تخيل نفسك أنك تستيقظ كل يوم وقبل أن تنهض من فراشك أو تلقي تحية الصباح على أحدهم أن تبدأ يومك بعبارة "أنا فاشل" أو "أنا لا شيء"، ثمّ تكمل بقية يومك الذي سيكون بلا أدنى شك دون أي قيمة مضافة تذكر سواءً على المستوى الشخصي أو المستوى العائلي أو المستوى المجتمعي. فكيف ستمتلك القوة التي ستمكنك من التغيير؟ ولا أقصد هنا التغيير بمفهومه العميق والجذري.
فقد يكون التغيير تميزاً في مجالك الوظيفي من خلال طرح أفكار خلاّقة، أو تميزاً في مجالك الدراسي، أو حتى التخطيط لنزهة ما مع أفراد العائلة للابتعاد عن الجو المشحون العام، أو كأضعف الإيمان محاولة رسم ابتسامة لطيفة على محيا طفل مشرد أو إنسان فقير منهك تطحن أمعاءه عصارات الجوع الظالمة.
بكل تأكيد لن تكون قادراً على فعل أي شيء مما ذكر؛ لأنك أطرت يومك ومزاجك العام وطعمته بالسلبية المطلقة التي لن تنتج إلا تذمراً مبالغاً من كل ما حولك وحتى من نفسك، وعدم الإيمان بالذات والتقليل من قيمة نفسك، والأكثر خطراً من كل ذلك بأنك ستكون بمثابة فايروس معدٍ يمشي على قدمين وينقل مرض "الإحباط وتثبيط الهمم" لكل من يلتقي بهم، فقد كانت أولى تجاربنا العلمية الطفولية هي كيفية زراعة حبة الحمص المسكينة في قطعة القطن المبلل والمراحل التي يجب علينا مراعاتها حتى تبدأ الحبة بالإنبات كالحفاظ على القطنة مبللة وتعريضها بشكل منتظم لأشعة الشمس على مدار 8 إلى 10 أيام، ولولا توافر البيئة الرطبة المرافقة لأشعة الشمس لما نبتت حبة الحمص ولتعفنت وانتهت إلى دون رجعة.
فالبيئة المناسبة هي الأهم لنجاح أي مشروع زراعي أو اقتصادي أو مجتمعي أو إنساني على حد سواء، ودون توافر هذه البيئة لن يتوفر النجاح بكل تأكيد.
ولو أسقطنا كل ما سبق على حالنا نحن الشعب العربي الذي يعيش ويتلذذ بواقع "المظلومية" ومفهوم "ما باليد حيلة" لوجدنا بأننا أقرب ما يكون إلى حال ذاك الشخص الذي يستيقظ كل صباح على مقولة "أنا فاشل" أو كحال حبة الحمص التي تتعفن لعدم توافر الظروف المناسبة للبقاء. فأغلبنا اليوم لديه الشعور بأننا ثلة أقوام فاشلة، همجية، لا تحترم القوانين والأنظمة، ليس لدينا القدرة على الإبداع والتطوير، وحتى لسنا قادرين على العيش دون تلك العصا التي لا أعرف من كذب علينا، وقال بأنها من "الجنة" أو كما يقول أهلنا في مصر "إحنا ما نجيش غير بالجزمة القديمة"، "ويا ليتها كانت جديدة!!"، حتى إننا أصبحنا ننتظر "النيزك المنتظر" الذي سيخلصنا من حالنا وواقعنا المظلم الذي وصلنا إليه، وأنا هنا لا أحاول تلميع واقعنا العربي المثقل بالران، لكن أدعو وبكل فخر إلى الإيمان بالمواطن العربي والشاب العربي وما يمتلكه من طاقات.
فأغلبنا اليوم لديه إيمان راسخ بأننا نحن الشعب العربي الفقير بأغلبه والمثقل بجراح الحروب وويلات الشتات والنزوح، الذي أصبح ماركة مسجلة لنا، هو السبب بكل المصائب والويلات التي تتساقط علينا كحبات المطر الموحل. فلو أتيحت لك الفرصة لفتح نقاش أو حوار مع مجموعة من الشباب العربي لسمعت جمل وعبارات جلد للذات وتوبيخ للنفس وازدراء لقيمة الإنسان العربي. ومن تلك الجمل أن تسمع أحدهم يقول: "نحن شعب لا تليق بنا الديمقراطية"، أو "نحن شعب لن يستطيع العيش دون الرسن المتوارث" أو "نحن شعب متخلف"، ويتناسى هذا الأحد كل الظروف والمسببات التي قوقعة المواطن العربي والعالم العربي ضمن بوتقة الضياع الضيقة والضيقة جداً حتى لا تقوم لنا قائمة، وما زاد الطين بلة أننا توصلنا إلى قناعات راسخة ندين بها أنفسنا، ونحمل أنفسنا أوزار غيرنا ونزيد ونتفنن بالبكاء واللطم وسب الذات العربية.
صدقني لو أجريت مقارنة بسيطة بين ما ينتجه الشاب العربي على مختلف الأصعدة الفنية والموسيقية والعلمية والأدبية والمجتمعية والإنسانية آخذين بعين الاعتبار البيئة العربية المحيطة، وبين ما ينتجه المواطن الغربي على نفس الأصعدة السابقة الذكر لوجدنا أن نتاجنا العربي ليس بالسوء المتوقع. فالمواطن الغربي تتوفر له بيئة محرضة على الإبداع، لم تنشب حروب ونزاعات طائفية وعرقية في منطقته منذ سنوات وسنوات، يعيش في وطنه ويتمتع بدرجات عالية من الديمقراطية والحريات والتطور؛ لذا فنحن نظلم أنفسنا عندما نقول بأن الغرب تليق بهم الحضارة والرقي، وبأننا همج لفظهم الماضي والحاضر وسيلفظهم المستقبل بكل تأكيد.
كل ما أريده هو أن يؤمن المواطن العربي بما لديه من مقدرات، وبأن يغرس في عقله وقلبه وجوارحه بأنه "يستطيع"، نعم "يستطيع"، وهذه الاستطاعة ستمكنه يوماً ما من إحداث التغيير المطلوب الذي سيرتقي بواقعنا رويداً رويداً، فالمرحلة الراهنة التي تمر بها المنطقة العربية حرجة جداً، وتحتاج إلى إيمان بالذات، إيمان بقدرتنا على بناء مجتمعاتنا وعدم الاستسلام لواقع الرشوة والفوضى والظلم والفقر والموت بالجملة والمفرق. "نعم نستطيع"، وسنستطيع وسنبذل كل ما بوسعنا حتى نستطيع، والنجاح يبدأ من القطنة المبللة وأشعة الشمس!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.