شهدت الأسابيع الأخيرة تطوراً مفاجئاً قبيل بدء القوات العراقية حملتها لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل من أيدي داعش. إذ أن تركيا ترغب بأن تكون جزءاً من المعركة وترفض سحب قواتها من العراق رغم تهديدات الحكومة العراقية بأن رفض أنقرة لسحب قواتها قد يؤدي إلى اندلاع حرب.
رداً على دعوة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لتركيا، والتي أطلقها الأسبوع الماضي، بسحب قواتها المكونة من 2000 جندي و24 دبابة من قواعدها قرب من الموصل، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن العبادي ينبغي عليه "ألا يتخطى حدوده "، وأن وضعية الجيش التركي لم تتدهور لدرجة تجعله يتلقى الأوامر من العبادي. كما استنكر تصريحات العبادي قائلاً "إنه يهينني شخصياً. أنت لست نظيري، ولست على مستواي".
وتابع الرئيس التركي قائلاً " سنشارك في العملية التي ستتم قريباً لاسترجاع مدينة الموصل بالطريقة نفسها التي تتم بها العمليات العابرة للحدود في شمال سوريا".
ليست لدينا أي نية للسيطرة على الموصل
كما علل أردوغان هذا الأمر بأن تركيا ليست بحاجة لإذن كي تشارك في معركة من شأنها دفع الأخطار عن تركيا من الدول المجاورة لها، وأضاف " ليست لدينا أي نية للسيطرة على الموصل."
وأوضح أردوغان أن العراق طلبت من تركيا إقامة قاعدة في مدينة "بعشيقة" و أنهم دخلوها على هذا الأساس، وأضاف "لكنهم الآن يقولون انسحبوا من هنا".
ونشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز تقريراً لها عن الأزمة، قالت فيه إن الحساب الرسمي للعبادي على وسائل التواصل الاجتماعي نشر بياناً يوم الثلاثاء يرد فيه بسخرية على مقولة أردوغان "لست نظيري"، يقول فيه "بالطبع لسنا نظيراً، فنحن سنحرر أرضنا بعزم وثبات الرجال، لا من خلال سكايب"، في إشارة منه لاستخدام أردوغان تطبيق سكايب لحشد مؤيديه أثناء انقلاب يوليو/ تموز الماضي
في سياق متصل، أثارت كلمات أردوغان رداً آخر أكثر تهديداً من جانب قوات الحشد الشعبي، وهي القوة شبه العسكرية ذات الأغلبية شيعية، والتي لعبت دوراً رئيسياً في استرداد بعض المناطق من داعش.
فقد جاء في بيان مكتبها الصادر الثلاثاء "نحن رجال العراق وقوات الأمن والحشد، سيأتي ردنا مزلزلاً في ساحة المعركة، وحينها سندرك من ينبغى له أن يلزم حدوده، ومن سيتهشّم وجهه"، حسب ما ذكرت الصحيفة.
يبدو أن تلك التوترات تعكس الأهداف المختلفة للقوات المتواجدة في المنطقة؛ فالعبادي يرفض أي دور للقوات التركية في الحملة القادمة خوفاً من وجود صفقة خلف الكواليس بين أنقره وأكراد العراق من شأنها أن تقود إلى هيمنة كردية على الموصل، لذا تهدف الحكومة العراقية، ومن ورائها إيران، لتأكيد سلطتها من خلال معركة الموصل التي لاتتفق مع خطط الأكراد.
قد تغرق المنطقة في "الدم والنار"
ويعتقد الأترام أن العملية المزمعة التي تدعمها واشنطن لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من الموصل قد تغرق المنطقة في "الدم والنار" إذا لم يتم إدارتها بحرص. وتؤكد أنقرة أنها ستبقي على قواتها قرب المدينة رغم معارضة بغداد.
وقال الرئيس التركي طيب إردوغان إن تركيا المنخرطة في خلاف متصاعد مع العراق بشأن الأطراف المشاركة في هجوم الموصل ستبذل قصارى جهدها للحيلولة دون أن تتسبب العملية في تعميق الصراع الطائفي على حدودها.
والموصل التي يصل عدد سكانها إلى 1.5 مليون نسمة هي مقر الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية في شمال العراق منذ عام 2014 . وستساعد المعركة المتوقعة في وقت لاحق هذا الشهر لاستعادة المدينة في رسم ملامح مستقبل العراق وميراث الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
وقال إردوغان في كلمة في اسطنبول "سنستخدم كل مواردنا لحماية أشقائنا في سوريا والعراق من أن يسحقوا تحت عجلات ألعاب القوى العالمية ولحماية أنفسنا من المعاناة من مصير مشابه."
وأضاف قائلا "نحن عازمون على تفريغ الهواء من بالون الصراع الطائفي الذي يهدف إلى إغراق المنطقة في الدم والنار."
ونشرت تركيا صاحبة ثاني أقوى جيش في حلف شمال الأطلسي جنودا في معسكر بعشيقة بشمال العراق لتدريب وحدات من مسلمين سنة ومن مقاتلي البشمركة الأكراد وتريدها ان تشارك في معركة الموصل المزمعة. لكن وجودهم أثار خلافا مع حكومة بغداد التي يقودها الشيعة والتي تحرص على أن تكون قواتها في مقدمة الهجوم.
تركيا تخشى على السنة
لا شك أن تركيا تخشى من أن تُصعّب الحكومة العراقية، ذات القيادة الشيعية، عملية رجوع السكان من السُنّة للمدينة في أعقاب هزيمة التنظيم في الموصل، في حين أن القوات الكردية قد تُسيطر على المناطق المحيطة بها.
رغم العلاقات الطيبة التي تجمعها بإقليم كردستان العراق، تمتلك تركيا مشاعر الريبة بشكل كبير في أمر المقاتلين الأكراد؛ وذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حربها الممتدة لعقود طويلة مع الجماعة الإرهابية المعروفة بحزب العمال الكردستاني.
ويأتي ذلك اللغط المُثار حول تواجد القوات التركية في العراق في وقتٍ تمر به كلتا الدولتين بأمور عصيبة على المستوى الداخلي، إذ يكافح العبادي البرلمان الساخط الذي يرغب بشدة في مغادرة القوات التركية من العراق.
ويحاول الجيش التركي استرجاع صورته التي اهتزت في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة، ووجوده في العراق سيساهم بشكل كبير في حدوث هذا الأمر.
تدريب مقاتلي العشائر السنية
ثمة سبب آخر يدفع الأتراك نحو البقاء في العراق، وهو استمرارهم في تدريب مقاتلي العشائر السنية لمواجهة كل من تنظيم داعش والميليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً فيما بعد.
تكمن الفكرة وراء محاولة أنقرة إيجاد مقاتلين آخرين غير قوات البشمركة الكردية لمواجهة الإرهابيين والمسلحين الآخرين؛ في قلقها من النجاح الهائل الذي يحرزه الأكراد في مختلف المناطق- وفي شمال سوريا على وجه الخصوص.
تضيف تول " تحاول تركيا أن تُظهر للولايات المتحدة عدم حاجتها للأكراد. لكن تركيا تقاتل على جبهاتٍ عدة، لذلك فإنه من الصعب عليها البقاء هناك لفترة طويلة".
اندلعت الخلافات بين بغداد وأنقرة في أواخر الشهر الماضي بعد أن صوت البرلمان التركي على تمديد انتشار قواته في العراق لعام آخر.
بيد أن البرلمان العراقي رد على تلك الخطوة بتقديم طلب لعقد جلسة لمجلس الأمن لإدانة الخطوة التركية، واصفا إياها بـ "الانتهاك الصارخ" للسيادة العراقية.
وقد أصر العبادي الأمر على أن الوجود التركي في العراق- الذي اتفق عليه الطرفين في ديسمبر/ كانون الأول عام 2014، بعد أشهر من وقوع الموصل في إيدي تنظيم داعش- لم يكن له مبرر منذ البداية.
باقون في العراق
فيما تعهد بن علي يلدرم، رئيس الوزراء التركي، بالبقاء في العراق بغض النظر عما تريده الحكومة في بغداد.
يبدو أن تركيا ترغب في التأكد من أن المقاتلين الأكراد لن يحلوا محل تنظيم الدولة في أعقاب خروجه من الموصل.
ففي أغسطس/ آب الماضي، نفذت تركيا عملية من أجل دفع المقاتلين الأكراد إلى الضفة الشرقية من نهر الفرات في شمال سوريا.
وبحسب ما قاله يلدريم لأعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في الآونة الأخيرة، فإن أي محاولات لتغيير التركيبة السكانية في الموصل قد تُشعل حرب طائفية كبرى.
كما طالب كل من أردوغان ووزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو، بمشاركة القوات التركية في القتال من أجل استعادة الموصل والرقة السورية.
شهد شهر أغسطس/ آب تدفقاً لمقاتلي الجيش السوري الحر- المدعوم تركياً- إلى سوريا عبر الحدود لإبعاد كل من تنظيم داعش والأكراد خارج الحدود، والاستمرار في إبعادهم ببطء جنوباً في اتجاه الرقة.
في غضون ذلك، قال ماثيو ألين، المتحدث باسم البنتاغون "نطالب الحكومتين بالتركيز على العدو المشترك، من الضروري قيام جميع الأطراف بتنسيق خطواتهم خلال الأيام والأسابيع القادمة لضمان توحيد الجهود في معركتنا ضد داعش"، حسب ما قالت صحيفة لوس أنجلوس تايمز.
في سياق متصل، قال جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية يوم الثلاثاء "ينبغي على كل القوات الدولية في العراق أن تتواجد بموافقة الحكومة العراقية والتنسيق معها تحت مظلة التحالف".
ويجري حالياً إعداد خطط حول كيفية إدارة الموصل والمناطق المحيطة بها عندما تطُرد قوات داعش من المدينة.
غير أن ذلك يشكل مصدراً آخر للتوتر، فرغم وجود خطط تدعو لإنشاء لجنة مؤلفة من المحافظ ومجلس المحافظة وممثلين عن الحكومة الإقليمية الكردية والحكومة العراقية والولايات المتحدة والأمم المتحدة، لم يتم الاتفاق بشأنها إلى الآن. و تصر الولايات المتحدة على ضرورة المُضيّ قُدُماً في حملة الموصل.
ونقلت صحيفة لوس أنجلوس تايمز قول "بريت ماكجورك"، مبعوث الرئيس أوباما بالتحالف الدولي ضد لداعش، في هذا الصدد "سيكون من المستحيل حل كل هذه القضايا الشائكة خلال وجود داعش في الموصل؛ لأن محاولة حل كل هذه القضايا دفعة واحدة ستُبقي داعش في الموصل في المستقبل القريب وربما للأبد".