كان جزء من التجمع في الحديقة الخلفية حشداً كاثوليكياً، وجزء منه تمرُداً.
طُرد الكاهن، وهو مهاجر عراقي، من الكنيسة المحلية. كما وجه قادة الكنيسة المحلية تحذيراً لأبناء الأبرشية ألا يقوموا بالصلاة معه. إلا أن حشداً من 50 شخصاً جلسوا في مقاعد الكنيسة بدائية الصنع خلف منزل يقع في شرق سان دييغو ليعبّروا عن معارضتهم لموقف مسؤولي الكنيسة الذين يناشدون المسيحيين بالبقاء في العراق، إذ تتضاءل أعدادهم هناك.
"لا يوجد مستقبل للمسيحيين في العراق"، كما يقول بهاء غندور، البالغ من العُمر 31 عاماً، والذي هرب من البلاد عام 2010. "علينا إحضارهم إلى هنا".
تشهد الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية -وهي فرع عن المسيحية يعود وجودها لحوالي 2,000 عام- حرباً داخلية حيال كيفية تأمين ناجتها. ويُهدد الخلاف بتمزيق هذا المعتقد القديم.
الكلدانيون المهاجرون
يسعى بعض الكلدانيين في الولايات المتحدة جاهدين لمساعدة المسيحيين على الهروب من العراق، حيثُ تستهدفهم الدولة الإسلامية وتقتلهم. لكن ما يقومون به وضعهم في صراع مع كبار مسؤولي الكنيسة في بغداد الذين يقولون بأن على الكلدانيين أن يبقوا ويساعدوا في الحفاظ على وجود المسيحية في الشرق الأوسط.
وصلت حدة التوتر بين بغداد والكلدانيين المهاجرين إلى مستوى حرج في مدينة "إل كاهون"، حيثُ استقر الكثير من الكلدانيين.
طُرد الأب نويل جورج من وظيفته بالكنيسة هنا في يوليو/تموز، وهو كاهن أمضى أغلب وقته في العامين الماضيين يضغط على الولايات المتحدة كي تقبل المزيد من المهاجرين المسيحيين من العراق. كما أُجبر مطران عمل لفترة طويلة هو الآخر على التقاعد، وهو مدافع آخر عن المهاجرين العراقيين.
صدمت التغييرات المجتمع الكلداني الكبير في مدينة إل كاهون، ودخل البعض هنا في ثورة صامتة ضد أساقفة الكنيسة.
بدأوا في عقد ما أسموه "التجمعات السرية" مع الأب جورج في منازل متواجدة بالمنطقة. بل إن البعض لوّح بإمكانية إنشاء كنيستهم الخاصة، ,يكون مقرها في الولايات المتحدة، إذ -كما يقولون- يمكنهم الحفاظ على لغتهم وثقافتهم على نحو أفضل عن التواجد في العراق.
"ما هي صلتنا بالعراق؟ نحن أميركيون"، كما يقول الأب جورج، الذي هرب من العراق في بدايات التسعينيات من القرن الماضي أثناء حرب الخليج. "بإمكاننا إنشاء كنيستنا الخاصة هنا".
وأضاف على الفور: "ليس ذلك هدفنا. نُريد الإبقاء على تراثنا".
الغزو الأميركي للعراق
منذ الغزو الأميركي للعراق في 2003، انتقل الكلدانيوين بصورة مطردة بعيداً عن موطنهم. يوجد الآن حوالي 400.000 مسيحي في العراق، بعد أن كان عددهم 1.4 مليون شخص قبل الغزو، وفقاً لما ذكره مسوولو الكنيسة. وصف وزير الخارجية الأميركي جون كيري الاعتداءات على المسيحيين في العراق بالإبادة الجماعية.
في هذه الأثناء، تصاعد تعداد الكلدانيين في الولايات المتحدة لأكثر من 250,000 شخص، يقع غالبيتهم حول مدينتي ديترويت وسان دييغو.
تمثل الهجرة الجماعية مصدر قلق متزايد بالنسبة للبطريرك لويس رافاييل ساكو، زعيم الكنيسة الكلدانية، وهي فرع عن الكنيسة الكاثوليكية الشرقية التي تتبع البابا في روما.
"تلك هي أرضنا"، كما قال لصحيفة The Wall Street Journal في بريد إلكتروني من العراق. "إذا غادرنا، سيغادر كل شيء معنا، ويتفكك شيئاً بشيء من خلال اندماجنا في المجتمعات الجديدة".
في رسالة للمطارنة في مايو/أيار، حصلت عليها الصحيفة، كتب البطريرك ساكو، "ينبغي ألا يُسمح للكهنة الإدلاء بأية تصريحات رسمية تُشجع على هجرة الكهنة الآخرين".
"علينا التضحية بالقليل من الكهنة من أجل المحافظة على البقية"، كما كتب. "لدينا بالفعل تناقص حاد في أعداد الكهنة".
وقال عبر البريد الإلكتروني أن الأب جورج عُزل من منصبه بسبب انتقاده رؤساءه والكنيسة نفسها.
قال مؤيدو الأب جورج أن السبب الحقيقي وراء فصله من الكنيسة واضح.
"يتعلق الأمر باللاجئين"، كما قال مارك أرابو، وهو ناشط في المجتمع الكلداني هنا يعمل مع الأب جورج للحصول على تأشيرات من أجل مسيحيي العراق، عبر مؤسستهم التي تُدعى "مؤسسة الأقلية الإنسانية"، وهي مجموعة غير هادفة للربح مدافعة عن المهاجرين المسيحيين. "كان بسبب مساعدته للأفراد الأضعف في العراق".
القداس الأخير
في الشهور الأخيرة، لا تزال "التجمعات السرية" التي تُعقد بالكاتدرائية الكاثوليكية الكلدانية تمتلئ في أغلبها بالحضور، لكن الشعور بخيبة الأمل منتشر، كما قال الأب مايكل بازي، الذي لا يزال يعمل بالكنيسة.
أضحى الأب جورج رمزاً لخيبة الأمل تلك مع بغداد، والتي فرضت كذلك تغييرات على الطقوس الدينية في الكنيسة هنا.
يُشبه القداس الأخير المعقود في الحديقة الخلفية لمنزل الأب جورجس حشداً كلدانياً تقليدياً: تحدّث بلهجة آرامية، وهي لغة استخدمها الكلدانيون لألفي عام، وألقى عليهم العظة وتناولوا رقائق أحضرها أحدهم خلسة من الكنيسة.
قالت وزان جربو، التي غادرت العراق قبل 40 عاماً، أنها لم ترغب في قطع الصلة بالكنيسة الكلدانية في العراق –كما واظبت كذلك على حضور "التجمعات السرية" في الكاتدرائية– لكنها لم تستبعد فكرة الانفصال.
"يتحتم علينا هنا المحافظة على هُويتنا وطقوسنا الدينية ولغتنا"، كما تقول جربو، البالغة من العُمر 56 عاماً، مُضيفة أن المجتمع الكلداني هنا أنشأ مدرسة لغات وإكليريكية ودير. "أُحب بلادي، لكننا لا نتمكن من ممارسة شعائر ديننا بحرية هناك. يوجد إبادة جماعية".
رغم ذلك، كانت عدة مشاهد من الثقافة الأميركية حاضرة في حشد الأب جورج. يتبادل الحضور الأصغر سناً حديثهم بالإنجليزية قبل القداس، لا يستطيع الجميع من الجيل الثاني للمهاجرين الحديث بالآرامية. وكانت آيات الإنجيل تُقرأ بالإنجليزية كذلك. وامتلأت الثلاجة بزجاجات الجعة التي تحمل كلمة "أميركا" عليها.
قال مايكل إميرسون، أستاذ علم الاجتماع في جامعة رايس ويدرس مجالات الدين والعرق، أن الممارسات الدينية المميزة يمكن الحفاظ عليها في الجاليات المهاجرة. لكن التقاليد تتبدّل –وتخبو اللغة– في البيئة الجديدة.
"يتأثر الدين والثقافة كثيراً بالبيئة المحيطة"، كما قال. "بحلول الجيل الثالث، من الصعب للغاية الحفاظ على الوضع كما كان عليه في بيئة مُغايرة".
عمل المطران إبراهيم إبراهيم، وهو مطران كلداني متقاعد يُقيم في منطقة ديترويت، في بعض الأحيان مُتحديثاً رسمياً للبطريرك ساكو في الولايات المتحدة، بما في ذلك الحديث عن أهمية الحفاظ على تماسك العالم المسيحي في العراق. لكن المطران إبراهيم يؤمن الآن أن الكلدانيين بإمكانهم النجاة في الولايات المتحدة فقط.
"حتى الكلدانيون في العراق يشعرون بذلك"، كما يقول. "نقول ذلك لأننا سمعناها منهم".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.