وداخل كل فتاة.. هناك “وِداد”

هناك من لم تتجرأ أن تخرج من منزلها دون مساحيق تجميل، أو أن تنتظر حبيبها في مكانه المعتاد، وأن تشتري له هدية بسيطة، هناك مَن امتنعت عن مصادقة أصدقائه وخدمة أمه حتى لا يقال عنها "واقعة"، نحن النسوة أجبنُ المخلوقات على وجه الأرض نمنع نفوسنا المحرضة على الحب والعشق من أن تفعل ما فعلته "وداد" من عفوية وتلقائية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/11 الساعة 20:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/11 الساعة 20:39 بتوقيت غرينتش

"هستيريا".. الفيلم التسعيناتي الذي ربما لن تتشجع لمشاهدته بسبب السمعة السيئة المصاحبة لأفلام تلك الحقبة، ولكن طيف "عبلة كامل" وهي تقول: "أنا ممكن ولا آكل ولا أشرب ولا أنام بس الراجل اللي أحبه يطبطب عليّ وكدهون ويقولي سلامة رِجلك من الوقفة يا وداد"، يطاردك ليدفعك دفعاً لمشاهدة الفيلم الذي تم إنتاجه عام 1998.

يأسرك الشاب الأسمر "زين" -الذي أدى دوره العملاق "أحمد زكي"- بحنانه ورزانته وصوته الرديء الذي يصر على أن يغني به، يقف في محطة "السادات" صادحاً بصوته الدافئ بأغاني الزمن الجميل، تلتف حوله الفتيات اليانعات والسيدات الحانيات وشباب خطوا خطواتهم الأولى في الحب والعشق، حتى تباغته الشرطة وترتمي "وداد" بين ذراعيه تستنجد به أن ينقذها ويخطفها نحو عالم الحب.

"وداد" التي أدت دورها "عبلة كامل" ببراعة متناهية فتاة بسيطة بملابس أشد بساطة، ملامح وجه بريئة دون مساحيق تجميل، عفوية مفرطة في تصرفاتها، أعجبت برجل شاهدته في مترو الأنفاق فأصبحت تحلم به.. تحلم بوقع مفتاحه وهو عائد من العمل، تجهز له الطعام، تسدل شعرها من أجله، يأخذان قيلولة الظهيرة معاً، وينجبان "عيّلتين"، حتى رغباتها الشهوانية كانت تحلم بها وتخبره بالقبلة التي منحها إياها في الحلم، وكأنها تضعه أمام الأمر الواقع ليصلح غلطته ويتزوجها.

"وداد" تغار من أختها التي تزوجت من "عبد السميع"، تخبرها أختها أنه "يزغزغها" فقط.. فتلمع عينا "وداد" وكأنها تقول "أنا كمان نفسي في حد يزغزغني"!

تشتري سمكة بالتقسيط المريح، تحملها بحب ورعاية وتنتظر في محطة مترو "السادات" لتهديها إلى "زين"، لا يأتي أول يوم فتنتظره في اليوم التالي والثالث حتى تيأس وتخوض مغامرة أخرى للبحث عنه.

من منا لم تشترِ للرجل الذي أثار إعجابها هدية قد ادخرت زمناً من مصروفها الخاص لتستطيع دفع ثمنها، هدية على ذوق أنثى مناسبة لرجل، تغلفها ربما وتربط حولها شرائطها الوردية وتعطرها بعطرها المفضل، ربما تترك معها خصلة من شعرها أو منديلاً به قُبلة من شفتَيها، أو شريط مسجل صغير به رسالة رقيقة بصوتها، تحملها معها في حقيبة ترعاها بيديها وتهديها له على استحياء.

"وداد" كانت تملك شيئاً لا تملكه معظم النساء، تملك الجرأة في الحب، الجرأة بأن تصرخ في ميدان التحرير بأنها تحب "زين"، بأن تنتظر ظهوره كل يوم في محطة المترو، وأن تقودها نفسها الأمّارة بالعشق إلى ميدان الأوبرا لتلتقي بـ"رزق" صديق "زين" وتدّعي بمنتهى الثقة واليقين أنها خطيبة "زين"، لا تخشى من السير معهم والجلوس في "بار" والصبر على تراهاتهم والتضحية بـ 60 جنيهاً ثمن صور صورها لها "رزق" وهو المعادل لقيمة مرتبها في الشهر، تسير معهم حتى منزل حبيبها وترعاه في المستشفى خمسة عشر يوماً بعد إصابته في مشاجرة مع أخيه.

دون خوف من نظرة المجتمع أو الذكر الشرقي داخل "زين" لها.. تقول: "مش هتتجوزني بقى"، "طب يلّا نكتب الكتاب"، تحاول بكل ما تستطيعه أن تساعد "حورية" شقيقة "زين" على الزواج من حبيبها "رزق"، حتى لو كانت مجرد مساعدة معنوية ونفسية، تقف مع حماتها المستقبلية في المطبخ بمنتهى اللهفة والسعادة لمساعدتها والاستعداد التام لأن تحمل عن عاتقها همَّ الطبيخ والأكل وتركه لها… لـ"وداد".

"وداد" التي تعمل في متجر للعصافير لا تحمل همّاً للواقع، لا تأبه للمجتمع ولا لنظرة الناس، لا يهمها وضعها الاجتماعي، هي فقط تحب وتريد أن تصرخ ليعلم الكل بحبها، هي الجريئة وذات القلب الأصدق، من المفترض أن ننظر نحن العقلاء من المشاهدين إلى "وداد" كونها فتاة مجنونة، ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، هي ليست إلا فتاة صادقة وعفوية، هي التي لم أتجرأ لأكونها ولم تتجرأ أي فتاة لتفعل ما تريده وما تشتهيه كما فعلت "وداد".

هناك من لم تتجرأ أن تخرج من منزلها دون مساحيق تجميل، أو أن تنتظر حبيبها في مكانه المعتاد، وأن تشتري له هدية بسيطة، هناك مَن امتنعت عن مصادقة أصدقائه وخدمة أمه حتى لا يقال عنها "واقعة"، نحن النسوة أجبنُ المخلوقات على وجه الأرض نمنع نفوسنا المحرضة على الحب والعشق من أن تفعل ما فعلته "وداد" من عفوية وتلقائية.

البعض قد يشفق عليها ويراها فتاة يائسة "واقعة" على الرجل، ولكننا نحن المثيرات للشفقة اللواتي عشن دون أن نذهب لفارس الأحلام ونقول له "مرحباً.. أنا معجبة بك.. أنا أحبك.. أنا أحلم بك"… "وداد" كانت شجاعة لتفعل كل هذا وأكثر.. إلى أن صدمها الواقع بقبحه وسوئه فأخذت رحلتها بالمترو عائدة إلى الحياة بقلب لا يزال حياً بالحب.

"وداد" كانت تعيش عالمها الأنثوي الخاص مترفعة به عن كل نفايات الواقع.. "وداد" كانت أنثى خالصة بريئة كما خُلقت "حواء" مرتمية في أحضان "آدم" دون خوف أو حياء أو تردد، فهناك قلب يأمر، وهناك أنثى تستجيب.

من منا لم يتمنَّ في يوم من الأيام أن يفعل مثل "وداد".. جميعنا أردنا ذلك، ولكننا كنا مقيدات بعقولنا، و"وداد" لم يقيِّدها سوى قلبها.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد