عذراً أيتها الأرض

أصبحت الشعوب اليوم تباع في سوق المصالح الرخيصة، البعض منا داخله يعدون كتلة من الأغبياء ينخدعون بجمل الخطابات السطحية التي توهمهم بالنصر وتذلهم بالهزيمة في الواقع، ما دامت لا تستغل كفاءات الشعوب داخل أوطانهم ولا تزهر بدعم منها فلن نصل إلى نقطة التقدم

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/29 الساعة 07:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/29 الساعة 07:29 بتوقيت غرينتش

احملوا أنفسكم وانفذوا بجلدكم قبل أن تقتلعنا الأرض وترمي بنا إلى مكان مجهول، والحق لها اليوم في ظل كل هذا التلوث الذي أصبحت تعيشه، لوثناها بأمراضنا النفسية وصراعاتنا الذاتية، بمسرحياتنا المملة وقصصنا الخرافية، إن كوكب الأرض الذي حملنا رغم ثقلنا وتحمل حماقاتنا غاضب منا، كلما مررنا بزاوية هادئة من زواياه يخبرنا أننا محظوظون لأننا نعيش فوقه، لكننا مع ذلك لم نحترم قواعده ولم نهتم أو نكترث بما يحدث فيه، كل ما يهمنا هو أنفسنا ومصالحنا، لا نؤمن بالمستقبل وليس لنا نية في التفكير في تصوره وبنائه.

نولد ونكبر، فندرك بذلك ذواتنا وذوات المحيطين بنا، وعلى رغم اختلافنا نعيش ونمضي نحو مصالحنا غير مدركين لخطورة طغيان الأنا على أنفسنا، أتعجب دائماً لهذه الأرض التي تحملنا فهي تتعذب بسبب الحروب وتتدمر، لكننا لا نستطيع أن نتضامن ونتحد لإنقاذها، شعوباً وقبائل، اختلفنا تفكيراً، عرقاً، جنساً وديناً، ولم نقدر على تحقيق السلام ونبذ العنف والحقد والكراهية بيننا، صحيح أننا أحببنا السلام داخلنا ودافعنا عنه كثيراً، لكننا لم نصل إلى المستوى المطلوب في ملء أرضنا سلاماً، ذلك أن في داخل كل واحد منا حرباً تنهش قلوبنا، فالضعيف يبغض القوي، وهذا الأخير بدوره يسعى لعزل الضعيف عن عالمه.

إن الحق مفتاح العدل والحرية، لكنه صعب المنال في زمن المصالح، لذلك اخترنا مصاحبة الباطل وتوسيع مساحات الظلم والعنف والاستبداد، والكثير منا عشقوا الحرية، يحلمون بها ويسعون لمجرد عناقها والذوبان بين أحضانها، منهم من ينتظرون شفقة الآخر ليحرره، وآخرون يحاربون بكل ما أوتوا من قوة مهما كلف الثمن للحصول على حريتهم وكرامتهم، لكن يا ترى كيف سيكون مستقبلهم؟ هل ستتحقق أمانيهم وينعمون بحريتهم؟ لا أحد يعلم، كل ما نعرفه هو أن ذلك صعَّب شيئاً ما في زمن يبحث عن السلام والمساواة.

فلنسأل أنفسنا أين اختفت نجوم حضارتنا؟ أين رحلت مبادئنا وأخلاقنا؟ أين ضيعنا قدراتنا ومواهبنا؟ أسئلة كثيرة لا تنتهي تحوم حول عالمنا، قلة هم من يكرمون عندنا من علماء وأدباء ورسامين، بينما تجد مغنياً لا تحمل أغنيته أي معنى في مضمونها ولا تحمل رسالة تنفع بها أمتها يملك أكبر الجوائز ثم يحسب نفسه يخدم مجتمعه بفنه ذاك الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وقليلاً ما أسمع عن مغنين كرموا لغنائهم عن حب الوطن والحق. فقط أود أن أعلم ماذا قدم هؤلاء المغنون لاقتصاد أوطانهم أو حل مشكلاتها وأزماتها كي يكرموا لشهرة أغانيهم السخيفة. نحن مجتمع يملك عقولاً وعلماً وفيراً، ونملك أيضاً أفكاراً روحية تسمو بنا إلى سماء المسرات، لكننا مع الأسف لا نستغلها جميعها وبذلك فتحنا فجوة للخلل ليدخل بيننا ويحول دون الرقي بحضاراتنا والحفاظ عليها.

أصبحت الشعوب اليوم تباع في سوق المصالح الرخيصة، البعض منا داخله يعدون كتلة من الأغبياء ينخدعون بجمل الخطابات السطحية التي توهمهم بالنصر وتذلهم بالهزيمة في الواقع، ما دامت لا تستغل كفاءات الشعوب داخل أوطانهم ولا تزهر بدعم منها فلن نصل إلى نقطة التقدم؛ لأننا نحتقر ما لدينا وننظر إلى ملك الآخر نظرة تعظيم وإجلال، نحن من خلقنا القوانين لننظم حياتنا على هذه الأرض واخترنا الأنسب فينا لتحمل مسؤولية الحكم وتدبير شؤوننا السياسية، الاجتماعية، والثقافية لكن سلطة الأنا دائماً ما تسعى لإرضاء نفسها دون الاكتراث بالآخر وما سيصيبه.

فعذراً يا كوكب الأرض، دمرناك دون قصد؛ لأننا أعطينا البعض حق التخريب ونشر بعض السلوكات الرديئة، دمرنا بيئتنا ولوثنا كل جنب فيك بنفاياتنا التي لا تنتهي، لوثناك بدماء الأبرياء وطغيان الظلم، بالاستهزاء من الضعفاء واحتقارهم، باللغو والعداء، بالحقد والحسد، بالجري وراء الثروة والنفوذ، بتكريم أصحاب الفن الزائف، بقتل الكرامة، باغتصاب براءة أطفال وإحراق قلوب أمهات، بالتفكير بحلم غائب دون استغلال ما بين أيدينا، عذراً يا أرضنا، سامحينا بحقك.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد