لقد اعتادت أجهزة مراقبة الحدود الأميركية على التعامل مع الكثير من الناس من مختلف الجنسيات ممن يحاولون العبور إلى بلادهم من ناحية المكسيك، لكن المسؤولين لاحظوا في العامين الماضيين ارتفاعاً طفيفاً، لكنه ملحوظ، في أعداد مجموعة معينة من المواطنين الأوروبيين ممن يطلبون حق اللجوء إلى أميركا.
"أقلية مضطهدة"
ومع تزايد النزعة القومية في أوروبا من جهة وكراهية الأجانب من جهة أخرى، يرتفع عدد أفراد طائفة "الروما" (الغجر) المتوافدين إلى أميركا ممن يزعمون انتماءهم إلى "أقلية مضطهدة"، فقد قُبض على حوالي 1800 من أفراد طائفة الروما خلال يوليو/تموز من هذا العام، مقارنةً بأقل من 400 فرد عام 2015، والتمس جميعهم تقريباً حق اللجوء خوفاً من جرائم الكراهية والعنصرية التي تقلِّص من فرص إقامتهم بأوروبا.
ويقول مارك إنديكوت من جهاز مراقبة الحدود بسان دييغو لمجلة "فورين بوليسي"، إنه كان من السهل إيجاد الوافدين من أفراد طائفة الروما والذين يبلغ عددهم 731 والذين عبروا منطقة دوريات المراقبة بالمدينة -على عكس الجنسيات الأخرى التي تحاول التواصل مع شبكات تهريب البشر– لأنهم لم يحاولوا حتى التهرب من الدوريات الأميركية.
وأضاف إنديكوت: "إنهم يبحثون على الفور عن أحد أجهزة مراقبة الحدود ويلوِّحون له حتى يتم القبض عليهم ليبدأوا في الزعم بخوفهم من الاضطهاد، فكلهم تقريباً يطلبون حق اللجوء بسبب الخوف من الاضطهاد". ومعظم أولئك يكون من النساء والأطفال.
التهجير الطويل
ولازدياد تدفق الوافدين من الروما جذورٌ في تاريخ التهجير الطويل، الذي طالما عانوا منه؛ فطائفة الروما هي أقلية عرقية موجودة بأوروبا –يُشار إليها أحياناً بكلمة الغجر كسُبَّة عنصرية- وترجع أصولها إلى الهند؛ ولقد ظلوا يعانون من التمييز العنصري، والاضطهاد، وعدم الحق في الاقتراع، والإجلاء على مدى قرون من الزمان، وغالباً ما كان يتم ذلك من قِبَل الدول أو الحكومات، وما يزال معظمهم يعيش في فقر مدقع. وقد هاجرت موجات من أفراد طائفة الروما إلى الولايات المتحدة الأميركية على مر التاريخ، في مطلع القرن العشرين على وجه الخصوص.
ويقول بعض نشطاء الروما إن التدفق الجديد يُعد صغيراً بالمقارنة مع الماضي، لكنه دلالة على ازدياد يأسهم إثر عدم قدرة أو عدم رغبة أوروبا في حماية حقوقهم.
تقول إيثيل بروكس، الأستاذة بجامعة روتجرز ورئيس مجلس مركز حقوق طائفة الروما في أوروبا، لمجلة "فورين بوليسي": "طائفة الروما ليس مُرحَّباً بهم، والمهاجرون ليس مُرحباً بهم أيضاً الآن؛ فالبيئة حولهم عدائية وتتسم بكثير من العنف حتى في أوروبا الغربية"، حتى أنه يمكنك إيجاد لافتات في مدن رومانية لم تزل تتبنى التمييز في الأماكن العامة تقول: "ممنوع الكلاب والغجر".
على هامش المجتمع
وقال زليكو يوفانوفيتش مدير "مكتب مبادرات مجتمع الروما المنفتح" للمجلة الأميركية، إنه حتى العقد الأخير من الزمان فقط، ظل لدى الكثير من طائفة الروما آمالٌ في أن الاتجاه إلى رأس مال السوق، والانتخابات الديمقراطية، وحرية الانتقال سيغيِّر من التوجه العام ويُثمر عن بعض النتائج التي ستصب في صالحهم.
فعندما كانت بعض أمم أوروبا الوسطى تدرس أمر الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ما بين عاميّ 2003 و2007 واحتمالية الحصول على عضويته، عملت بعض الدول مثل المجر، ورومانيا، وبلغاريا على البدء في تحسين معاملاتها وتوجهاتها، وتوجَّب عليهم الالتزام بحقوق الإنسان، ووضع برامج لدعم جاليات الروما ودمجهم في المجتمع؛ إذ كانوا يعيشون في ظروف قاسية على هامش المجتمع، بل كانوا يوصمون بأنهم شحاذون أو لصوص.
لكن يوفانوفيتش يطلق عليه "وعد منقوض".
ويضيف يوفانوفيتش: "لقد رأينا تغييراً كبيراً للأسوأ خلال العامين الماضيين لأن تلك الدول فقدت اهتمامها بتنفيذ سياساتها المقترحة بعد انضمامها للاتحاد الأوروبي".
حاول البعض من طائفة الروما استغلال قانون حرية الانتقال بين دول الاتحاد الأوروبي للانتقال إلى دول أوروبا الغربية للبحث عن وظائف لكن أصبح الأمر شبه مستحيل، بل وعدائي، في كل البلاد تقريباً نظراً لأزمة الديون الأوروبية، وتدفق اللاجئين السوريين، وزيادة الخوف من الهجمات الإرهابية التي أشعلت كراهية المهاجرين، فأصبح الأمر لا يُطاق بالنسبة للمجموعات السكانية المستضعفة.
ولقد وجد مركز "بيو" للأبحاث في السنوات الماضية، أن المشاعر السلبية تجاه طائفة الروما تتزايد باستمرار عبر أوروبا، حتى أن الأوروبيين كانوا ينظرون لهم في 2016 نظرة أسوأ من تلك التي ينظرون بها للمسلمين واليهود في إيطاليا، وفرنسا، وألمانيا.
يعانون التمييز العنصري
وتستمر المنظمات الحقوقية مثل منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" في توثيق التمييز العنصري المنظم ضد طائفة الروما في دول الاتحاد الأوروبي. وقدَّمت وزارة الخارجية الأميركية تقريراً في عام 2015 عن حقوق الإنسان في رومانيا، الدولة التي يهاجر منها آخر موجات اللاجئين، يشير إلى أن التمييز ضد طائفة الروما يُعد "مشكلة كبرى" مستشهداً بشكاوى التحرش والمضايقات، ووحشية الشرطة تجاههم، وحرمانهم من الخدمات في الأماكن العامة، والتمييز ضدهم بالمدارس، وعدم توافر الرعاية الصحية، بالإضافة إلى مشاكل أخرى.
وبرغم كل ذلك إلا أنه يصعُب بشدة منح طائفة الروما حق اللجوء إلى الولايات المتحدة الأميركية، كما أنه لا توجد سياسة سواء بأميركا أو بالأمم المتحدة تستطيع تطبيق معايير اللجوء على طائفة الروما. ولقد رأت بروكس بعض اللاجئين من طائفة الروما ممن يزعمون أنهم نجحوا في الوصول للولايات المتحدة، وتقول: "إن عليهم أن يقدموا الكثير من الأدلة، كما أن فرص نجاحهم ضعيفة"، وهي قلقة بشأن اتجاه السياسة الأميركية إلى تصنيفهم كمهاجرين على خلفية أسباب اقتصادية لأنهم فقراء وبلدهم ليست في حالة حرب.
وقال يوفانوفيتش إن تصنيف طائفة الروما على أنهم يهاجرون لأسباب اقتصادية سيكون خطأً كبيراً.
فقراء
ويضيف يوفانوفيتش: "لقد ظلت طائفة الروما فقيرة على مدى قرون من الزمان لكن المشكلة الرئيسية هي أنه لم يعد لديهم أي أمل بعد الآن". كما قال إن الاتحاد الأوروبي يخصص بعض المعونات لتحسين أوضاع طائفة الروما لكنه يعتقد أن تلك المعونات لا تُستغل بالطريقة الصحيحة.
ويضيف: "عندما بدأنا بعض المبادرات الكبرى من أجل حقوق طائفة الروما في عاميّ 2003 و2004 لاقينا إرادة سياسية أكبر وموارد مادية أقل من المتاحة الآن لحل مشكلة وضع طائفة الروما في أوروبا؛ فنحن ليس لدينا شُحاً في الموارد بل يكمن الشُح في الإرادة السياسية".
يقول الخبراء إن الولايات المتحدة الأميركية تُعَد وِجهة لطائفة الروما لأنهم يرونها أكثر انفتاحاً من غيرها، ويرونها دولة يمكنهم الاندماج فيها بسهولة، حيث لا ينتبه إليهم أحد، فمعظم الأميركيين لا يعرفون أن طائفة الروما هي أقلية عرقية مضطهدة أو أن كلمة "غجر" كلمة تحقيرية.
وبالطبع لدى أميركا مشاكلها الخاصة مع الأقليات، كما بيَّنت الدورة الانتخابية الحالية بوضوح؛ فحتى إن تمكن أفراد طائفة الروما من الحصول على حق الإقامة بأميركا فسيظل عليهم مواجهة العنصرية والإقصاء حيث يذهبون، خاصةً ذوي البشرة الداكنة منهم.
– هذا الموضوع مترجم عن مجلة Foreign Policy الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.