ذاق مرارة الأسر في سجون داعش بسوريا فتطوع للعمل من أجل الإيقاع بهم في ألمانيا، هذه قصة الصحفي السوري مسعود عقيل، الذي تعرض للاعتقال لمدة طويلة في بلاده من قبل تنظيم "داعش"، فبادر بالتعاون مع السلطات الأمنية في ألمانيا، التي وصلها في فبراير/شباط 2016 كلاجئ، للعثور على مقاتلين سابقين في التنظيم دخلوا الأراضي الألمانية في موجة اللجوء الأخيرة.
اعتقال وسجون متنقلة
وكان الصحفي الكردي السوري، من مدينة القامشلي شمال شرق سوريا، قد اعتقل من قبل داعش في منتصف ديسمبر/كانون الأول من عام 2014، فيما كان يتوجه مع زميل له في تلفزيون "روداو" الكردي، لإجراء مقابلة صحفية، عندما اعترضتهما دورية للتنظيم متسللة المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، ونقلتهما لبلدة تل حميس الخاضعة لهم.
وبقي عقيل في السجن الداعشي قرابة 280 يوماً تنقل فيها بين أكثر من 10 سجون أمنية في مناطق سيطرة التنظيم بسوريا، كان يمنع في بعضها حتى من التحدث مع سجناء آخرين، بحسب ما قاله لـ"عربي بوست".
الإفراج والهجرة
تم الإفراج عن عقيل في صفقة تبادل رهائن بين "وحدات حماية الشعب" الكردية والتنظيم. وقال إنه تعرض خلال فترة السجن للتعذيب والتهديد بالقتل ذبحاً، وهي الطريقة التي طالما استخدمها التنظيم، خاصة مع الصحفيين.
وبعد أسابيع من الإفراج عنه ولقائه أسرته بملامح متغيرة وإصابات مرضية عدة، قرر عقيل ترك بلاده رفقة والدته متوجهين إلى ألمانيا، التي يقيم فيها عدد كبير من أفراد عائلته، وهناك سيبدأ مسيرة ملاحقته لعناصر "داعش".
الإبلاغ عن عناصر "داعش"
لكن ما الذي دفعه لملاحقة أعضاء التنظيم والتواصل مع السلطات الأمنية الألمانية وهو الذي بالكاد نجا من الموت في سجونهم؟
يقول عقيل لـ"عربي بوست" إن فكرة التواصل مع الأمن الألماني جاءته لأنه عرف الكثير من المعلومات عن التنظيم خلال فترة أسره.
ولدى وصوله إلى ألمانيا "شعر بأن من واجبه عدم السكوت إزاء ما ارتكبه ويرتكبه التنظيم من جرائم وتفجيرات انتحارية في سوريا والعراق وأوروبا"، على حد تعبيره، مشيراً إلى أنه "على الجميع بذل ما في وسعهم لمحاربة التنظيم".
لا يخشى الإفصاح عن اسمه
وكان عقيل أصر في لقاء مطول مع مجلة "دير شبيغل" في عددها الصادر مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، على استخدام اسمه الصريح عند النشر، على خلاف الكثيرين من اللاجئين الذين يحرصون على إخفاء هويتهم عندما يتعلق الأمر بقضايا أمنية، قائلاً إنه "يريد أن يوضح أن الإرهابيين لا يتحكمون به".
وأشارت المجلة إلى أن عقيل مازال خائفاً وهو في ألمانيا، حيث يقول إن لديه أسبابه ليكون كذلك، وهو ما يدفعه للتعاون مع السلطات بشأن بعض القضايا.
خطر الهجرة
ورداً على سؤال لـ"عربي بوست" حول الأسباب التي دعته للقول في لقاء صحفي إن سماح ألمانيا للاجئين بالدخول دون تدقيق الوثائق خطأ، قال عقيل "إن الإرهابيين قد أصبحوا هنا الآن".
وأضاف أنه ليس ضد استقبال ألمانيا للاجئين لأنه لاجئ أيضاً، موضحاً أنه قال إن استقبال اللاجئين دون وثائق يعتبر أمراً مهدداً لأمن البلاد نسبياً، بسبب قدوم عناصر من المجموعات المتطرفة كـ"داعش" وغيرها إلى أوروبا مع اللاجئين.
وبيّن الصحفي السوري أنه بنى رأيه على هذا النحو وفقاً لما استمع إليه من خُطب وهو في سجون "داعش" للناطق باسم التنظيم أبومحمد العدناني (الذي أعلنت أميركا قتله في أغسطس/آب 2016) ولزعيم التنظيم أبوبكر البغدادي، كان يُذكر فيها أن التنظيم سيرسل عناصره إلى أوروبا للقيام بأعمال إرهابية، أو "غزوات" كما يسميها أعضاء "داعش".
وكان استخدام "داعش" لطرق الهجرة مشكوكاً فيه منذ بداية موجة اللجوء في خريف العام الماضي، قبل أن يتبين للحكومات الأوروبية وأجهزة الاستخبارات في ألمانيا وعموم أوروبا لاحقاً أن بعض المشاركين في العمليات التي ضربت باريس أواخر عام 2015، وبروكسل في مارس/آذار 2016، قد جاءوا بالفعل عبر هذا الطرق.
مطاردة عبر الميديا
وفيما يتعلق بطبيعة تعاونه مع المحققين الألمان، أشار عقيل إلى أنه يقوم بإبلاغهم عن هوية المشتبه بهم لكنه لا يعلم ماذا يحدث بعد ذلك، وكيف تتصرف الشرطة معهم.
وعن الوسائل التي يتبعها لـ"مطاردة" عناصر التنظيم، قال إنه يعتمد في بعض الحالات على وسائل التواصل الاجتماعي، رافضاً الكشف عن المزيد من التفاصيل في هذا الشأن.
وذكرت مجلة شبيغل الألمانية أن عقيل يعمل مع جهتين أمنيتين ألمانيتين على عدد من القضايا، وقدم للسلطات الأمنية بالفعل أسماء ومواقع عدد من المشتبه بهم، ممن عرفهم خلال فترة سجنه.
وتقول المجلة إن محققين من شرطة أمن الدولة، المكلفة بالقضايا ذات الخلفية السياسية والأعمال الإرهابية، سافروا للقائه في مدينة بمقاطعة بافاريا، عندما أراد التحدث معهما عن مشتبه به اكتشف أنه يقيم فيها. وعندما اجتمع معهما في غرفة الاستجواب بمكتب شرطة التحقيقات الجنائية قال أحدهما له إنه لا يتوجب عليه قول ما يجرمه.
وأشارت إلى أنه بعد انتهاء الاستجواب، بدا المحققان راضيين، "وأخذا ما قاله عقيل على محمل الجد رغم أنه لم يستطع تقديم دليل واضح".
وتشير المجلة إلى أن مثل هذه القضايا تشكل تحدياً هائلاً بالنسبة للمحققين المختصين، إذ يصعب عليهم الحصول على أدلة ورقية تخولهم تحويل أصحابها للمثول أمام المحاكم، لاسيما أنه ليس هناك قوة شرطة في سوريا تستطيع التعاون معهم، لافتة إلى أن شهادة لاجئ عن مشتبه به بالاستناد إلى علامات فارقة في جسد المشتبه به للتأكيد على انتمائه للتنظيم بالمقارنة مع صور سابقة له، لا تعد كافية غالباً.
وقام المحققون في الأشهر الأخيرة – بحسب المجلة – بالنظر في أكثر من 30 بلاغاً من النمط نفسه الذي تلقوه من عقيل، ولم يتم اعتقال سوى مشتبه به وحيد، وحتى في تلك الحالة لم يتوصلوا إلى أي دليل بعد التحقيق معه وفحص حاسوبه الشخصي وهاتفه الجوال.
عمليات إرهابية
وفي ألمانيا نفذ طالبا لجوء من سوريا وأفغانستان في يوليو/تموز 2016 عملين إرهابيين: الأول في قطار، والثاني بالقرب مهرجان موسيقي في بافاريا، أعلن تنظيم "داعش" لاحقاً مسؤوليته عنهما، ونشر شرائط مصورة للمنفذين وهما يعلنان ولاءهما للتنظيم.
وازدادت حالات اعتقال المشتبه بانتمائهم للتنظيم من طالبي اللجوء بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. وتؤكد الحكومة الألمانية أنه رغم القبض على هؤلاء فإن غالبية اللاجئين مسالمون فرّوا من الحرب في سوريا والعراق، ومن إرهاب "داعش".
وقال وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير في مقابلة صحفية في شهر أغسطس/آب إن لديهم معلومات "عن إمكانية وجود إرهابيين بين اللاجئين يتم التحري عنها، وهناك تحقيقات أولية ومحاكمات للاجئين"، مشدداً على أنه يعتبر شيئاً واحداً مهماً بالنسبة له، وهو أن الغالبية العظمى من اللاجئين وبشكل خاص السوريين مسالمون "وجاؤوا إليهم ليفروا من الإرهاب".
واعتبر الوزير بعد اعتقال 3 لاجئين سوريين مشتبه بانتمائهم لتنظيم "داعش" منتصف شهر سبتمبر/أيلول أن من الخطأ وضع اللاجئين بشكل عام تحت الشبهات، مشيراً إلى معرفتهم بوجود مناصرين أو إرهابيين منفردين محتملين بينهم، وأن السلطات تتحرى كل المعلومات التي تصلهم بهذا الشأن، موضحاً أن غالبيتها لم تكن صحيحة، وأن هناك 60 تحقيقاً أولياً في قضايا من هذا النوع.
وكانت الشرطة قد اعتقلت مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2016، شاباً سورياً بولاية ساكسونيا-انهالت بتهمة التحضير لهجوم، تبين للشرطة فيما بعد أنه تم الافتراء عليه، وأطلقت سراحه.