مَن يفقد صوابه، مَن يفقد تركيزه، مَن ينسى كل ما يحيط به، كل هذا سببه حب المعرفة.. أليس جميلاً ورائعاً أن ننعت بهذا، إننا شعب يحب معرفة الحقيقة، ويقوم بالمستحيل بغية الوصول إليها، من أصغر الأشياء إلى أكبرها.
مَن فتح الباب؟ مَن أغلق النافدة؟ مَن تزوج؟ بمن تزوج؟ ماذا طبخت؟ ماذا اشترت؟ وكيف؟ وأين ذهبت؟ أسئلة حيَّرتنا وقصص فتحت أعيننا وآذاننا.
هذا هو حبنا للمعرفة، حب أحمق، قادنا، ويقودنا إلى اللاشيء، إلى أجوبة تكاد تكون سطحية، أو بالأحرى هي كذلك، ولا تفيد في شيء إلا في إشباع فضول أعتقد أنه غريزي فينا، ويشفي ألم الرأس الذي قد يصيبنا إن لم نعرف الجواب.
قد نسأل، قد نستفسر من أحد، ومرات نبحت نحن، نلعب دور المحقق، كل هذا لمعرفة لون سيارة جارتنا، مضحك أليس كذلك؟! وإن كان مضحكاً فلماذا نعطي أهمية كبيرة لموضوع بهذه التفاهة؟
السبب أنه في مرات عدة، هذا الحب للمعرفة يتخطى النظرات الحشرية والأسئلة الملغومة، ويتحول إلى تدخل غير مرغوب فيه، يتحول إلى حرب غير معلنة، والعدو هنا لا يفصح عن نواياه، يراقبك بمكر، يسأل عنك بهدوء، ويسلم عليك بحب.
لقد اعتدنا على قول كل شيء، عن السماح للناس بالتدخل بشكل جزئي، حتى أصبح تدخلاً كلياً مع مرور الوقت، تدخلاً مبالغاً فيه، أصبح عبارة عن حق مكتسب منذ صغر سنه نحاول جاهدين إقحامه، ذاك الطفل البريء، نكلمه عن هذا وذاك، عن رأيه، في فلان وفلان.
يسمع، ينصت جيداً ويكبر فجأة، ثم نصدم بالنتيجة، نتيجة كنا نحن السبب فيها، السبب في تركيبة مريضة، حُشرت فيها أفكار مقلوبة، ومفاهيم تافهة، شخص يعتبر حياة الناس مجرد تفصيل ممل، لكنه في حاجة لمعرفته، والخصوصية مجرد كلمة معقدة صعبة التفسير والفهم.
شخص يعتبر أن الآخر ملك للجميع، أداة قابلة للفرك والدعك والتنقيب، وأنت يجب أن تفتح فمك مجبراً، أن تبتعد عن الجمل القصيرة، وتسرد الكثير والكثير من المعلومات، أن تكمل شئت أم أبيت القصة، أن تقول الحقيقة أو أن تكذب، لا يهم، المهم هو أن تملأ الفراغات الفارغة في ذهنه أن تمسح سحابات الغيم الموجودة فوق رأسه، وإن لم تفعل ذلك فأنت لا محالة شخص معقد وتافه، ولربما يخاف من الحسد.
لنبتعد قليلاً، فلنتوقف عند مُجْمَل الصورة، عند النبذة المصغرة التي أعطي لنا الحق في تصحفها، ألا نبحت وراءها، أن نمضي قدماً ولا نسأل هل من مزيد.
فحياة الآخر ملكه، ومسافة الأمان بينك وبينه حق مشروع، فلا داعي لخرق قوانين وهبت لنا لنعيش في سلام وهدوء.
فأرجوك احترم حقوق الآخرين ورغبتهم بالاحتفاظ بخصوصيتهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.