الحج فريضة عظيمة من فرائض الإسلام وخامس أركانه، ويحضره سنوياً ملايين المسلمين القادمين من شتى بقاع العالم، آتين من كل فج عميق؛ ليشهدوا منافع لهم، وليذكروا ربهم في أيام معدودات، رغم اختلاف لغاتهم وأجناسهم وأشكالهم ورتبهم ومستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يجتمعون في صعيد واحد يرددون شعاراً واحداً في انتظام وانسيابية، وفي مشهد يؤكد أن هذه الأمة رغم كل الأزمات ما زالت بخير.
التكنولوجيا التي غزت بيوتنا عنوة وبدون استئذان دخلت أيضاً إلى فرائضنا ومناسكنا الروحية، فلقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الـ"Selfi" التي أصبحت من الثوابت المشتركة بين أغلب الحجاج، فكما يتزاحم القوم في أداء مناسكهم من طواف ورمي وسعي، فإن هواتفهم الذكية والأقل ذكاء تتزاحم في التقاط أكبر قدر من الصور التي يتم تنزيلها مباشرة على تطبيقات كالـ"واتساب" و"سناب شات" و"إنستغرام" و"فيس بوك" وغيرها من تطبيقات التواصل الاجتماعي.
الارتباط الوجداني والروحاني بالإنترنت في فترة الحج أصبح يطرح سؤالاً جوهرياً حول انتشار هذه الظاهرة واستفادة الشركات المصدرة للتطبيقات من الملايين من المسلمين بالتقاط صورهم في هذه المشاعر التي من المفروض أن تكون فضاء عبادة وتبتل وانعزال وخلوة للعبد مع ربه.
تشير الإحصائيات غير الرسمية إلى وجود هاتف ذكي عند اثنين من كل خمسة حجاج، وهذا يعني بعملية بسيطة أن ثلث الحجاج يمتلكون هواتف ذكية باهظة الثمن تمكنهم من التقاط صور عالية الجودة، كما أن الحج هو سوق تجارية رابحة لشركات الاتصال التي تضاعفت مبيعاتها، وخصوصاً ما يتعلق منها بشرائح الإنترنت التي يستخدمها معظم الحجاج.
ظاهرة الـselfi أو التصوير العشوائي أصبحت مصدراً من مصادر نقل صورة الحجاج وحتى أخبارهم؛ لأن الإعلام الجديد أصبح بديلاً عن وسائل الإعلام التقليدية؛ نظراً للسرعة التي تنتقل بها المعلومة إلى الملايين من سكان الكرة الأرضية، مما يجعلنا نتساءل عن مستقبل الإعلام القديم، وقابلية استمراره في ظل الطفرة التكنولوجية الجديدة؟
لم يعد الحج فريضة روحانية فقط، وإنما أصبح أيضاً ظاهرة سياحية؛ حيث إن الحجاج يتعاملون مع الحج، كفرصة لمعرفة بعض التراث الإسلامي، والتهافت على التقاط صور مع كل المعالم الدينية في أجواء، قد تنافي ما هو مطلوب في مثل هذه الحالات من خشوع وإفراد وجهة للباري عز وجل.
التكنولوجيا الجديدة أصبحت الحاضر الأبرز في كل تفاصيل حياتنا اليومية، مما جعل عبارة "القرية الواحدة" مرحلة تجاوزها الزمن؛ لنصل إلى مرحلة "البيت الواحد" أو "الأسرة الواحدة"؛ لأن هذه الوسائل كسرت كل الحدود وجعلتنا نعيش معاً ونتبادل الثقافات والأفكار والصور والفيديوهات دون أن يكلفنا ذلك سفراً شاقاً أو انتقالاً من مكان إلى آخر، فنحن في زمن السياحة الإلكترونية والدولة الإلكترونية الموحدة.
الأمة الإسلامية أمة مستهلكة، وخصوصاً الدول العربية منها؛ لهذا فنحن الضحية الأكبر لهذا الغزو الإلكتروني الذي جعل منا سوقاً رابحة لكبريات الشركات العالمية التي لم تعد تحتاج إلى تأجيج حروب جديدة من أجل فتح أسواق جديدة، وإنما فقط إلى استراتيجية تسويق تجاوزت الأساليب التقليدية إلى أساليب جديدة، يمكن أن نطلق عليها مفهوم التسويق الروحي وهو مفهوم جديد يمكن كبريات الشركات العالمية من أن تستهدف ليس فقط عقل المستهلك، وإنما قلبه وروحه ليكون مستهلكاً لها في جميع تفاصيله اليومية حتى تلك المتعلقة منها بالمناسك الربانية.
يعتبر الحج التظاهرة الأكبر للمسلمين، ولهذا يمثل سوقاً حيوية لكل من يريد تسويق منتجاته، خصوصاً المنتجات الإلكترونية التي أصبحت تنتشر في الحجاج كانتشار النار في الهشيم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.