب"، نسبة إلى الرواية الشهيرة التي ألفها الكاتب وعالم الرياضيات الإنجليزي تشارلز دودجسون، تحت اسمه المستعار لويس كارول في عام 1865 ليجسد معاناته مع الاضطراب العصبي بما في ذلك الهلوسة، والصداع النصفي، فحولها إلى واحدة من الروائع الفنية الخالدة، فقد كانت تظهر له الأشياء من حوله أكبر مما هي عليه في الواقع، وكانت تجعله يشعر بأنه صغير جداً، وهو ما نجح في تصويره في قصة "أليس في بلاد العجائب"، بعد أن تقوم أليس بشرب الزجاجة التي تقول "اشربني".
تستمر نوبات الألم من ساعتين إلى 3 أيام أحياناً إذا لم يتم علاجها، وتتفاوت حدتها من شخص إلى آخر، ويشيع هذا المرض عند النساء أكثر من الرجال وذلك نتيجة للهبوط العادي في مستويات الاستروجين الذي يحصل مع الدورة الشهرية؛ حيث تشير الدراسات إلى أن الاستروجين له تأثير مباشر على الأوعية الدموية، ربما عن طريق تنبيه وتنشيط إطلاق أكسيد النتريك الموسع النشيط لجدران الأوعية الدموية.
وعندما تنخفض مستويات الاستروجين تنقبض الأوعية الدموية وتتوسع بشكل متقطع مؤدية إلى ذلك الشعور بالنبض الذي يعاني منه المعرضون للصداع النصفي.
يمكن الحد من هذه الآلام من خلال الراحة وتعاطي المسكنات مثل الإسبرين والأسيتامينوفين ومن العقاقير الأخرى والقديمة نسبياً الإرجوتامين، والجمع بينه وبين الكافيين يعطي تأثيراً أعلى، كما يؤخذ عادة معه دواء مضاد للغثيان والقيء الناشئ عن الإرجوتامين مثل الميتوكلوبراميد.
وقد وجد أن حقن الدايهيدرورجوتامين، وهي أحد مشتقات الإرجوتامين فعالة في علاج نوبات الصداع النصفي المصاحب للدورة الشهرية، ولأن الإرجوتامين (والأدوية المشتقة منه) قد يتسبب في ضيق الأوعية الدموية في أنحاء شتى من الجسم؛ لذا ينبغي تجنب استعماله في أمراض ينشأ عنها ضيق في الأوعية الدموية، مثل مرض الشريان التاجي.
وتعد حاصرات بيتا مثل البروبرانولول من الخطوط العلاجية الأولى، مع أنه من غير الواضح كيف يمكنها منع الهجمات.
من المجموعات العلاجية الحديثة التريبتانات وهي مجموعة تستهدف وبشكل محدد، مستقبلات السيروتونين، ومن أمثلتها السوماتربتان، الريزاتربتان، الزولميتربتان، والناراتربتان، والتي يمكنها تسكين الألم وتهدئة الغثيان.
ويعتبر فروفاتريبتان فعالاً للوقاية من الصداع النصفي الذي يصاحب الطمث، وينبغي تجنب التريبتانات في حالة مرضى القلب.
التوبيرامات أيضاً من الأدوية التي صادقت عليها هيئة الغذاء والدواء الأميركية FDA مؤخراً للوقاية من الشقيقة المزمنة.
كما يعتبر الحقن بالبوتكس (مادة بروتينية طبيعية تسمى البوتيولينوم توكسين) فى مناطق معينة بفروة الرأس الأحدث صيحة في علاج الصداع النصفي.
ومن بين الطرق الشائعة فى علاج الصداع التي لا تعمل على تقليل الألم كما يتوهم البعض ربط الرأس بقوة بقطعة من القماش، وعلى الرغم من إشارة الطبيب الفرنسي كلوت بك الذي أنشأ أول مدرسة للطب الحديث في مصر في كتابه "كنوز الصحة ويواقيت المنحة"، الذي يعود إلى عام 1844، إلى خطأ هذا، وما يسببه على النقيض من احتقان المخ نتيجة لهذا الربط، إلا أن هذه الطريقة القديمة باقية إلى الآن.
تخفّف العلاقة الحميمة من الضغط العصبي، وتحسّن عمل الدورة الدموية في الجسم، وبالتالي تساعد في القضاء على الصداع النصفي.
كما يوصى بالجنكة والفلفل الأحمر المحتوي على الكابسايسين، بالإضافة لاحتوائه على الساليسيلات الشبيهة بالأسبرين، وتناول الزعتر وكذلك الأطعمة المحتوية على الماغنسيوم؛ حيث يساعد الماغنسيوم على استرخاء الأعصاب، لأن انخفاض مستوى الماغنسيوم قد يترافق مع حدوث الصداع النصفي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.