في آخر عمر ولاية الحكومة التي يقودها حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي بالمغرب، وقبل أسبوع واحد من الانتخابات التشريعية التي ستجرى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، صادق المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك محمد السادس على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، التي نص الدستور على كونها لغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية، وهو القانون الذي أثار جدلاً قبل الإعلان عنه، وكذا بعد إفراج الحكومة ومصادقتها عليه في المجلس الحكومي.
ما سيصبح أمازيغياً
رغم تأخر حكومة عبدالإله بنكيران – رئيس الحكومة – في إخراج القانون التنظيمي للغة الأمازيغية الذي نص عليه دستور 2011 باعتبارها لغة رسمية للبلاد، فإن مشروع القانون، بحسب عدد من النشطاء الأمازيغ، "لا يرقى إلى المستوى المطلوب وأقل من السقف الذي كان متوقعاً".
وسيعمل مشروع القانون – بحسب مسوّدته التي سيناقشها البرلمان المقبل والتي اطلع "عربي بوست" على نسخة منها – بمبدأ التدرج في تفعيل اللغة الأمازيغية، إذ نص على أن تنزيل مقتضياته بشكل نهائي سيكون بعد 15 سنة وليس من السنة الأولى للمصادقة عليه.
وينص المشروع على البدء ببث الخطب والرسائل الملكية إلى جانب التصريحات الرسمية للمسؤولين على قنوات القطب العموي مصحوبة بترجمة شفهية أو كتابية إلى اللغة الأمازيغية، إضافة إلى إمكانية استعمالها في أعمال الجلسات العمومية واللجان البرلمانية.
وستشمل عملية البدء في تنزيل مضامين هذا القانون الشروع في اعتماد اللغة الأمازيغية في التعليم الأساسي، على أن يتم اعتمادها في باقي المستويات التعليمية فيما بعد.
وينص مشروع القانون التنظيمي على البدء في كتابة الوثائق الرسمية باللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية، وذلك في بطاقة التعريف الوطنية وجوازات السفر ورخص القيادة بمختلف أنواعها، وبطاقات الإقامة المخصصة للأجانب المقيمين في المغرب، وكذا مختلف البطاقات الشخصية والشهادات المسلمة من قبل الإدارة، زيادة على كتابة البيانات المضمنة في القطع والأوراق النقدية، والطوابع البريدية، وأختام الإدارات العمومية على غرار اللغة العربية.
ويشمل مشروع القانون أيضاً الكتابة باللغة الأمازيغية على إرشادات المرور بالطرق وفي المطارات والموانئ وبالفضاءات العمومية والسفن المسجلة في المغرب والقطارات، وكذا باللوحات المثبتة على الواجهات وداخل مقرات الإدارات والمرافق العمومية والمجالس الجهوية والهيئات الدستورية وداخل السفارات والقنصليات المغربية بالخارج.
ويُلزم مشروع القانون المؤسسات العمومية والإدارات والجماعات الترابية، وسائر المرافق العمومية بتوفير بنيات الاستقبال والإرشاد باللغة الأمازيغية، وكذا توفير خدمة مراكز الاتصال التابعة لها باللغة الأمازيغية، وكذا تأهيل موظفيها المعنيين بما يمكنهم من التواصل باللغة الأمازيغية مع المواطنين.
وعلى مستوى المحاكم، ينص المشروع دائماً على أن تكفل الدولة للمتقاضين الناطقين بالأمازيغية بناءً على طلبهم الحق في استعمال اللغة الأمازيغية خلال إجراءات التحقيق أو للترافع وتقديم شهادة أمام المحكمة، وهو ما يعني بحسب المشروع أن الدولة ستؤمن خدمة الترجمة دون مصاريف بالنسبة إلى المتقاضين، الذين يحق لهم كذلك سماع النطق بالأحكام باللغة الأمازيغية.
استياء في صفوف الأمازيغ
وعبّر الناشط الحقوقي والأمازيغي أحمد أرحموش عن أسفه لكون المجلس الوزاري الذي يرأسه العاهل المغربي صادق على هذه النسخة من مشروع القانون التنظيمي للغة الأمازيغية في الوقت الذي كانت الحركة الأمازيغية بمختلف مكوناتها تنتظر مطالبة المجلس للحكومة بإعادة صياغته وإدخال تعديلات عليه.
وقال أرحموش، في تصريح لـ"عربي بوست"، إن مصادقة المجلس الوزاري على المشروع "قرار مؤسف إذ كان من المنتظر أن يأخذ بعين الاعتبار مقترحات الحركة، وعلى رأسها تحديد آلية وطنية تحكمها قيم الديمقراطية والحكامة لكن للأسف لم يتم ذلك".
وحمل المتحدث المسؤولية في المصادقة على مشروع القانون لحكومة عبدالإله بنكيران التي جاءت بالمشروع في آخر عمرها خلافاً لما ينص عليه الدستور، معتبراً أن مصادقة المجلس الوزاري "تفرض خيارين لا ثالث لهما: فإما رفض ما صادق عليه المجلس الوزاري وبالتالي مقاطعته، أو الاستمرار في المرافعة داخل البرلمان عبر ربط علاقات مع من يحمل مواقف إيجابية من اللغة الأمازيغية".
وأضاف الناشط الأمازيغي: "ينتظرنا عمل كبير مع البرلمان والحكومة المقبلين، ونتمنى أن تفرز الانتخابات الحالية تشكيلة يمكن أن تلعب أدوارها في هذا الباب، وتكون تشكيلة تؤمن بالتعددية اللغوية".
قانون تراجعي
واعتبر الباحث في العلوم السياسية حفيظ زهري أن مشروع القانون الذي جاء في آخر عمر الحكومة المغربية الحالية هو "قانون يراد به أي شيء إلا الترسيم الفعلي للغة الأمازيغية"، موضحاً أن "المادة الأولى لهذا المشروع – مختلف التعبيرات اللسانية الأمازيغية – تبين أنه تراجع عن منطوق المادة الخامسة من الدستور التي تتحدث عن اللغة الرسمية، وهذا ما يعود بنا لنقاش التسعينات حول اللهجات الأمازيغية".
وقال المحلل السياسي في تصريح لـ"عربي بوست" إن المشروع تحدث عن الأمازيغية كموروث يجب الحفاظ عليه وليس ترسيمها"، متابعاً: "هذا ما يجعلنا نتحدث عن وجود نية مبيتة لتعطيل الترسيم من قبل الحكومة الحالية".
واعتبر المتحدث أن الحكومة "تتخاذل في هذا الجانب رغم وجود حزب داخل أغلبيتها ظل يدافع عن اللغة الأمازيغية وترسيمها"، في إشارة إلى حزب الحركة الشعبية.
وتساءل الباحث في العلوم السياسية عن الجدوى من قانون تنظيمي لم يحدد بدقة ما يجب القيام به من أجل إدماج اللغة الأمازيغية في التعليم، مشيراً إلى أن المشروع اكتفى بتحديد المؤسسات التي ستسهر على ذلك، وهذا في حد ذاته خرق للدستور، حسب رأيه.