هكذا فعلت قنابل روسيا الارتجاجية في سكان أحياء حلب المحاصرة

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/27 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/27 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش

كان دويّ الانفجار مختلفاً عن كل ما سمعه عبدالكافي الحمدو من قبل. تسقط الحجارة الموجودة على بعد كيلومتر أمام المنزل الذي يتحصّن فيه المدرس وزوجته وابنتهما ذات الـ 7 أشهر.

مع وصوله إلى الموقع بعد ظهر الجمعة 23 سبتمبر/أيلول 2016، أدرك الدمار الذي طال حي مشهد الواقع في شرق حلب، بالإضافة إلى الحفرة التي خلفتها القنبلة. كانت هذه هي المرة الأولى التي قالت فيها المعارضة إنها وثّقت استخدام قنابل اختراق التحصينات في المدينة الثانية بسوريا، بحسب تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية.

القنابل الارتجاجية


صُممت قنابل اختراق التحصينات، التي يُطلق عليها اسم "القنابل الارتجاجية"، لتتمكن من إصابة الأهداف المدفونة على عمق كبير تحت الأرض. يمكن أن يصل وزن النماذج الروسية من تلك القنابل إلى أكثر من طن، وتخترق مسافة مترين في الخرسانة المسلحة.

لم تعترف روسيا بعد باستخدامها لتلك الأسلحة، لكن في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأحد الماضي وجّهت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا الاتهامات لموسكو باستخدام المتفجرات "المُخصصة لتدمير المنشآت العسكرية"، في تدمير المنازل وملاجئ الحماية من القنابل.

أُصيب حمدو باليأس عندما رأى تأثير إحدى تلك القنابل على مدينة مشهد. كل المنشآت التي اختبأت تحت الأرض هرباً من الدمار، ما بين المدارس ودور الأيتام والمستشفيات، أصبحت جميعها في خطر الآن مرة أخرى.

"لا يرغب أحد في مساعدتنا"


قال حمدو: "عندما رأيت ما حدث تساءلت إن كان من الممكن أن يلحق كل هذا الدمار بالمكان، ولا يرغب أحد في مساعدتنا. في تلك اللحظة تأكدت من أن المجتمع الدولي قد حكم علينا جميعاً بالإعدام، وأن قيمتنا لديهم لن تتخطى تسجيل أسمائنا في قائمة الشهداء الذين سيبكون عليهم في وقتٍ ما في المستقبل".

هناك مزاعم بسقوط اثنتين من قنابل اختراق التحصينات في ذات اليوم، واحدة في حي الخُضُر، والأخرى في طريق الباب، وكلاهما من الأحياء المُحاصرة التي تسيطر عليها قوات المعارضة في الضواحي الشرقية لمدينة حلب. وفي إحدى صور المشهد الأخير، يقف أحد الرجال في منتصف الحفرة التي خلفتها القنبلة، بينما يبدو حجمه ضئيلاً للغاية بجانب حجم الدمار المُحيط.

تسببت الضربات الجوية في الأذى الشديد لأهل المنطقة الشرقية من حلب، واستمرت الضربات لخمسة أيام متتالية، أودت فيها بحياة المئات، وخلّفت وراءها الكثير من المصابين. ووصلت ضراوة تلك الضربات كما صرح السكان المحليون، إلى حد لم يسبق له مثيل منذ أن تحولت بداية الثورة إلى حرب أهلية منذ أكثر من 5 سنوات.

أما تلك المدينة، التي كانت تعتبر العاصمة التجارية الصاخبة لسوريا قديماً فقد تم تقسيمها إلى الجزء الشرقي الذي تسيطر عليه المعارضة، والجزء الغربي الذي تسيطر عليه حكومة بشار الأسد. واستمر الجزء الشرقي تحت الحصار لمدة 3 أشهر.

تأتي الحملة الأخيرة بعد انهيار الهدنة التي تفاوضت عليها كل من موسكو وواشنطن لوقف إطلاق النار، لكن حكومة الأسد تعهدت باستعادة السيطرة على المدينة بأكملها مهما كان الثمن على ما يبدو.

وتحمّلت حلب الشرقية سنوات طويلة من الهلاك، وتدمير الأحياء التي يتم قصفها باستمرار عن طريق البراميل المتفجرة، بالإضافة إلى قصفها بالذخائر الفسفورية الحارقة مؤخراً، والتي تركت المدينة مشتعلة.

الأحداث قاسية


صور الأحداث التي جرت الأسبوع الماضي كانت قاسية للغاية. ففي واحدة منها، يظهر العاملون بالدفاع المدني بعد إيجادهم لأم تمسك برضيعها تحت الأنقاض، وهو ميت ومُغطّى بالغبار الأبيض. وفي صورة أخرى، تظهر 5 جثث لعائلة واحدة في إحدى البلدات التابعة للمعارضة خارج حلب، وهم مكُفنون بالقماش الأبيض، ويبدو كفن الأطفال أصغر في الحجم بشكل واضح للغاية.

هناك نوع جديد من الرهبة والرعب في أصوات السكان، بينما يقومون بوصف تأثير قنابل اختراق التحصينات.

قال محمد أبورجب، الطبيب بأحد أكبر المراكز الطبية الموجودة في شرق حلب: "نواجه أعمالاً غير آدمية ومجازر حقيقية وأسلحة استثنائية وغير مسبوقة، لم يتم سماع صوت انفجاراتها أبداً من قبل. إذ إنها تتسبب في إحداث هزة أرضية تحت أقدامنا".

في اجتماع لمجلس الأمن الدولي الأحد الماضي، دانت كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة استخدام قنابل اختراق التحصينات. كما أدانت سامانثا باور، مبعوثة الولايات المتحدة، الوحشية التي قالت إن روسيا تقوم بها في الحرب نيابة عن الأسد.

صُمِّمَت لتدمير المنشآت العسكرية وتُستخدم لتدمير المنازل


وقال السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة ماثيو رايكروفت: "قنابل اختراق التحصينات، والتي صُمِّمَت خصيصاً لتدمير المنشآت العسكرية، تُستخدم الآن لتدمير المنازل، والفتك بملاجئ الحماية من القنابل، وتقوم بشل وتشويه وقتل العشرات، إن لم يكن المئات".

كثيراً ما توصل أهل حلب الشرقية إلى حلول جديدة للبقاء على قيد الحياة على الرغم من الهجوم على الأحياء التي يعيشون فيها. وحتى الآن، كان انتقالهم إلى تحت الأرض، هو أحد وسائل الحماية.

قال عمر عرب، الصحفي الذي يعيش في حي المشهد، الذي شهد الدمار الذي أصابه هو وحي السكري الذي تقول المعارضة إن قنابل اختراق التحصينات استُخْدِمَت فيه: "أعيش في حلب منذ 5 سنوات وشهدت الكثير من القصف، ولكنني لم أرَ مثيلاً للدمار الذي تتسبب فيه هذه القنابل".

حتى القنابل البرميلية المفزعة، وهي عبارة عن اسطوانة مكتظة بالمتفجرات التي تُلقى من الطائرات والهليكوبتر التي تُعَد غير دقيقة بالمرة في قصفها، فإنها لا تبعث مقدار الرعب الذي تبعثه تلك القنابل.

وأضاف عرب: "لا توجد أماكن كثيرة للجوء والحصول على مأوى، والخطر الأكبر على كل حال، أنهم سوف يهدمون مباني بأكملها. فعلى كل حال، تقوم القنابل البرميلية بهدم طابقين بالمبنى الواحد. أما في القصف الذي حدث في حي السكري، فقد تسببت القنابل في هدم مبنى كامل مكون من 6 أدوار.أصابتني تلك القنبلة على وجه الخصوص بالذعر، على الرغم من أنني أرى العديد من الأشلاء يومياً".

تأثيرها يشبه الهزة الأرضية


أما عارف العارف، المقيم في شرق حلب الذي يسكن قريباً من حي طريق الباب، الموقع الذي انفجرت فيه قنابل اختراق التحصينات، فقال: "تأثيرها يشبه الهزة الأرضية. وهي المرة الأولى التي أرى فيها شيئاً لديه هذه القوة التدميرية الهائلة. إنها حرب إبادة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى".

بالنسبة لكل من يقوم بتأييد الهجوم على حلب الشرقية، فمن الواضح أن الحملة القائمة التي تهدف إلى تمشيط كل مكان على أرض حلب، بما في ذلك استخدام قنابل اختراق التحصينات، لديها غرض وحيد وهو ترهيب أهل حلب لإرغامهم على الخضوع والاستسلام.

وقد نجحت الحكومة بالفعل في الأسابيع الأخيرة في الوصول إلى صفقات استسلام مع قوات المعارضة الذين يعيشون تحت الحصار الذي طالت مدته كثيراً – على حي الوعر، وهو أحد أحياء حمص التي أعلنت تمردها، بالإضافة إلى داريا، وهي إحدى ضواحي دمشق التي رضخت واستسلمت الشهر الماضي بعد حصار دام لمدة 4 سنوات.

يعتقد المواطنون أن الحكومة تأمل القيام بالأمر ذاته في حلب. فقد طلبت من المدنيين الذين يودون الهرب من المذبحة القائمة، أن يقوموا بالهرب عن طريق الممرات المصممة خصيصاً لهم، والتي تؤدي إلى أحياء تابعة للحكومة.

طريقة تقبل الجرائم الوحشية


وقال عرب: "الهدف من هذا الأمر هو تهجير الجميع. فأهل حلب يشعرون بالذعر من هذا النوع الجديد من القنابل. وتحرص الحكومة على القيام بمجازر أكثر وحشية لإجبار الناس على النزوح".

وقد تكون هذه هي الطريقة الوحيدة لاستعادة حلب الشرقية بالفعل، وهي غنيمة كُبرى للحكومة التي تأمل أن يتحول التمرد ضدها إلى تمرد ريفي، بينما تقوم هي بالسيطرة على المراكز الحضرية في البلاد.

عندما سُئل عن الحملة التي تقوم بها الحكومة، قال دبلوماسي غربي مطلع على محادثات وقف إطلاق النار: "الطريقة الوحيدة لتقبل مثل هذه الجرائم الوحشية، هي معرفتنا بأنها لن تنسى على مر عقود أو أجيال".

وقال حمدو: "لم أندهش من قيام روسيا بمثل هذه الأفعال. فهي دولة قاتلة، مُجرمة. لكنني كنت متفاجئاً من سماح المجتمع الدولي لهم باستخدام تلك الأسلحة".

وأضاف: "سقطت الأقنعة عن روسيا والنظام الحاكم منذ زمن بعيد، أما الآن، فقد سقطت أيضاً عن أولئك الذين يدافعون عن حقوق الإنسان من المجتمع الدولي. إنه الجحيم بنفسه".

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

علامات:
تحميل المزيد