كان يوم الإثنين الماضي يوماً مصيرياً في تاريخ العلاقات الأميركية الروسية، إذ قرر البلدان أنه لم يعد هناك ما يمكن الحديث عنه بشأن سوريا. وفي هذا السياق، قررت الولايات المتحدة الأميركية التوقف عن التفاوض مع روسيا بشأن وقف الأعمال العدائية في سوريا، واتهمت روسيا بعدم الالتزام بتعهداتها السابقة تجاه الأزمة في سوريا، حسب ما نشرت صحيفة نيوزويك الأميركية.
ردت روسيا على تلك الاتهامات بأن أميركا لم تستوف الشروط الأساسية للاتفاقات بين البلدين بشأن المساعدات الإنسانية في المناطق حول حلب. كما قدم الكرملين مشروع قانون يمثل ضربة قوية للعلاقات بين البلدين. ينهي هذا القانون المشاركة الروسية في المعاهدة بين البلدين والمتعلقة بتخلص كلٍ منهما من مخزونه من البلوتونيوم المُستَخدم في تصنيع الأسلحة النووية. كما يتضمن القانون مجموعة من الشروط شبه المستحيلة التي يمكن لروسيا حين تحقيقها العودة إلى الالتزام بالمعاهدة. تتعلق هذه الشروط بأمور مثل انتشار قوات الناتو، وقانون ماغنيتسكي، والدعم الغربي لأوكرانيا، والعقوبات المفروضة على روسيا، وتخفيض التواجد العسكري الأميركي في أوروبا الشرقية، أفاد تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية.
يُعَد وقف العمل بتلك المعاهدة ضربة شديدة لقضية منع انتشار السلاح النووي ووقف سباق التسلح النووي. وكانت الدولتان قد اتفقتا عام 2000 على التخلص من جزء من ذلك المخزون، إلا أن ذلك لم يتم بسبب بعض الخلافات بين البلدين بشأن الطريقة الأفضل للتخلص منه.
معضلة حلب
تصاعد الخلاف بين البلدين بهذا الشكل نتيجة لموقف كل منهما فيما يتعلق بتداعيات الأزمة السورية بعد انهيار اتفاقية وقف إطلاق النار. إذ قامت قوات الأسد -مدعومة بهجمات القوات الجوية الروسية- في الأسبوعين الأخيرين بتكثيف هجماتها الجوية وقصفها المدفعي على المناطق المحاصرة، والتي يوجد بها حوالي 275000 شخص تحت الحصار طبقاً للأمم المتحدة.
وقصفت قوات الأسد المشفى الوحيد المتبقي في شرق حلب واستهدفت البنية التحتية للمدينة، ومنعت دخول المساعدات الإنسانية إليها، مدعيةً أنها الوسيلة التي يحصل بها الثوار على الأسلحة والذخيرة. وعلق ستيف أوبراين –وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية– على الأمر في بيان له يوم الأحد قائلاً "يستمر القصف العشوائي في سوريا بطريقة مروعة لا هوادة فيها، الأمر الذي يؤدي إلى قتلى ومصابين بين المدنيين، ويعرضهم لمستوى من الوحشية لا ينبغي لبشر أن يتحمله"، وفقاً لتقرير آخر نشرته صحيفة فورين بوليسي الأميركية.
ويبدو أن قوات الأسد لا تريد الانسحاب من حلب، فاستعادة حلب مسألة هامة بالنسبة للنظام السوري، إذ إن السيطرة على حلب ستفتح لقوات الأسد الطريق إلى شمالي سوريا، وبالتالي سيمكنها منتأمين الحدود مع تركيا.
والنتيجة هي صراع دموي لا يستطيع الطرفان الوصول إلى تسوية بشأنه، ولا يمتلك أحدهما الغلبة الكافية للانتصار فيه وبالتالي انتهاء هذه المذبحة.
انقسام في أوجه
وأضافت الصحيفة أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري عبر عن استيائه من هذا الوضع في سوريا يوم الجمعة، منادياً بتوجيه الاتهامات لروسيا والنظام السوري بارتكاب جرائم حرب في هجماتهم المستمرة ضد المدنيين في سوريا، وقال إنَّ "روسيا والنظام السوري يدينان للعالم بتفسيرات عن سبب تلك الهجمات على المستشفيات والمراكز الطبية واستهداف المدنيين".
وصرح أثناء لقائه يوم الجمعة وزير الخارجية الفرنسية جان مارك إيرولت للتباحث في الشأن السوري في واشنطن قائلاً إنَّ الأمر أصبح يتعدى مجرد الحوادث العرضية، وإنَّ دمشق وموسكو على ما يبدو تتبعان استراتيجية مشتركة لترويع المدنيين.
وعلق إيرولت –الذي توجه إلى واشنطن بعد لقائه بالمسؤولين الروس في موسكو يوم الخميس– على الأمر واصفاً الوضع في سوريا بالمأساة الإنسانية. وأشار إلى الجهود الفرنسية للتوسط من أجل اتفاق جديد لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن. وقال بشأن ذلك "لن نتوقف عن المحاولة، ولا يمكننا تقبل حقيقة أن استمرار قصف حلب بهذا الشكل سيدمرها بالكامل بحلول عيد الميلاد. هذا هو السبب الذي سافرت من أجله لموسكو وأتيت إلى واشنطن".
أميركا أقوال وروسيا أفعال
في الوقت نفسه، يزداد الخلاف بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا بشأن موقفهما من الوضع في سوريا. وبينما تدعم روسيا موقفها من القضية بالقوة العسكرية، لا تريد أميركا التدخل في الصراع بنفس الطريقة. وهو الأمر الذي عبر كيري عن استيائه منه في اجتماعه مؤخراً بحركات المعارضة السورية التي تدعمها أميركا، واعترف بإحباطه لعجزه عن إقناع واشنطن بضرورة التدخل بشكل أكبر.
وصرح جون كيربي –المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية– الأسبوع الماضي بخصوص موقف روسيا قائلاً إنه إن لم تتوقف روسيا عن قصف حلب، فإن ذلك سيؤدي لاستمرار الحرب الأهلية في سوريا، وبالتالي ستستمر الهجمات ضد المصالح الروسية، وستخسر روسيا المزيد من جنودها.
وجاء تعليق نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف عبر وكالات الأنباء الروسية عن هذا الموقف الأميركي قائلاً أنه لا يمكن تفسير تلك التصريحات سوى أنها تدلل على دعم الإدارة الأميركية الحالية للإرهاب.
وعلقت ماريا زاخاروفا –المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية– على موقف الولايات المتحدة الأميركية بقولها إنَّ "الولايات المتحدة تظهر ردود أفعال عصبية، وذلك نتيجة للاستراتيجية الخاطئة التي اتبعتها في الشرق الأوسط".
واشنطن عاجزة
وعن سبب هذه الحدة في التصريحات الأميركية بشأن الوضع، قال أندريا باكلانوف –السفير الروسي السابق للمملكة العربية السعودية– إنَّ "أميركا تقبلت حقيقة التفوق النسبي لقوات الأسد على الثوار. ولهذا تطلق هذه التصريحات الحادة، فهي تحاول إظهار التزامها تجاه القضية السورية وتحريك الرأي العام. ولكن الحقيقة أن أميركا لا يمكنها فعل أي شيء تجاه روسيا، الأمر كله مجرد محاولة للخداع".
ورغم رفض أميركا للتدخل بشكل أكبر في سوريا، إلا أن تحقيق روسيا للانتصار لن يكون سهلاً. وهو ما جاء في تصريح خبير العلاقات الدولية الروسي أليكسي أرباتوف الذي قال إنَّ السيطرة على حلب أمر ممكن، ولكن ذلك يعني تسوية المدينة بالأرض تماماً. ويبدو أن روسيا بالفعل قد قررت الاستمرار في طريقها وتحقيق النصر بأي تكلفة.
هذا ويُزعَم أن المحادثات الدبلوماسية بين أميركا وروسيا بشأن سوريا قد تم استئنافها، وذلك مع استمرار الصيغة الاستفزازية الشديدة للتصريحات الروسية، وكذلك التهديدات التي تطلقها الولايات المتحدة الأميركية بشأن تعليقها للمشاركة مع روسيا في المحادثات الثنائية بشأن الوضع في سوريا.