"لن نتنازل بأي شكل من الأشكال عن حقوق الأُجَراء وصرف رواتبهم بحسب الاتفاق الذي أبرمناه مع الحكومة، وبياننا حاسم ولا رجعة فيه".. هكذا تحدث سامي الطاهري الأمين العام المساعد والمكلف بالإعلام في الاتحاد العام التونسي للشغل -أكبر منظمة نقابية في تونس- معبراً لـ"عربي بوست" عن رفض الاتحاد أي تنازل يتعلق بتأجيل أو إلغاء صرف زيادة رواتب الأجراء في تونس.
تصريحات الطاهري، والتي سبقها بيان رسمي من اتحاد الشغل حذر فيه حكومة يوسف الشاهد من التراجع في الاتفاقيات المبرمة مع مختلف الأطراف الاجتماعية رأى فيه كثيرون تعميقاً للأزمة السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد مع تشبث الحكومة بموقفها في عدم الزيادة في أجور العمال وفق تصريحات سابقة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي دعا لتأجيل الزيادات حتى سنة 2019.
وأشارت وزيرة المالية لمياء الزريبي في حوار مع راديو "شمس إف إم"، مشددة على أن "تأجيل الزيادة في أجور الموظفين لمدة سنتين هي مسألة حتمية".
واعتبرت الوزيرة أن نقص موارد الدولة بسبب ارتفاع نسب البطالة وانخفاض نسب الاستثمار الخاص والزيادات المتكررة في حجم الأجور الذي تجاوز 60 بالمائة من الموارد الذاتية للدولة، أنتج خللاً في الدفعات وخلق عجز في ميزانية الدولة من المتوقع أن يصل لنحو 5 آلاف و700 مليون دينار أي 3 مليارات دولار في الأيام الأخيرة من سنة 2016.
خيارات صعبة للحكومة
وأمام اختلاف المواقف بين الحكومة واتحاد الشغل، اعتبر الخبير المصرفي والمالي لدى البنوك الأوروبية أشرف العيادي في تصريح لـ"عربي بوست" إن "الحكومة التونسية تواجه معادلة صعبة فإذا ما رضخت للمطالب (المشروعة) للاتّحاد ووافقت على تنفيذ الإتّفاقات المُبرمة في آجالها، سيوقف صندوق النّقد الدّولي صرف الأقساط المُخصّصة لتونس ويُعَمّق الضّائقة الماليّة للدّولة على المدى القصير".
أما إذا رفضت الحكومة تنفيذ ما أمضت عليه سابقتها من التزامات، يتابع المتحدث، "فسينزل الإتّحاد بثقله إلى الشّارع ولا يمكن إستبعاد الإضراب العامّ وتعطيل اقتصاد هشّ في مرحلة خطيرة بالتالي في كلتا الحالتين، سيكون الإنعكاس سلبيًّا على نتائج منتدى المستثمرين الدّوليّين آخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني".
وحذر العيادي الحكومة من التّأخير الكبير في نشر قوانين الماليّة، التّكميلي لسنة 2016 والسّنوي لسنة 2017، رغم إقتراب الآجال القانونيّة لما سوف تحمله من إشارات سلبية حيث من المتوقع أن تقفل حسابات الدّولة لسنة 2016 على نسبة مديونيّة تفوق بكثير 62% من النّاتج الوطني الخام التي أعلنها رئيس الحكومة وقد تجد الدّولة نفسها في مواجهة نسبة قريبة من 70% آخر 2017 وعجز قد يفوق أيضاً 8%.
الاقتصاد يعمق أزمة العاطلين
الوضع الاقتصادي الهش الذي تمر به البلاد مع تفاقم نسبة البطالة وانسداد أفق التشغيل دفع مئات من الشباب التونسي إلى مواصلة اعتصامهم المفتوح أمام وزارة التشغيل منذ تاريخ 12 فبراير/شباط الماضي، وقد قطعوا مئات الكيلومترات سيراً على الأقدام من محافظة القصرين -140 كم عن العاصمة – التي كانت في وقت سابق مهداً للاحتجاجات الاجتماعية وقامت ضد الفقر والبطالة ورفعت شعارات الكرامة والتشغيل.
زيد الحريزي، أحد الشباب الذين قادوا هذا الاعتصام أمام وزارة التشغيل بالعاصمة والعاطل عن العمل منذ 12 سنة قال: "كانت الثورة هي الأكذوبة الكبرى حيث استغل السياسيون مشاعر الناس بالشارع لتحقيق أغراضهم الخاصة ولو فقدونا.. سيفقدون مستقبل تونس".
ويبلغ معدل البطالة في تونس 15%، بينما يصل في القصرين إلى نحو 30%. وتصل نسبة البطالة بين الشباب إلى 40% على المستوى الوطني، وفقاً لتقديرات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. ويذكر أهالي القصرين أن نسبة البطالة تصل لديهم إلى 65%.
ولا يستطيع أهالي القصرين من الشباب، على غرار العديد من نظرائهم التونسيين، الحصول على قروض من البنوك الحكومية من أجل تنفيذ أفكارهم التجارية على أرض الواقع.
وتصر البنوك على سداد مقدم يصل إلى 30% وعلى نسبة فائدة مرتفعة لا يستطيع أحد سدادها.وتواجه المدينة تحديات في خلق فرص عمل، وجميعها تحديات بالغة الصعوبة، ويقر شباب القصرين أن البطالة في هذه المحافظة صارت "نمط حياة".
تربة خصبة للتجنيد
وفي ظل تفشي البطالة، تنتعش تجارة المخدرات والجريمة. فقد ارتفعت معدلات الإدمان في تونس بنسبة 70% منذ ثورة 2011، بحسب دراسة أجرتها صحيفة قصبة التونسية عام 2015.
وذكر أحد الأئمة بالمسجد الكبير بالقصرين خلال خطبة الجمعة في أغسطس/آب "إننا ننقلب على بعضنا البعض، فالأخ يقتل أخاه والأخت تقتل أختها، ولا بد أن نعود إلى طريق الرسول والصحابة من أجل إنقاذ الأمة الإسلامية"، حسب جريدة كريستيان التي عنونت مقالها بـ"بدون فرص عمل.. تصبح ثورة تونس المشرقة خافتة".
وانجذب الجهاديون إلى القصرين -تشير الجريدة- جراء عدم التواجد الشرطي وطبيعة المدينة الجبلية وتواجد تنظيم القاعدة على الحدود مع الجزائر وحولوا أحياء المدينة إلى قاعدة لعملياتهم.
وفي غضون ذلك، استغل علماء الجهاديين فراغ القوى في أعقاب الثورة من أجل السيطرة على أكثر من نصف مستجد تونس. وقاموا بتجنيد العشرات من أهالي القصرين في ليبيا المجاورة وفي الجبال التي تبعد أميالاً قليلة عن المدينة من أجل تدريبهم مع تنظيم القاعدة ومع تنظيم الدولة الإسلامية.
ويذكر محفوظ بن درعا، الإمام الشاب الذي ينتقد الجهاديين صراحة "سيطر الجهاديون على مدار عامين على المساجد والشباب. ونحن نحارب حالياً جيل كامل يقتنع بأن الدولة عدو للإسلام ولا بد من محاربتها".
ومن بين 6000 تونسي يحاربون الآن مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سوريا والعراق، هناك العشرات من القصرين، إلى جانب نحو ألف يحاربون مع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا.
وبدأ الجهاديون مؤخراً تصدير الإرهاب مرة أخرى إلى تونس من خلال القصرين.
ويُذكر أن اعتداء عام 2015 على متحف باردو بتونس، الذي أودى بحياة 22 سائحاً، قد خططه تنظيم تابع للقاعدة يقطن الجبال الجزائرية المتاخمة. وقد شن أحد التنظيمات التابعة لتنظيم داعش حرب عصابات ضد الجيش التونسي تتمثل في مطاردات وكر وفر في الجبال المجاورة للقصرين.
خطوة أولى؟
واتخذت الحكومة خطواتها الأولى في استعادة مساجد تونس: تخضع 95% من المساجد حالياً لإشراف الأئمة الذين تتولى وزارة الشؤون الدينية تعيينهم.
وقد أثبت دورة البطالة والإدمان أنها تمثل التحدي الأكبر، فقد تم استبعاد الوظائف الحكومية التي يعتبرها العديد من شباب القصرين بمثابة حل على المدى القريب. وتمثل رواتب القطاع العام حالياً 38% من الموازنة القومية، ومن المزمع أن يحدث خفض في حجم العمالة، بدلاً من توفير وظائف جديدة.
وتأمل الحكومة أن يقر البرلمان قانون الاستثمار الجديد خلال سبتمبر/أيلول. ويتمثل الهدف في تمويل المشروعات الضخمة التي توفر فرص عمل وتساعد على تدفق التمويل في الاقتصاد المحلي.